إيقاعات القارئ والكاتب والناشر في العالم العربي والخليج خاصة، مختلفة عن إيقاعات بقية الكون، الأمم التي تقرأ من الشرق والغرب تفرق بين القارئ والمتلقي الآلي، وبين الكاتب والمقتبس، وبين الناشر والناسخ، ثلاثة إيقاعات تجعل من الثقافة والأدب والإبداع محطات استثنائية، لا مقارنة بين الجد والهزل، الكتاب بالذات والرواية بالتحديد، هي ثورة سردية لا يمكن لأي مبتدأ بالأدب أن يجعل منها رواية، أعجب من أولئك الذين يطلقون على الرواية، نص، فالنص لا علاقة له بالسرد، كما الخواطر لا علاقة لها بالرواية، أو الانطباعات أو الخرافات المستوردة من موروث شعبي أو تاريخي يجعل منها رواية. روايات صادرة بالسنوات الأخيرة صادمة... طبعة أولى وثالثة وعاشرة حتى... يا للهول؟ ماذا يجري؟ لكن في عالم ثقافة الفاسفود كل شيء جائز!
الوجبات الثقافية السريعة والاستهلاكية تأثيرها على العقل مثل تأثير وجبات الفاسفود على المعدة، مكتبات معوية! يجرني ذلك صدفة إلى مسلسل أمريكي بعنوان"فرينديز فروم كولج" يضطر كاتب معروف له مؤلفات مشهورة تتناول أعمال جادة وحقيقية، يضطر أمام إلحاح دار نشر تجارية إلى تغيير نهجه في الكتابة والانحراف بمواضيع رواياته من الإبداع الأدبي الجاد إلى كتابة روايات للمراهقين والشباب ما دون الرابعة عشرة والسابعة عشرة، وذلك لأن سوق الكتاب لم يعد للكتاب الجاد ودور النشر ليست مستعدة للتضحية بخسائر مادية لأن سوق القراءة هو للمراهقين الذين يبحثون عن روايات الحب السريع والمجنون من نوعية مصاصي الدماء والاستحمام الجماعي والوحوش والحسناوات وغيرها من تلك القصص الخيالية المجنونة التي تثير الغرائز لدى المراهقين.
أوحى لي هذا المسلسل رغم إيقاعه الأمريكي الاستهلاكي وأفكاره الشطحة في الحياة العصرية والانفتاح بلا حدود في العلاقات، أن الفرق من حيث سوق القراءة ونوعية القراء في عالم اليوم قد لا يختلف من زاوية تراجع الثقافة الجادة وانسحاب ارنست همنغواي وجون شتاينبك لصالح قصص وروايات مصاصو الدماء، يعادلها عندنا في عالمنا العربي قصص الغرام السريعة وموضوعات التطرف في التدين وروايات الهجر والعذاب وسهر الليالي، تلك القصص السريعة الأشبه بالفاسفود.
ثقافة جزء كبير من جيل هذه الأيام هي ثقافة! الوجبات السريعة، لا أجمع ولا أعمم ولكن الغالبية من زبائن المكتبات هم أولئك الباحثين أما عن كتب التطرف والتزمت الديني أو الروايات والقصص المدغدغة للعواطف والمشاعر لدى المراهقين، هذا هم غالبية جمهور سوق الكتاب اليوم. طبعًا لا يعني ذلك لا يوجد قراء حقيقيون للأعمال الجادة والراقية وذات المادة الفكرية والأدبية ولكني أتحدث هنا عن سوق الكتاب من زاوية الناشر والموزع الذي يبحث عن هذه الأعمال لتغذية سوق استهلاكي فقد بريق الثقافة والوعي والمعرفة الإنسانية والحضارية، وغرق في ثقافة الفاسفود التي أرغمت دور نشر عربية وعالمية على الخضوع لرغبة هذه الأجيال من القراء الذين أفسدوا المعرفة والثقافة، فمقابل رواية مثل "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ توضع على رفوف المكتبات ولا يعرف عنها جيل اليوم شيئاً، نرى كتاب مثل "زوجي خائن" أو رواية مثل "حب خلف الحجاب" "أبحث عن عروس لزوجي" وهذه عناوين نموذجية فقط، يعاد طبعها بالعشرات، وتنظم لها حفلات التوقيع!!
في الغرب وفي الشرق الأوروبي وحتى في الجانب الآسيوي، هناك سوقين، سوق للمراهقين والشباب وسوق للثقافة المعرفية الجادة، لكن السوق العربي والخليجي خاصة للأسف الشديد أنزلق لثقافة الوجبة السريعة التي تتخم العقل وتسبب التضخم والترهل في العقل مثلما تفعل الوجبات السريعة في المعدة. مكتبات المعدة هي السائدة في منطقتنا لهذا تنتفخ الكروش وتضوي العقول!!
تنويرة: رأيت متشائم فتفاءلت ورأيت متفائل فتشاءمت!
فاسفود ثقافي!
إيقاعات القارئ والكاتب والناشر في العالم العربي والخليج خاصة، مختلفة عن إيقاعات بقية الكون، الأمم التي تقرأ من الشرق والغرب تفرق بين القارئ والمتلقي الآلي، وبين الكاتب والمقتبس، وبين الناشر والناسخ، ثلاثة إيقاعات تجعل من الثقافة والأدب والإبداع محطات استثنائية، لا مقارنة بين الجد والهزل، الكتاب بالذات والرواية بالتحديد، هي ثورة سردية لا يمكن لأي مبتدأ بالأدب أن يجعل منها رواية، أعجب من أولئك الذين يطلقون على الرواية، نص، فالنص لا علاقة له بالسرد، كما الخواطر لا علاقة لها بالرواية، أو الانطباعات أو الخرافات المستوردة من موروث شعبي أو تاريخي يجعل منها رواية. روايات صادرة بالسنوات الأخيرة صادمة... طبعة أولى وثالثة وعاشرة حتى... يا للهول؟ ماذا يجري؟ لكن في عالم ثقافة الفاسفود كل شيء جائز!
الوجبات الثقافية السريعة والاستهلاكية تأثيرها على العقل مثل تأثير وجبات الفاسفود على المعدة، مكتبات معوية! يجرني ذلك صدفة إلى مسلسل أمريكي بعنوان"فرينديز فروم كولج" يضطر كاتب معروف له مؤلفات مشهورة تتناول أعمال جادة وحقيقية، يضطر أمام إلحاح دار نشر تجارية إلى تغيير نهجه في الكتابة والانحراف بمواضيع رواياته من الإبداع الأدبي الجاد إلى كتابة روايات للمراهقين والشباب ما دون الرابعة عشرة والسابعة عشرة، وذلك لأن سوق الكتاب لم يعد للكتاب الجاد ودور النشر ليست مستعدة للتضحية بخسائر مادية لأن سوق القراءة هو للمراهقين الذين يبحثون عن روايات الحب السريع والمجنون من نوعية مصاصي الدماء والاستحمام الجماعي والوحوش والحسناوات وغيرها من تلك القصص الخيالية المجنونة التي تثير الغرائز لدى المراهقين.
أوحى لي هذا المسلسل رغم إيقاعه الأمريكي الاستهلاكي وأفكاره الشطحة في الحياة العصرية والانفتاح بلا حدود في العلاقات، أن الفرق من حيث سوق القراءة ونوعية القراء في عالم اليوم قد لا يختلف من زاوية تراجع الثقافة الجادة وانسحاب ارنست همنغواي وجون شتاينبك لصالح قصص وروايات مصاصو الدماء، يعادلها عندنا في عالمنا العربي قصص الغرام السريعة وموضوعات التطرف في التدين وروايات الهجر والعذاب وسهر الليالي، تلك القصص السريعة الأشبه بالفاسفود.
ثقافة جزء كبير من جيل هذه الأيام هي ثقافة! الوجبات السريعة، لا أجمع ولا أعمم ولكن الغالبية من زبائن المكتبات هم أولئك الباحثين أما عن كتب التطرف والتزمت الديني أو الروايات والقصص المدغدغة للعواطف والمشاعر لدى المراهقين، هذا هم غالبية جمهور سوق الكتاب اليوم. طبعًا لا يعني ذلك لا يوجد قراء حقيقيون للأعمال الجادة والراقية وذات المادة الفكرية والأدبية ولكني أتحدث هنا عن سوق الكتاب من زاوية الناشر والموزع الذي يبحث عن هذه الأعمال لتغذية سوق استهلاكي فقد بريق الثقافة والوعي والمعرفة الإنسانية والحضارية، وغرق في ثقافة الفاسفود التي أرغمت دور نشر عربية وعالمية على الخضوع لرغبة هذه الأجيال من القراء الذين أفسدوا المعرفة والثقافة، فمقابل رواية مثل "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ توضع على رفوف المكتبات ولا يعرف عنها جيل اليوم شيئاً، نرى كتاب مثل "زوجي خائن" أو رواية مثل "حب خلف الحجاب" "أبحث عن عروس لزوجي" وهذه عناوين نموذجية فقط، يعاد طبعها بالعشرات، وتنظم لها حفلات التوقيع!!
في الغرب وفي الشرق الأوروبي وحتى في الجانب الآسيوي، هناك سوقين، سوق للمراهقين والشباب وسوق للثقافة المعرفية الجادة، لكن السوق العربي والخليجي خاصة للأسف الشديد أنزلق لثقافة الوجبة السريعة التي تتخم العقل وتسبب التضخم والترهل في العقل مثلما تفعل الوجبات السريعة في المعدة. مكتبات المعدة هي السائدة في منطقتنا لهذا تنتفخ الكروش وتضوي العقول!!
تنويرة: رأيت متشائم فتفاءلت ورأيت متفائل فتشاءمت!