لا يختلف الروائي عن الخالق، سوى في المعاناة، الأول صنع المعاناة للآخرين والثاني اكتسب المعاناة من صنع الآخرين. ما يعنيني ومقالي بهذه الزاوية من الكتابة الآن هو الخالق الثاني، الروائي الذي مهمته عسيرة وليست سهلة بقدر مهمة الأول الذي شكل الكوْن وسرد الأديان، فالثاني الروائي، لا يختلف في مهمته عن الأول بالسرد، بخلق العالم أولاً ثم زرعه بالأحياء، الأبطال والكومبارس، تمامًا كما في العالم الأول، فقراء وأغنياء... يشتمل عالم الروائي بالرغم من الأجواء والمناخات الرتيبة، بذور الخلق الأولى، خلق البنية البشرية، رجال ونساء، أزواج وعشاق، راهبات وعاهرات، أبناء وأحفاد، مجرمين وقضاة، حكام وشعوب، ثم تتطور الرواية وتنشق عن أجيال وأجيال كما في روايات الأدباء الروس، تولستوي وديستوفسكي وكما في مخلوقات غابرييل غارسيا ماركيز وخلقه السحري الشنيع، ثم انقلابه على الأجيال وانعاشهم بحروب وصراعات، حتي يبلغوا بدايات النهايات، عوالم وروائيين آخرين مثل جون تشاينبيك وغيرهم بمثابة خلاق قاسين حينًا ورؤوفين نادرًا...
لا يختلف الروائي عن ربّ البشرية في صناعة العوالم المهدورة بالحوادث والكوارث ونادرًا ما تكون بميزان الكوميديا السوداء، وفي بساطة تقترب من المعجزة، يكتمل عالم الخلق الروائي، بحياة وموت وإصابات، ثمة أعراس وأفراح ولكن سرعان ما تنقلب مع رياح معاكسة إلى كوارث وهذا يدلّ على مزاج الخالق، الروائي، ما أذا كان يعيش بمجتمع منطويًا قائم على التقاليد والخرافات والتابو، والمحرمات، وانعدام الحريات، خالقًا دكتاتوريات كما هو في عالم الأول، فالدكتاتوريات بالعالم الثاني الروائي لم تأتِ إلا لأنها نشأت في عالم الخالق الأول، الربّ ومن هنا نسخ الخالق الثاني الروائي عالمه على نمط العالم الأول...
ثمة نتيجة تبرز نتاج ذريعة متعلقة بالخالق الثاني وربما لا توجد لدى الخالق الأول وهي معاناة تنبع بالخلق المتوتر، المشحون بوطيس حرب شنها الخالق الروائي على ذاته بصدد خلق عالمه الروائي...فأسوأ ما نتج عن هذا الخلق، الإبداع، لدى الروائي المقتحم للمسكوت عنه والخارق للمحرمات ومتحدي الدكتاتوريات، هي معاناة نتيجة الآلام الجسدية والنفسية والأطوار الغريبة نتاج غوصه الدائم وهو بصدد خلق ابطاله وأمراضهم وعلاجاتهم، موتهم وحياتهم، مقابر جنازات ونعوش وصدامات وحروب، أجواء ومناخات يخلقها الروائي تنعكس عليه شخصيًا بثمنٍ باهض نتيجة هذا الإبحار بالخلق...ولكن لن يشكو مما يعانيه أو يتعرض له طالما هو الخالق، فلا يشكو...
هذا هو عالم الروائي بإيجاز وهو يقتحم من المحظور...