كان الطرح الذي يقول إن مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة بمثابة صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل بالتالي من فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة ، مستساغاً منذ سنوات بعيدة لكنَّ أعباء حياتنا المعاصرة صارت كالجبال وصار الجميع يئن من وطأتها بدون تمييز يخص النوع أو حتى المرحلة العمرية.. ولكن هذا الرجل الذي يعاني من ضغوط هائلة ومتنوعة وتلك المرأة التي تعاني من ضغوط أكثر صعوبة وتعقيداً، لن تمنعهما أهوال الحياة هذه من الإبداع و فورانه، إذ أن مناط الأمر في ظني هو مدى أصالة الموهبة وضغطها على المبدع كي يتيح الفرصة لها كي تخرج في أي شكل تختار أن تتشكل فيه، من عدمه.. إن تفرغ الأديب لمصلحة أدبه أمرٌ عظيم وقد يكون منتجاً طبعاً لكنه يظل تعبيراً عن رفاهية أبعد ما تكون عن واقعية حياتنا في العالم الثالث.. بصراحة تامة، لقد صرت لا أستوعب أي فرق في جنس المبدع الذي أبدع النص أو أعول على هذا الأمر باعتباره سيحدث فارقاً مدهشاً بالنسبة لي.. كتابات كثيرة تبدعها المرأة تتماشى مع أسئلة وتفاصيل الوجود والإنسان بدون أن تحد رؤيتها أو تؤطرها أو تضيقها كونها امرأة، تماماً مثلما يفعل الرجل.. لقد بت أتعامل مع الإنسان في حد ذاته أياً كان موقعه أو نوعه أو هويته..مفسحاً بعض المجال للاختلافات الثقافية ولكن ليس كل المجال وليست الصورة كلها.. وبهذا تظل جملة "التفاوت الكبير في إتاحة الفرص" مبهمة قليلاً بالنسبة لي لأننا في عصر الكتروني نصنع فرصنا بالتكنولوجيا التي لا تفرق بين نوع وآخر أو بين حضور و تواجد جسدي من عدمه..
لقد انتشرت بشدة في تسعينيات القرن الفائت توجهات ما تم تسميته آنذاك ب"كتابة الجسد" حيث ارتبطت بظهور جيل جديد شاب من الكاتبات أكتر تحرراً وأكثر جرأة في التعامل مع التابوهات الجنسية بالذات، وظهرت تفسيرات تربط الأمر بمناخ ثقافي مفتوح قسراً جراء دورة الحضارة التي باتت تقزم أفكار من مثل الرقابة أو التمييز أياً كان توجهه.. لهذا تناولت الكاتبات موضوعات كانت حكراً على المؤلفين الرجال مثل الكتابة الإيروتيكية فأبدعن في النظر من زوايا جديدة وتبيان وجهات نظر، كان بالفعل بعضها طازجاً ومبتكراً، تجاه العلاقة ذاتها وتجاه الشريك فيها من خلال الفن.. ثم خفتت حدة هذه التوجهات وغيرها باعتبارها توجهات مخصوصة لذاتها وذابت بالتالي في مناخ الكتابة العام وصارت الكتابة الإيروتيكية وأحياناً كتابة البورنوجرافيا- ليست جديدة ولا غريبة سواء كتبتها امرأة أو كتبها رجل وصرنا بالتالي نبحث عن فنية الكتابة ذاتها وليس انتماؤها من عدمه لموضة أو لأخرى..
لقد نجحت المرأة لأبعد حد في التواجد في كل المجالات قاطبة ومنها بالطبع المجال الفني والأدبي وصرنا نتعامل مع بعض الكاتبات على أنهم من سحرة الكتابة والفن الحقيقيات ونتلهف على نتاجهن الأدبي ونحضر معارضهن التشكيلية وحفلاتهن الموسيقية ونتتلمذ عليهم في الجامعات والمؤتمرات الخ.. لم تستطع أي أفكار ماضوية أن توقف الحياة التي تمثل المرأة أروع ما فيها.. و أظن أن النقاد في كل المجالات اهتموا بالدرس النقدي لأعمال العظيمات من المبدعات بشكل يتناسب مع الجهد النقدي العربي الذي هو ليس كافياً ولكنه موجود وحاضر..
إن الاختلافات بين كتابات النساء و الرجال، إن وجدت- فإنها تعبر عن اختلافات ثقافية وذهنية وحضارية بالأساس.. إذ تمر المجتمعات على الدوام بدورات للوعي و الاستنارة.. تنفتح المناخات المواتية للإبداع في بعضها وتنغلق في الأخرى.. في دورات التقدم ستجد الفروق بسيطة وفي الدورات الماضوية المتخلفة تجد التمييز هو الذي يحكم الرؤية وبالتالي فالفروق تكون ضخمة..