كتاب اعترافات نساء أديبات

كالنورس فوق البحار والشطآن.. فى محبة فوزية مهران سيدة البحر...5 اعوام على الرحيل

 اعترف بأنه في كثير من الأحيان .. يشغلني الكاتب من عنوانه !! وقد دخلت لمغارة كاتبتين من عناوين ما يكتبن : فوزية مهران وغادة السمان شغلتني غادة بتراكيب عناوينها :”الأعماق المحتلة” ، ” القبيلة تستجوب القتيلة ” ، ” الجسد حقيبة سفر ” وشغلتني فوزية مهران من إصدارها على عنوان ” البحر ” في كل أعمالها : يد البحر ، جياد البحر، البحر رجل وأخيرا مجموعتها القصصية ” أغنية للبحر ” !!

وحينما قرأت غادة السمان ” البحر يحاكم سمكة ” قررت أن أفعل ذلك مع ” فوزية مهران “..فهي اللإنسية التي تستطيع أن تتنفس بما تكتب تحت الماء .. وتحوم كالنورس فوق الجسور والشطآن البعيدة والغريبة .. وتحفظ ما قاله يونس في بطن الحوت فيكون الماء برداً وسلاماً عليها !! ولها عبارة مائية متكررة ” دفقه ” فهي لا تستعمل غمر أو انهال أو انهمر وإنما ” دفقة واحدة ” .
أما الغريب تلك الأسطورة الواقعية الحقيقية التي عاشتها كاتبتنا فوزية مهران – أن يتوحد عندها البحر بالحلم فيولد في الواقع البحار الزوج والحبيب فهي من مواليد ” الاسكندرية ” ولدت في المالح وكانت زوجة للقبطان ” مرشد علام ” .. أما ما تكتبه فهو عن البحر الرجل والبحر الحلم والبحر البراح !! “
   
  * الغوص لعمق (1)
قلت لها : الموج الأزرق في أدبك .يجرجرني نحو الأعمق …
  أزرق .أزرق .
قالت : تقصد البحر وكيف لا ؟! وأنا ولدت ونشأت على ضفاف البحر في الإسكندرية ودمياط وقد أخذني البحر فعشقته سرقتني جاذبيته حتى توحد عندي الحلم في زوجي القبطان الذي أبحرت معه في كثير من الإلهامات في الحياة والأدب وكل الأشياء في يدي لعشقي للبحر البحار تتحول للغة مائية حتى أن لي كتاب أستعد لإصداره عن ” نجيب محفوظ ” سميته : سفينة نجيب محفوظ !!
فأنا أأخذ هموم الأرض وأبحر بها للبحر لأتأمل وأرى فالبحر براح كل الأشياء فيه على طبيعتها بلا زيف ألا تشاهد حكمة الله في البحر بأن جعل منه وعنده الشروق والغروب ، بل إن همي في البحر صار دراسة مستمرة فقرأت عن البحر في ” القرآن الكريم ” وعجبت وأعجبت بقصة سيدنا يونس وحوت البحر !! وزلزال انتاب كياني لعبارة في القرآن ( وكأن عرشه على الماء .. ) ففي البحر أنت مع الله .. هو وحده الناجي والنجاة .
أما زوجي الذي عمل في البحر ونقل لي مصطلحات البحارة .. وعرفت كيف تستحيل الحياة لدى البحار بدون بحر حتى أنه حينما توقف عن العمل في البحر الأحمر بسبب الحرب .. قال ليس لي إلا العودة لقريتنا ( بحر 3 ) وكأنه يرفض أن يسمى بلده سندبيس باسم أرضى بل جعلها ( بحر 3 ) بعد عمله في البحر الأحمر والأبيض ولم يعد للقرية ومات وكتبت قصة ( بحر 3 ) بنفس المعنى !! وشعرت بأنها التي قال فيها الشاعر نزار قباني ( في البحر ، أرفع مرساتي وألقيها ألا تراني ببحر الحب غارقة . والموج يمضغ آمالي .. ويرميها .. ) .
فسألتها عن النهر .. نهر النيل الانتقال بعد ذلك لضفافه في المنصورة والقاهرة ؟!              
وقالت : في الريف لا يعرفون كلمة النهر ففي المنصورة يقولون لك ( شارع البحر ) وهو شارع على النهر أنا عندي نفس التوحد في المعنى .. بل إن الاسم الحقيقي لأشهر شارع في القاهرة على النيل هو ” شارع البحر الأعمى” ولا أعرف من أين أتت له اسم ( الجبلاية )
قلت لها : هل توحد عندك الحلم بالواقع والعام بالخاص على نفس المستوى في أدبك بمعنى أننا في كثير من الأحيان نجدك تطلين كبطلة من بين أوراق قصصك لقد قلتِ إنك فعلتيها في بحر3 وأنا أرى أنك كررتيها في” قصة مزداد” وفي المجموعة القصصية “بيت الطالبات”؟!
قالت : تبقى ملاحظتك صحيحة تماماً..لماذا لا تكتب في النقد ؟! فأنا وجيلي ليس لنا تاريخ منفصل عن ما نعيشه وأحداث الوطن ويبقى خلط الخاص بالعام دليل صدق عند الكاتب فقصة ” مزداد ” وهي تحكي عن ولادة طفل بين يدي هي قصة حقيقية ومشاعري فيها كانت كما قرأتها إنها قصة ( زياد) ابن ابنتي !! قاطعتها قبل أن تكمل إجابتها وقلت عندما أقرأ ( شاهدت ميلاد كثير من الأطفال..ولدت عدة مرات ” النخلة ذات البنات الخمس ” كان يراني ويشير إلي باسماً ..يولد الغد في دمي .. ويكون سلم الزمان في يدي ) أشعر وكأنك قد حققت في ( مزداد ) حلماً لطالما راودك في ولد (ذكر) لقد وصفتي نفسك بالنخلة ذات البنات الخمس أقصد ( نادية ومنى وعايدة ودينا ونور ) …
استمرت في الإجابة ولم ترد ؟! ولم تعلق ؟! ولكني اكتفيت بما في القصة ” اشهد مولد حبيبي .. أعرفه طفلاً كبيراً واعياً .. أمه لا تزال بالداخل أستقبله ونولد معاً من جدي .. أحتضنه وأنا جدته الآن .. وأنا شابة صغيرة .. والتقي به فوق الماء .. يمتطي جياد البحر ويترجل فارساً من رسوم السحب المتحركة ” .
استمرت .. القاهرة كانت حلمي الأكبر ورمز الحرية والاستقلال والنجاح فالتحقت بجامعة القاهرة كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وأقمت لمدة أربع سنوات في ( بيت الطالبات ) فلم يكن أبي قد نقل بعد من المنصورة وهو من رجال التعليم ومنذ اليوم الأول شعرت أن وجودي في هذا المكان هو أن أكتب عنه .. عن الـ ( 50 ) فتاة القادمات من محافظات المحروسة .
وكانت الكتابة نوع من تخفيف غربتي، اندمجت في هذا الواقع وعايشته فكانت هذه المجموعة القصصية ( بيت الطالبات ) ..وقد تحولت فيما بعد لفيلم سينمائي بنفس الاسم كان بطولة : نيللي،ولكني لم أكن في المجموعة من ضمن البطلات ولكن في مجموعتي القصصية الجديدة ( أغنية للبحر ) في القصة التي تحمل المجموعة اسمها عدت مرة أخرى لبيت الطالبات ورددت أغنية البحر القديمة عن فارس يحب عبر البحار والمحيطات ..بين الماء والسماء من البحر يجيء يلوح كومض الأمل المولود .. وأشعر بذلك أني أكملت قصص ” بيت الطالبات ” !!  

* عمق ( 2 )
كيف خلطت بين الأدب والصحافة .كيف وضعتيها في زجاجة واحدة ؟!
ألم تغير صاحبة الجلالة من الأدب ؟! هذه محطة رائعة في حياتي لأنها مرتبطة بإصدار عشت طلقات ولادته وهو مجلة “صباح الخير” وكان ربانها وهو أحمد بهاء الدين صحفي الأدباء وأديب الصحفيين فهو الذي استطاع أن يجعل فيها الأدب والصحافة في زجاجة واحدة بلا غيرة ولا تنافس وأنا أتحدى من لم يستفد من الأدباء من صباح الخير ؟! فليرفع يده فصفحة ( حكاية ) التي قررها أحمد بهاء كتب فيها الجميع أنا، ويوسف إدريس، وإقبال بركة ،وآخرون فهي مجلة تقوم على فكرة أساسية وهي ما يقوله الشباب وما يجب أن يقال للشباب ..حتى صفحة ( حكاية ) كانت لا تهتم كثيرا بحرفية وفنية القصة وإنما يريد أن يكتب الشباب مشاعره فهي ” حكاية ” وهذه بصمة تحسب بالطبع (لأحمد بهاء ) وقد استفد من الصحافة بتعلم العبارة المركزة والقصيرة المكثفة التي تصل إلى قلب وعقل القارئ بسرعة وعمق .

من كثرة ما كتبت عن زوجك البحار .. شعرت بأنك تؤمنين بأيديولوجية هندية في الرجل الواحد والحب الوحيد والحبيب الذي لا يعوض فهل إذا مات الحبيب .. فلا رجل .. لا عاطفة ؟! قالت: لست صاحبة أيديولوجية في الحب .. ولا مع المعتقد الهندي بأن يكون للمرأة رجل واحد يحرقوها معه إذا مات .. بل إني تزوجت قبل زوجي البحار وأنجبت من غيره . وإذا رجعت لبعض قصصي واعترف بأنها قليلة مثل : ” رجل في الوسط ” ستجد هذا المعنى يمكن أن يحركنا رجل أو عاطفة ولكن يحب ألا نسير وراءها ضد أي وضع أخلاقي أو ديني فالقصة تتحدث عن إعجابي بممثل مشهور ( جعل الشاي له مذاق آخر وللكلام حضور أخر ) ولكني أنهي القصة بسخرية لطيفة صنعها العقل حينما تتذكر البطلة أنها أم وليست حرة تماما ..حيث جاءت الابنة وقالت لها ” لو أنه كان أصغر قليلا يا أمي ” وفي نفس الوقت الذي كانت فيه تفكر ” لو أنه اكبر قليلا !! ”

* الغوص للأعماق (3)                                                                                         …توالت أسئلتي ..
وجدت الإجابات تبعد عنها .. وكأن فوزية مهران قررت أن تدخل قوقعتها. ضمت يدها على نواتها الداخلية .. وكنزها وبأقصى ما أوتيت من قوة ألقت بنفسها في البحر .. شعرت بأن بوحها المتدفق توقف .. ولذا فأنا أنقل ما قالته وما سمعته فهو على درجة من الأهمية ولكنه ليس الإجابة على أسئلتي ؟!! ولكنه عا لمها الخاص .. المسحور ..
قالت : أحب التعبير عن نفسي بالكتابة .. وأحب التعبير عن إعجابي بالآخرين بالكتابة ومن هنا فالكتابة والنقد عندي جناحان لرحلة الإبداع النقد عندي إبداع موازي للنص ذاته فأنا لا اكتب مجرد تحليل او نقد أكاديمي ولكني أحتفي بالعمل عن طريق النقد .. ولهذا فأنا لا أنقد أي عمل .. وإنما البداية عمل له مستوى . أنا أسميه ” النقد الابداعي ” .
قلت : الثقافة والمعرفة هي الأصل عندي فالكتابة بلا روافد .. كتابة هشة . ولأن جذوري دينية. فأنا عشقت القرآن وأخذني أسلوبه .. ولهذا جاء أسلوبي الذي تصفه ” بالصوفية “وتأملاتي الشديدة كانت في قصص القرآن الكريم وقارنت بينها وبين الأدب العالمي بحكم دراستي في كلية الآداب قسم إنجليزي . ولي كتاب ” مواقف معبرة ” أعبر فيه عن الدراما في القرآن مثل موقف : يوسف الصديق في السجن – وطوفان نوح فما حدث ليوسف في السجن كأن سارتر نقله في مسرحيته “لا خروج..” شخص ليس له أقارب في مصر دخل السجن بدون أوراق ، لأنه دخل حتى تنام فضيحة امرأة العزيز، وليس عليه حكم . ثم مات العزيز وتغيرت إدارة السجن . موقف درامي غريب وأنا عانيت به شيئين الأول من الذي سيخرجه ؟! موقف إيماني يثبت وجود الله والثاني ماذا يفعل ؟! موقف إداري لذاته إنه يمارس عمله داخل السجن ويدعو لإله واحد أحد بين المجرمين والمساجين ؟! وفي الكتاب وقد صدر في الستينات كنت أعني أنه لا تخلي عن القيم عن الرسائل مهما طال الخوف والضغط وهو معنى مهم في ذلك الوقت !! لابد أن تواصل عملك ورسالتك .
فالقرآن ليس كتاب تبرك ولكنه عمل .. ورسالة يومية تسرى بيننا .
وعاد التواصل ..فسألتها هل تكرار معنى الصبر في أدبك مأخوذ من عنايتك بصبر يوسف عليه السلام ؟!
قالت : أنا أسميه ” الصبر الخصيب ” صبر مائي مثل صبر حبة الحصوة داخل القوقعة لتصبح لؤلؤة لامعة بجمال الصبر !! فهذا الصبر نوع من تحريك نواتك الداخلية لتشع على الآخرين !!
قلت لها : لديك قَدر غير البحر .. وهم غيره .. وهو النساء .. فأنت لك أخت .. لا أخ ، وبنات ولا بنين – وتهتمين بالكاتبات لا الكتاب أقصد أنك أم للأدب النسائي !! ولست الشجرة أو النخلة ذات البنات الخمس فقط ؟! قالت : النقد أن أضع يد القارئ والكتاب على مناطق القوة والجمال والضعف في النص . أنا أدعو القارئ بما أكتب أن يشاركني المعنى والقصد وأدعوه لقراءة العمل .. وقد يبدو أني لا أكتب عن العيوب .. ولكني أكتب عنها ولكن برفق شديد ، لأني لا أكتب عن عمل قبل أن يكون له مستوى .فحينما أقول مثلاً : ” إنها تشعر بأنها مركز ” فهذا معناه أن الوضع يحتاج لتحليل نفسي وعلمي وأن على الكاتبة أن تعاود التفكير .. ولكن بعبارة شيقة بعيدة عن التجريح ، أنا اؤمن بالنقد الجميل والقارئ ذكي جداً !! اما وصفي بأني ” ام الأديبات” فهو جميل ولكن لي ملاحظات على تقسيم الأدب بمعنى تقسيم المبدعين والنقاد إلى ذكور ونساء فأنا أرفض هذا التصنيف الجائر العنصري فالقيمة الحقيقية هي للعمل هو أدب أو لا أدب !! وعلى الرغم من نقدي لأعمال الكثيرات فأنا أيضا كتبت نقد ودراسة عن أعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وعلى العموم أنا لا أنقد إلا الكتابة التي لها نفع وتحدث جمال في الحياة وتجعلها محتملة ومستساغة وحتى أبرئ نفسي .فأنا اكتشفت كاتب اسمه ( شحاته عزيز ) .. هو كاتب صعيدي شاب .. أعتقد بأنه سيكون نجيب محفوظ أخر ولكن للصعيد .. فهو يخلد الصعيد كما خلد نجيب محفوظ المدينة في مصر , وله روايتان : ( جبل الأولياء ) و ( البر الغربي ) !! فهو سيؤرخ للصعيد وللقرية بعد ما فعله نجيب في الحارة المصرية