من شرفة الدور الثالث أطل على شارع قصر العيني، القريب لقلب ذكرياته، فوجد معالمه كما هي ، سوى الاتجاه الثـنائي للسيارات تغير إلى اتجاه واحد.
جاء توقيت عودته،وسط أجواء مشحونة بإشكاليات الشرق الأوسط:الإرهاب،تساقط الطائرات، ومشروع إدراك العراق بعد الحرب.
أصابته الاجراءات الأمنية فى المطارات، بالذعر..كادت تقضي على رغبته فى بناء عالم فضي يضبط به مزاجه العشوائي. لكنه بذكاء ومرونة تدبر أموره، حتى ليجد لنفسه مكاناً ما ينهي فيه تاريخاً مملاً من الترحال..من إسبانيا،إلى الكونغو، إلى واشنطون..مدينة الابن المهندس،مستقبل الأخت الفيزيائية، وحلوى أحفاده، التى قطعت فى يقينه بأنه كان يغرد خارج السرب، فى عصر يـُدار بكبسة زر. وعن فكرة الحنين إلى مصر للم شتات الأسرة، أوضحوا أنها كإعادة الفراشة إلى الشرنقة.
..............
تسللت رائحة الشواء إلى أنفه، بخار طازج دغدغ حاسته برفق، فاقـشعر لثوان. فيما كانت هي ترصّ المائدة بالأطباق، وتتهادى بخفة ودلع من وإلى المطبخ. ظل يرقبها بشغف، وأدهشها مادحاً :
= أعتقد أنكِ أيضا طاهية جيدة .
وبلطف ، التفتت باسمة :
ـ تعرف أنك أول من قال لي هذا !
ابتعد معها عن تفريغ كل جهده فى الفراش. انتهى فى 5 دقائق، وطلب منها تمضية بقية اليوم. سرحتْ قليلاً، ثم قررت زيادة تسعيرتها ، وتحت ضغط إثارتها .. وافق بانسيابية.
بعد الغداء، احتواها لمشاهدة فيلم رومانسي..دفئه يواصل ارتفاعه، ورأسه تطاول السقف. سألها عن منطقها فى الحياة ،هل كانت تحلم بحياة مختلفة ، ولم تجدها؟ أتود أن تشارك رجلا ما حياته ؟
ـ أنت تسأل فى أمور لم أفكر فيها مطلقاً !
ألمحتْ إلى أنها تعيش بما يتوافق مع ما تجده من حظ فى طريقها.
فى المساء،على خلفية الأيام الروتينية افترض أن يأتي الخروج بجديد هذه المرة. وبحنكة السنوات أمام المرآة، هندم طقمه الشتوى، فى تأنق لائق. وقبلما يترك غرفته، لمح درج الكومدينو وإحدى ضلفات الدولاب مفتوحين. لم يشعر بحركتها الخفيفة.. اختفى بريقها المشع من ساعات. لحظتها تغيرت خريطة ملامحه إلى براكين وأعاصير وزوابع.
فى أقرب قسم. وبمعاونة الضباط النوبتجي حرر محضراً، لسرقة خاتم وساعة "سيتيزن"ذهبية و500 جنيه. أشار إلى أن امرأة باتت عنده أمس ، وسرقته فى الصباح..
= آخر امرأة اصطحبتها كانت من أسبوع .
سجل مواصفاتها بدقة. أما بخصوص جيرانه، فكل معرفته بهم هى تحية الصباح والمساء بالصدفة ، وليست له صداقات أو علاقات من أى نوع . وهز كتفيه مستبعداً لو كان هناك من أعداء!
أرهقته الأسئلة والأجوبة الكثيرة، جف ريقه، أشعل سيجاره وأطفأه 3مرات، وعيناه تتبعان حركة دخانه فى صمت!
= أستبعـِد البواب والغسالة والخادمة !
أتم كافة أقواله، على وعد بتحري الأمر فى الحال .
وإلى باب الخروج دلـّه عسكري بشارب أبيض وكرش يأخذ منحنى واضح لأسفل، ومقابل10جنيهات ودعه بكلمات غير مفهومة.
أمضى ساعات متصلة، يسترد معالم شبابه فى الحي، لمس بعينيه النتوءات الأسمنتية متباينة الارتفاع.. الناس تغط فى ظروفها المعيشية.(بائعو الجرائد أكثر من عدد المطبوعات، المراهقون يتحولون إلى ذباب على المقاهي والنواصي). بدأ يعلو ويهبط كالزئبق فى أنبوب، وضحك من السخرية حتى اعتقد أنه يستحق الرثاء لحاله!
" يا للعجب لتغير الزمن.. يا للعجب لتغير الناس! "
علقتْ الجملة فى لسانه، إلى اقتراب الساعة، الساعة. آه لو كانت سرقتها، كان سيتغير إلى وحش يطيح بمن حوله، فلها عنده ذكريات، هى الأجمل والأفضل والأبقى على مدى التاريخ المؤلم الذى عاشه، عاشه من الخارج وهو مغلف بسعادة، يخلعها بإدارة مفتاحه فى باب البيت.
بعد تفكير عميق، استقل تاكسي متجهاً إلى القسم مرة أخرى. تنازل عن المحضر، واعتذر بـ40 جنيها لأحد العساكر وهو يلوّح بضرورة السعي فى تحقيق القانون.
استمر فى السيارة إلى أن وصل الملهى. ولأول مرة لمعت فى وجهه إضاءة إعلانات الحفل، التى تحييها نجمة رقص شهيرة، وهى تقطع المسافة من المبنى إلى منتصف الشارع .
تشابهت الدنيا فى ذهنه، كرقص الفتيات على وقع الأنغام الشاذة..فوق فوهات صغيرة تفح دخانها المصبوغ بألوان الغريزة. من فصوله التمهيدية فى حبسه الانفرادي،وهو يرى الأشياء بنفس الألوان.. زائفة أحياناً، رائقة فى أحايين أقل جداً. ودائما يستدل على فقدان معنوياته برائحة النسيان، وبطعم امرأة يلتقطها.
من ركن مناسب لرؤية حلبة الرقص، بدا أنه رأى البنت التى سرقته، بتـنورتها القصيرة..نفس القوام، نفس رشاقة الأفعى. وضع كأسه على الطاولة، وانتفض متحققاً من اتزانه :
= لم أسكر بعد .. !
انقض عليها، شدها بعنف آلمها. صرخت..أمسك بشعرها الغجري، فانحسر عن شعر أسود كالجنون، ومن وجهها الغامض بالمكياج فسّرت نظرتها الكسيرة كل شئ. جرفه الاندفاع ليسكر ذراعها، جذبه أحدهم من الخلف، وأبعده بقوة عنها..باعثاً فى عينيه شرراً حاداً، وزجره بما معناه الرجوع إلى مقعده، وإلا..( وإلا صنع فى كتفه ثقوباً كبيرة للفئران) فاستسلم بموهبة النعامة..وبلا انتظار لبقية حساب مشروباته ـ من النادل ـ صعد السلم المفضي إلى الشارع .
.................................
هجرته الطيور، من أشجاره، إلى عالم بعيد عن الأنظار. وقف حائراً، منطوياً..( كطفل عندما كسر شاشة التليفزيون بلعبته التافهة، وأرهف سمعه لوعيد أمه : "انتظر أبيك حين يرجع". عندها تذكر أنه لم يعرف اللعب أبدا. فقط كل ما تبقى له من الطفولة، هى شقاوة الأحلام المستعصية ) .
سأل نفسه وهو يجدّف على فشله فى التصدي لهذه الملعونة .. " فيم تفكر ؟! "
وفى الوعي باللحظة، تراءت له كومة من الأسمال تفترش الأرض.. وتـنفـث ناحيته صوتاً خشناً :
ـ تنتظر أحداً بالداخل ، سيادتك ؟ . وتابعت نفس " الكومة "
ـ أنا هنا كل ليلة ، من فترة طويلة .. وكل الذين وقفوا هنا مثلك كان بسبب واحدة منهن !
خرج أحدهم تواً..رمى إليه بزجاجة كحول صغيرة..أطبق عليها بكفه المختفية فى قفاز ممزق.
كانت " للكومة " طريقة فى الحياة، تعني البلاهة نوعاً ما. ليست من وضع صاحبها الزجاجة على فمه وأنزلها فارغة، بالأحرى حين تجشأ وتطايرت نفاياته على ألياف مجدولة تحت شفتيه، وحين أخرج لسانه يلعقها ويعيدها للعابه.
وكعادته تناغمت فى ذهنه المخاطرة، مخاطرة اللعب بـ "لعبة تافهة"، لكن خاطره يشدد عليه ألا يكسر ـ مرة ثانية ـ أي شئ !
تقدم الخطوات الفاصلة بينهما،أعطاه سيجاره المفضل،التقمها بشفتيه،فيما استمرت الشعلة فى طرفه تضيئ بوهج .
استدعى تاكسي، وهمس للسائق بحمله ووضعه فى المقعد الخلفي..مشيراً إلى أنه سيحمله أيضاً ، ليدخله بيته. فوافق السائق ، على مضض الجنيهات التى رآها فى كفه الأسمر النحيل.
بينما أجلسه فى الصالة، والساعة تشير إلى 12مساء، كان جسمه يرتعش، وعيناه مشدودتان بخيط رفيع إلى أعلى، ففكر فى كوب ماء دافئ من السخان.. يعيد إليه ثباته.
كرر النظر إليه ـ هذه المرة ـ من زوايا مختلفة. وجد مساحاته تنم عن مبلغ مرير من المعاناة والقسوة، فدنا منه ـ كأب دافئ بحنانه ـ فى حرص لإخراجه من هذه الفوضى التى تشمله.
وخلال نصف ساعة كان قد اكتشف جغرافيا تربته المرسلة أمامه..ملأ البانيو بالماء الدافئ، غسله بالصابون والشامبو..من ربوة صدره المشعر بالحشائش، من جرح بارزة ندوبه، إلى طحالب تتخلل فروج أصابع قدميه. هذب شعره وقلم أظافره وساوى شاربه ولحيته الاستوائية..ثم نقله إلى مقعده الخاص..انتقى له قميصاً، بنطلون جينز ماركة CK، ورشّه بعطره الفرنسي.
بلسمة سحرية، ارتسمت عليه نضارة رجل ناضج، برغم أن وجهه بدا أكثر قرباً من الضمور، وأسنان يلمع اصفرارها تحت شفتيه الجافتين كخشب مقاعد قطارات الدرجة الثالثة. لكنه يتمسك بنوع خاص جداً من الحياة.
لا يدري لماذا تذكر أيامه الخوالي، التى لم يحالفه الحظ فيها ليرى أنه رجل، بكل معاني الكلمة: شعر مصفف إلى الوراء،عين مستديرة، أنف محدد بزاوية قائمة على وجه مستطيل عريض الجبهة ممتلئ الخدين.. بوليصة تأمين سخية، شقة مناسبة لثراء متوسط.. و60 سنتيمتر بين منكبيه عرضاً. لم يكن ليرى مواصفاته تلك ويغفل عن مناوراته لاستطلاع آخر صيحات نساء العاصمة.عاصمة المرأة، التى قلصت دور الرجولة إلى ما يشبه الانقراض.
بخبرته الدبلوماسية ، استدرجه ليـُفهـِمه أن كل هذه المقدمات، لعبة.. وسيكتشف أنها كانت مسلية إلى حد ما .
= تشاهد التليفزيون ؟. هز كتفه غير مبال
= أطفئ الأنوار ؟ . أوضح أن الاختيار غير موفق
= ممكن تخبرني عن سبب الجرح ؟ . وأشار إلى مكانه عند عقدة الحبل السري
ـ مشاجرة قديمة مع جاري ..
= بسبب ؟
ـ أبداً..حياتي كانت هادئة مع زوجتي ، فجرها عندما زارنا لأول مرة فى عيد من الأعياد.
= ثم... ؟
ـ ولد من صبياني فى الورشة شك فى أنه كان واقفاً معها أمام الشقة، وعندما رآه صعد لشقته.
= استفسرت من زوجتك بالطبع ؟
ـ لم تكن لمرة أو مرتين ، النذل ضبطته خارجاً من عندها ، وكنتُ قد تأخرت لبعض الأعمال .
= قتلته إذن ؟
ـ أوسعته ضرباً،لأوقفه عند حدّه.. أخرج مطواة من ملابسه وجرحني بها..التف الناس حوله وأمسكوها منه.
= قصد قتلك ؟
ـ ولم أمتْ !
= وزوجتك ؟
ـ ضربتها بيدي وقدمي بجنون..ودمي ينزف. صرختْ واستنجدت بالناس، دفعتها للحائط. وفى النهاية سقطت، فشعرتُ أنها ماتت.
أسكتته بحة ثقيلة..تشتت بصره.. لم تكن بالتحديد غير صورة كبيرة استرعت انتباهه. ثم أطرق برأسه إلى موضع قدميه وغمغم بالبكاء .
لحظات ، ورفع رأسه مردداً :
ـ السجن أرحم .. الإعدام أرحم من العيش مع امرأة مثلها !
حاول التخفيف عنه،ربـّت على كتفه.. وبذكاء عاطفي قبـّله بدون أن يضم شفتيه. ثم عاد مكانه بجوار التليفزيون .
= هل أفهم أنك .....
ـ جاءت الشرطة وقبضت عليّ .
= وهى ؟
ـ مرت ليال طويلة على حبسي وأنا لا أفكر فى غير الهرب. ساعدني فيه مسجون، مقابل طلبه لبعض الأمور من الخارج.
= كنت تفكر فى الانتقام ، ها ؟
ـ عرفت أنها خرجت من المستشفى ورجعتْ إلى أهلها فى الصعيد .
= .................
ـ بعد أسبوع، سألت عن المسجون، فقالوا بأنه هرب، وأثناء محاولة سرقة شركة كبيرة، قتله حارسها.
= إذن لم تعد تعني لك الحياة شيئاً ؟!
ـ أعترف بأنني أخطأت. كان من المفروض أن أبقي على حياتنا بأي شكل، فالدنيا بقسوتها..جعلت الناس كالذئاب!
حاولتْ روحه المرهقة الافلات، إلى مرفأ فيه أمان من الشقاء. وبحاجة تنفسه ليهدأ، طلب منه سيجارا آخر.. يحس مع مذاقه النيكوتيني الجيد، بتحليقه فى أفق بعيدة عن الجميع.
= ابك .. البكاء يخلصك من الهموم .
ـ ممكن ..؟
= بعدما ترتاح ، سنتابع مهمتنا..
ـ ماذا تعني ؟
= اللعبة التى كلمتك عنها .
ـ أى لعبة ؟
= القتل . آه ، أقصد لعبة القتل .
وبدهشة عارمة ، شخصَ برجاء حار :
ـ ولماذا تريد أن تلعب معي هذه اللعبة ؟
= أنت رجل مطلوب من العدالة .. عاجلا أو آجلا سيمسكوا بك .
مستسلماً لنبرة متعبة ، أفصح :
ـ قتلْ رجل مسكين مثلي ، لا يعني لك شيئاً !
= كنت ستـُقتـل على أي حال، لماذا ترفضه الآن ؟
ـ لأنى لا أريد أن أموت قتيلاً !
= يا رجل افهم ، أتستطيع أن تخيـّر الموت بينك وبين شخص آخر ؟!
ـ إذا كان الموت لا يختار ، فلماذا أنا أختاره ؟!
= ربما يكون قد حان الوقت !
ـ لا أتصور أبداً ، موتي تحت ضغط !
= على العموم .. أنا أرى أنك لا تصلح لهذه الحياة التى تعيشها!
فأطرق الرجل برأسه ، ثم أمالها بزاوية حادة ، ناظراً بركن عينه :
ـ لديك أحسن منها ؟
= سألبي لك رغباتك كلها لأسبوعين كاملين .
ـ وبعدها تقتلني !!
= فكر فقط أن حياتك فى أسبوعين ستعوضان تضحيتك.
فوقف فجأة ، بما بدا عليه الشعور بعته يصيـبه لأول مرة .
وسادت فترة صمت. صمت عن طاقة كامنة ، صمت عن رغبة خاملة وكسولة.
= أتحب أن نبدأ غداً ؟
ـ اشرح لي بالتفصيل.
= اللعبة بسيطة ! كل ما هنالك..أن حياة كل منا اختبار، إما أن ينجح فيه ويعيش كملك، أو يفشل فيسقط قتيلا بأى وسيلة .
ـ والله أنتَ تهرج ؟!
= عقدنا اتفاقاً ولا رجعة فيه .
ولعدم وجود مفر من الأمر، لم يشعر الرجل بأمان دون توقيعه بكلمة شرف، نزل على ركبتيه، منحنياً فى توسل، ومقبلا كاحله :
ـ توعدني أنني إذا نجحت سأكون حراً .
= وستحصل على مبلغ كبير تكمل به حياتك كواحد من الأغنياء .
.........................
ـ اتفقنا .
.......................
واصطحبه من يده يحدد له الأركان والزوايا التى يتحرك خلالها، وحذره من التفكير فى عدة أشياء عليه الانصات جيدا للابتعاد عنها: الصور والميداليات والكؤوس، ممنوع لمسها أو تحريكها..باب هذه الحجرة مغلق لا تقربه، إذا دخلت المكتب(مشيراً لاتجاه بابه يميناً) فلا تهتم للأدراج الكثيرة ولا تعبث بإحداها، الطعام تعده لنفسك..لا ترفع صوت التليفزيون..لا تتكلف إضاءة الصالة وأنا نائم، ولا توقظني حتى لو وقعت مصيبة..لا تنظر من الشرفة..الباب سيطرقه أحدهم فى الصباح 4 مرات لا تفتح ولا تخرج منه.
...................
ليلة اليوم الأول. تسرب الصقيع كغاز التبريد فى غرفة محكمة الاغلاق .
ليلة اليوم الثالث . ارتفعت درجة التجميد.
ليلة اليوم السادس. مستحيل أن تظل الحال على مزاج واحد، وإلا ستكون بداية لموت بطئ اكتملت كل عناصره.(الفزع من صمت فاحش..مسلسل الملل غير المنتهي..الدوران فى فراغ حتى الهذيان.. وشئ ما يمنع العقل عن العمل )
فأنشد بنضال بائس :
ـ الحياة حلوة فى أعين من لا يرى !
طيلة حياته كان ضحية لكل شئ ، ولكل الناس. تأكد له هذا المفهوم، فغادرته للتو ابتسامة كادت تنفجر لتذكره، على غفلة ، نكتة ساخرة قيلت فى السجن .
فعل أفضل الأشياء من أجلها، لعب الأدوار التى أرادتها منه على أكمل وجه. واسترسل قائلا :
ـ ليتني ما كنت رجلاً أحببت، وزوجا أخلصت 7 أعوام ، من أجل (الله) !
ترجل إلى المطبخ..( مع احساس داخلي بالفضول المفرط) حرك الأواني برفق وحذر شديدين..أعد كوباً كبيراً من القهوة، جددت انتعاشه لدقائق.
وعلى المقعد مال برأسه للوراء.. بارزه الماضى من فوق حصانه، وكلما حاول مجاراته بسيفه الخشب، تتقلص الرقع المتاح له الحركة فيها. ومتى أصبحت هناك رقعة وحيدة، حار وهو عليها من أين ستأتيه الطعنات !
ليلة اليوم التاسع . أسِف بشدة ، لكونه لم يعد يحتمل أكثر من ذلك .
ـ فكرت فى الانسحاب ! هل تسمعني ؟
ومن غرفته ، تردد صوته الغاشم :
= لعلك لم تفكر فى انتظار الشرطة لتليفون من شخص طيب مثلي يرشدها إليك !
................................
منتصف ليلة اليوم العاشر .
باتت أعصابه المركزية محض آلة..انقطع الأنبوب الحيوي المسئول عن إمداد العقل بالاتزان.. تمكن لتوه من رفع يده، دورها فى الهواء بإحدى الكؤوس، وهوى على أم رأس هذا الذى صدأ من العته، فصرعه. بلا تفكير فى عربة شرطة آتية من بعيد، توزع أفرادها المدربين على مسرح الجريمة. حتماً ستنتهي التحقيقات، بحفظ الرواية باسم البطل المجهول.
وفى ثوان معدودة، انتهى الطقس المثير المهيج لضغينة مبيتة، تسحب ببطء ليلق نظرة على بطن منتفخة كالبالون.. فى جثة ارتخت، ويرقص ـ على تؤدة ـ قفص صدري، كرفاص مركب تعطلت فى عرض البحر.
أمسك بحلقومه وصرخ بتشفّ:
ـ كنت تريد أن تقتلني ، ها ؟
نظر فى عينيه المطفأتين..وضحك! ندّت عن شفته رغوة لزجة كأنها كابوس عالق طردته أخيراً نافذة نور فـُتحت على رأسه .
تمالك ما بقي فيه من روح..
ـ ها ، انهض يا رجل لتقـتـلنى !
وبحالة وعي كامل ، بهدوء يتغمده كرحمة السماء بشجرة حاصرتها ريح شرسة ، جمع مقتطفاته فى كيس بلاستيك، ربطه على خصره.. ونزل قاصد رصيفه، حيث يعثر فيه على صوته الخشن القديم، ولا يسمعه أحد وهو يهرتل :
ـ ها أنذا لم أمت بعد ! .. ها أنذا لم أمت بعد !
وقد راقه إغلاق عينيه تماماً، وفرد ساقيه، بحذائه الملطخ بالدم..محافظاً بحياته على الكيس.
كانت بداخل كل منهما ظلماته الخاصة..
الفرق هذه المرة ، فى الرائحة التى لا تزال تصدر عن جلده المجعد، كذبذبات الراديو، يتشممها رواد الملهى 0
الحياة برائحة أخرى
بقلم: محمد حسني عليوة - في: الجمعة 17 نوفمبر 2017 - التصنيف: قصص
فعاليات
مناقشة رواية النباتية لهان كانج الحاصلة على جائزة نوبل للأدب
نوفمبر 08, 2024
تمت منااقشة رواية النباتية يوم الجمعة 8 نوفمبر 202...
Art Auction: Support Palestinian Families in Gaza
أكتوبر 18 - 20, 2024
Join us on October 18th for Art for Aid, an online...
مناقشة نصف شمس صفراء لشيماماندا نجوزي أديتشي
سبتمبر 28, 2024
تمت مناقشة رواية نصف شمس صفراء للكاتبة النيجيرية ش...
إدوارد سعيد: الثقافة والإمبريالية
يوليو 27, 2024
تمت مناقشة كتاب الثقافة والإمبريالية لادوارد سعيد...