فيما كنت أبحر مع رواية "عندما يبكي نتشه" للروائي الأمريكي أرفين. د. يالوم، صعقني خبر محاولة اغتيال الكاتب سلمان رشدي، السكين بوجه القلم، تذكّرتُ طعن الأديب الراحل نجيب محفوظ، هكذا تنقلب الصورة، تتحدث السكين أو الرصاصة كما في لبنان، وغيرها، وكما تتحدث وسائل الانتقام الدموية بحق الكتاب، فبدلاً من دحض الفكرة بفكرة، فإن الانتقام الدموي هو الرد على الأفكار، ومن المؤلم المستغرب بعد قرون مديدة ومن دهاليز عصور وسطى مظلمة، وأوساط غبارية، ما زلنا نواجه أجيال مفترض أنها حداثية، نجتر معها اغتيال الكتاب، مستخدمين وسائل تحريض أشدُّ فتكاً هذه المرة عنها في العصور الوسطى حين يتحول التحريض جماعي، تشارك فيه سلطات الدولة ومعها جمهور ما يسمى بعلماء الدين...
وفي أوجه أخرى تدخل جهات رسمية مؤسف أن تفتح الطريق أمام الرصاص والخناجر والسكاكين وحتى المتفجرات، فكثيرًا ما حدث في بلاد عربية وإسلامية، أن تقوم النيابات العامة بهذه الدول واستجابة لبعض المغرضين والمحرضين بالاستجابة لدعاوي ضد كتاب وفنانين بدعوى ازدراء الأديان أو التعرض لمسائل دينية، وبمجرّد أن تستجيب النيابة لهذه الشكاوي التي يرفعها أفراد وهيئات ضد كتاب، حتى يتحول الكاتب تلقائيًا بمجرّد الاستجابة لهذه الشكاوي إلى هدف من أهداف أولئك المتطرفين الذين وجدوا حجّة في هذه الاستدعاءات النيابية ليقوموا بأنفسهم بتنفيذ الحكم في الكتاب، وقد شهدت دول عربية عديدة مثل هذه الظاهرة التي دفع ثمنها روائيين كتاب منهم نجيب محفوظ الذي طُعن ومنهم من هاجر وترك بلاده إلى الغرب بعد أن وُضع في دائرة الهدف وعلى خريطة التطرف ليصبح في مرمي الاغتيال...
هذه الظاهرة الدموية، ترتكبها أنظمة ظلامية كإيران وأفغانستان ومنظمات دينية متطرفة، وحتى أفراد متخلفين انغمسوا في دجى عالم حشرهم في زاوية معتمة من الأفكار والولاءات الظلامية، فحملوا مسئولية الدفاع عن الدين مقابل ثمن مالي كما هو في حالة فتوى الخميني أو من خلال إيمان مضاد للوعي والإنسانية والحضارة، مرتكز على نيل الأجر والثواب بالانتقام من الكتاب والفنانين. وكأنما بهؤلاء قد وضعوا أنفسهم بمكانة وكيل الله على الكرة الأرضية، وانغمسوا في موجة كراهية لكل ما يصدر من أفكار حرة في عصر يُفترض فيه أن يكون الوعي والرد على الأفكار بأفكار أخرى، لا أن يصبح المسدس والسكين والخنجر، هما وسيلة الرد على القلم، وبدلاً من مواجهة القلم بقلم آخر، يقود التخلف والعجز والمصلحة بنيل الجوائز والثواب، لإحلال الاغتيال الجسدي بدلاً من الرد النقدي والفكري، هذا السلوك وما يتبعه من ظاهرة مستمرة بواقعنا العربي الإسلامي، بدلاً من رؤيتها تتراجع كلما تقدمت الأمم وازدهرت قيم ومبادئ الحريات وحقوق الإنسان في العالم، ازدادت بالمقابل وسائل القمع وكبت الحريات. وثمة أفراد من أمثال هذا الذي طعن الكاتب سلمان رشدي ينفذ حكم الشرع بنفسه وكأنما هو وكيل الله على الأرض. والدافع هو تحريض من أنظمة وهيئات وأفراد بحجج تجاوزها الزمن تعود لعصور الظلمات الوسطى.