دور المرأة فى عملية التراكم الرأسمالى
للمرأة دوراً في التراكم الرأسمالي بوصفها ربة بيت . فمن ناحية هي تقوم بالأعمال المنزلية الحيوية دون أجر فتوفر على الرأسمالية ودولتها مبالغ طائلة كانت ستصرفها لضمان استمرار قوة العمل في عملها . ولكن بالاضافة إلى ذلك أصبح لها دور مهم للغاية في ترويج الاستهلاك.
فعصر الشركات المتعددة الجنسية قائم على عولمة السوق وعلى الاستهلاك المتزايد الذي يراد له إن أمكن ألا يقف عند حد والمرأة التي لا تعمل وتظل ربة بيت هى المستهلكة الأولى خصوصا إذا كان رجلها يتمتع بهامش من الإمكانيات . فالشخص غير المنتج يميل إلى الاستهلاك ولا يقدر قيمة المال. يعتمد على التجمل وعلى التحول إلى وسيط وأداة للاستمتاع المادى والحسى للحفاظ على مكانته فالاستهلاك مرتبط بالمتعة ، واللذة ، وإذكاء الرغبات ، على الجنس، وعلي المرأة في الإعلان ، وعلى الأشياء المرتبطة بكل هذا مثل الدعارة، والبورنوغرافيا والمخدرات والكحوليات ، وأنواع من الرقص والموسيقى والغناء ، والترفيه.
المرأة في مجتمع الشركات المتعددة الجنسية مهمة كأداة للعمل الرخيص في آسيا ، وأفريقيا ، وأمريكا اللاتينية، وأيضا في البلاد الصناعية الغنية ومهمة كأداة للاستهلاك. إنها ركن أساسي في التركيب الطبقي الأبوي للمجتمع الرأسمالي المعاصر، ركن أساسي في التراكم المتزايد المبنى على عولمة السوق لصالح أقلية ضئيلة من المبارديرات على حساب آلاف الملايين من الناس يهمشون ويزدادون فقرا مع الأيام.
إعادة صياغة تركيب رأس المال
إن عملية إعادة تركيب رأس المال الحادث فى عصر ما بعد الحداثة والثورة التكنولوجية تحتاج إلى إعادة تركيب الفكر الذى نواجه به اتجاه العولمة الرأسمالية نحو تحقيق مصالحها عن طريق التهميش المتزايد للشعوب وإفقارها .. والمرأة طرف أساسى فى هذه العملية الرأسمالية التي تجنح إلى قدر كبير من المرونة والتجديد حتى تجر إلى جعبتها مختلف أنواع وأشكال الإنتاج دون استثناء ، بما فيها تلك التى تنتمى إلى نمط سابق على الرأسمالية نفسها . وهذه المقدرة على الاستفادة من أكثر أنماط الإنتاج بدائية، وتخلفا وعلى امتصاص إمكانيات العالم الجنوبي ، وعلى إدخال كل القوى العاملة في دائرتها ومنها قوة عمل النساء ، ما دام هذا يضيف إلي عملية التراكم الذى تسعى إليه باستمرار ، يعنى أنها على استعداد لتهميش أو نفى أو قتل أية أنشطة لا تدخل في دائرة التراكم، أو لا تحتاج إليها . كما يعنى أن مصير بعض الجماعات ، أو القوميات ، أو الأوطان، أو حتى القارات مسألة يمكن أن تصبح في كفة الميزان، إذا لم تنجح الشعوب في التأثير بفعالية على مسار النظام الرأسمالي العالمي.
إن إعادة صياغة الوضع الخاص بالشركات المتعددة الجنسية ، وإدخال نظم مرنة في الصناعات التحويلية وفى آليات العمل، والنمو المتضاعف للأسواق النمطية في اقتصاديات الدول الموجودة عند الأطراف ، أو التي تعتبر نصف طرفية ، والانتشار المتسارع لأنماط الاستهلاك الموحدة ، ونمو الاقتصاديات اللامركزية ، وغير الرسمية التى لا تخضع للنظم والقواعد المعمول بها في النشاط الاقتصادي الرسمى ، وظهور نظم للضمان ، وللإقراض متنوعة ومعقدة واقتصاد الدين الدولى وخلق توزيع جديد للعمل على نطاق العالم، وتطور الدولة الرأسمالية في اتجاهات مستحدثة، وانكماش دورها في مجالات معينة ، والتغيير العميق في المضمون ، وفى المفردات التعبيرية للقيم ، إن كل هذه التغيرات السريعة الديناميكية تتطلب مرونة، وسرعة في كسر القوالب الجامدة فى الفكر مع قدر كبير من التوازن والتمسك بالمبادئ الإنسانية الأساسية ، والقيم.
في أيامنا هذه لم يعد للرأسمالية الخالصة التي وصفها ماركس وجود . إننا نواجه رأسمالية تتخذ أشكالا متباينة، مرنة ، ومتحركة تشكل في مجموعها النظام الرأسمالي الكلى ، ولا تتمتع جزئياته وعناصره بذلك الاستقرار النسبي الذى كانت تتصف به الرأسماليات التجارية الميركانتيلية . أو الاحتكارية في عهد الاستعمار القديم.
من هنا لم يعد يوجد منطق واحد بشكل جوهر التراكم الرأسمالي ، وإنما دوائر متغيرة، متطورة على الدوام تشكلها عمليات التراكم وفقا للظروف والمكان ، والزمان ، ومن هنا قدرة الرأسمالية الفائقة على الاستفادة من كل الفرص المتاحة دون التمسك بمعيار إلا الربح، قدرة تكاد تكون زئبقية يصعب ملاحقتها ، وحصرها في الشباك . ويعنى كل هذا أن النظام الرأسمالي ما بعد الحديث يستطيع أن يجمع بين قدر متعاظم من النظام والتركيز والمركزية . وقدر متزايد من الفوضى ، وعدم التنظيم والتناثر، والانقسام أى يستطيع أن يجمع بين الجمود ، والمرونة الشديدة ومن هنا ما نشهده على نطاق العالم من فوضى ضاربة في كل المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والقومية والعـرقـيـة والدينية وكأن الـعـالـم عـلـي قاب قوسين أو أدنى من الانفجار النهائي.
وفي الوقت نفسه ظلت الشركات المتعددة الجنسيات قادرة حتى الآن علي تسيير الأوضاع لصالحها، والاسفادة من كل هذا التشرذم ، والتقسيم لصالحها . فهي مثلا تستفيد من الأصولية السلفية دون أن تخشى من نغماتها المعادية للغرب لأنها متحكمة في اقتصادياتها وتسليحها . بل إن اقتصادياتها تصب في عملية التراكم الرأسمالي العالمي بشكل طبيعي ناتج عن تعقيد وتنوع الشبكات التي يتعامل من خلالها رأس المال.
إعادة صياغة الطبقات
في مرحلة التراكم الرأسمالي التي تسمى ما بعد الفوردية حدث تغير أساسي في تجمعات الطبقات العاملة، وفى علاقة هذه التجمعات برأس المال ولم تعد الطبقات تشكل كتلا متجانسة . إن توزيع العمل تغيرت صورته إلى حد كبير ، وأصبح فيه محور وأطراف حتى في البلاد الصناعية الأكثر نموا . المحور أو القلب مكون من عمال مدربين تدريبا عاليا ، أى ذوى مهارة عالية والأطراف من عمال ينقصهم التدريب والمهارة ويتقاضون أجورا منخفضة . هذه الأطراف غير منظمة ، بلا ضمانات ، متغيرة ، وأحيانا عارضة.
والنساء تشكلن جزءا مهما من هذه الأطراف سواء في العالم الثالث أو الأول . إن توزيع القوى الإنتاجية علي انطاق العالم يسمح للشركات المتعددة الجنسية بأن تدخل في عملياتها قطاعات من العمالة لم تكن متاحة لها من قبل ، في الجنوب أساسا ولكن أيضا في الشمال ، وأن تتسع وتتنوع هذه القطاعات باستمرار. وهذا ا يسمح بإبقاء هذه القطاعات المنخفضة الأجر كما هي لأن الشركات تستطيع أن تستبدلها، أى أن تتركها لتذهب إلى غيرها في أي وقت ، وتستطيع أن تقوم بتشغيلها لحساب مشروعات مقرها الأساسي في الشمال وفي قطاعات متقدمة تكنولوجيا . المنتجات البسيطة المصنعة من الأطراف تدخل فى تركيب أجهزة ومعدات وآلات رأسمالية شديدة التعقيد. وتتم هذه العملية في كثير من الأحيان عن طريق مقاولات من الباطن.
هذه المرونة الشديدة في التعامل مع مختلف الأوضاع ، والتنقل دون صعوبة كبيرة هي حصيلة نظم المعلومات الحديثة وأساليب الإدارة المترتبة عليها.
إن عملية توزيع المنشآت وتناثرها على نطاق العالم يضعف من قدرة العاملين والعاملات على الصراع من أجل حقوقهم ، فقد أصبح من الممكن القيام بعديد من العمليات بواسطة عمالة متنوعة متفرقة، ومتدرجة التوزيع والمهارات بدلا من الاعتماد على كتلة واحدة مدربة ، ومركزة في موقع واحد . ويصبح كل هذا عنصر إضعاف للعاملين، وعنصر تنافس وتضاد ، وتلاعب بعوامل مختلفة ، ومنها الجنس الذى يتيح إيجاد عمل يتنافس ، ويتصارع حوله الرجال والنساء. مع ذلك فإن هذا الكلام ما زال ينطبق بالذات علي الصناعات التى توجد فيها كثافة عالية للعمل ، والتي تحتاج إلى مهارة عالية مثل الإلكترونيات ، الملابس ، لعب الأطفال . ومراكش من البلاد التي شهدت مثل هذه التطورات والتي كثر فيها تشغيل النساء في مناطق الإنتاج الحرة . أما فى مصر فهذه التطورات ما زالت في بدايتها .
تأنيث العمل.. وتأنيث الفقر
منذ أن نشأ المجتمع الطبقى الأبوى فإن عمل المرأة في بيتها ، وهو أوسع أنواع العمل انتشارا في العالم قد أعدها للقيام بأبسط أنواع العمل، تلك التي يوجد فيها قدر كبير من التكرار والسهولة وتحتاج إلى صبر ، وتركيز. فحتى حركات الجسم في العمل المنزلي تشبه إلى حد كبير حركات الجسم المطلوبة في صناعة الملابس وفى تصنيع الأدوات الإلكترونية ، والأجور في مثل هذه الصناعات التي تعمل فيها النساء تتراوح ما بين دولار ودولار ونصف في اليوم، وأحيانا دولارين. هذا هو الوضع في عدد من بلدان آسيا ومنها إندونيسيا ، وماليزيا ، وهونج كونج، وسنغافورة وغيرها . في هذه البلدان تطرد المرأة من هذه الأعمال عندما تصل إلى سن الثلاثين لأن عينيها ويديها تعجز عن ملاحقة الوتيرة السريعة الدقيقة المطلوبة في العمل فينتهي بها الأمر إلى ممارسة أعمال على هامش الشرعية ، حتى تحصل على أية وسيلة للعيش ، كما تنتهى نسبة كبيرة من النساء إلى الدعارة التي تم تدريبهن عليها إلى حد ما بواسطة الرجال المشرفين عليهن في مواقع العمل.
هذا التقارب بين العمل المنزلى والعمل خارج المنزل يطرح علينا إعادة النظر في مفهوم العمل كما ورثناه من الماركسين وغيرهم.
إننا نشهد عملية تأنيث للعمل في كل أنحاء العالم، فعندما كنت في أمريكا كانت الاحصائيات تشير إلى زيادة عدد النساء في القوى العاملة ، ولكن هذه الزيادة كانت مركزة في الأعمال ذات الأجر المنخفض، أو الأعمال المؤقتة ، أو لنصف الوقت.
ومن الظواهر اللافتة للنظر أيضا في البلاد الصناعية الغنية هي الزيادة الكبيرة في النساء اللاتي تعملن في الفنادق ، والمطاعم التي تقدم وجبات سريعة ، في خدمات الأطفال والمسنين في البيوت وفي خدمات المؤتمرات وهي جميعها أعمال ذات أجور منخفضة ، بلا تعاقدات ، أو ضمانات أو هي أعمال لنصف الوقت ، أو مؤقتة وتشبه إلى حد كبير في طبيعتها ما تقوم به المرأة في المنزل.
ترتب على هذه الظواهر جـ هر جميعا دخول أعداد متزايدة من النساء في الشمال والجنوب إلى سوق العمل . ولكن الأعمال المتاحة لهن تظل قليلة الأجر، تستنزف جهودهن ، خالية من الضمانات ، ضارة بالصحة في كثير من الأحيان وغير مضمونة من كل الوجوه . لذلك إلى جانب تعبير «تأنيث العمل». شاع تعبير آخر في السنين الأخيرة أطلق عليه «تأنيث الفقر».
إن الظواهر التي أشرت إليها تفرض علينا تغيير رؤيتنا إلى مسائل كثيرة تتعلق بالاقتصاد وآلياته، وأنا لست متخصصا في هذا المجال ، ولكني أحسست بأهمية التعرض لهذه الزاوية بالذات، لأن الاقتصاديين ، والنقابيين والمهتمين بشئون العمل ما زالوا يهملون المرأة والتغيرات التي بدأت تطرأ على دورها في الإنتاج ، والسوق، والخدمات والتي يجب أن ننتبه لها إذا أردنا أن نفهم أيضا ما يدور في مجالات الاجتماع والسياسة والثقافة ومن بروز القضايا المرأة في المجتمع والإعلام ، وفى الصراعات العنيفة الدائرة حولها هذه الأيام ، فتحرر المرأة أو تخلفها ليس مفصولا عن قضايا العمل والإنتاج ، وعن التطور الرأسمالي في عصر احتكار الشركات . والصراع الدائر حول موضوع الختان ليس مفصولا عن حياة المرأة داخل البيت ومساهمتها في الاقتصاد، فالقهر أو الحرية كل لا يتجزأ يوجد بين عناصرهما تأثیر متبادل ، ورباط ، لذلك يصعب تصور أي مشروع للتحرير أو التقدم يسقط حسابه المرأة ، ويعاملها على أن ما يفيد الرجال ويتفق مع رغبتهم ورؤيتهم للأشياء اء، بما فيها الاقتصاد يفيد المرأة أيضا .