شبكة النبأ المعلوماتية 21 يناير 2009
شبكة النبأ: بعد توقف القصف الاسرائيلي لغزة تأتي مُذكرات موشي شاريت رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق لتكشف أن قادة اسرائيل عام 1955 ثبت لهم أن احتلال غزة لن يحل أي مشكلة أمنية، وأن الدولة العبرية قامت على مبدأ القوة التي تضمن لها درجة من التوتر من خلال افتعال حرب مع أي طرف عربي.
الكاتبة الاسرائيلية ليفيا روكاش، تقول في دراستها لمذكرات شاريت، الذي كان أول وزير خارجية اسرائيلي ان "الخطر العربي أسطورة اخترعتها اسرائيل لأسباب داخلية.. ولم تستطع النظم العربية إنكارها تماما رغم أنها كانت على الدوام في خوف من استعدادات اسرائيل لحرب جديدة". مضيفة أن احتلال غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية كان على " أجندة" القادة في اسرائيل التي تستمد قدرتها على البقاء من "خلق الأخطار" و"اختراع" الحروب على حد قول شاريت.
وتعرضت غزة منذ يوم 27 ديسمبر كانون الاول 2008 لغارات جوية اسرائيلية وفي الأسبوع التالي بدأت اسرائيل هجوما بريا واستمر القصف المدمر 22 يوما وأودى بحياة نحو 1300 فلسطيني على بينهم 410 على الأقل من الاطفال وأصيب نحو 5300 شخص بينهم 1631 طفلا. وأعلنت اسرائيل أن عشرة من جنودها اضافة الى ثلاثة مدنيين قتلوا بنيران صواريخ حركة حماس.
وتقول روكاش في كتابها (ارهاب اسرائيل المُقدس.. من مذكرات موشي شاريت) ان أمن اسرائيل يبقى ذريعة رسمية للدولة العبرية والولايات المتحدة لانكار "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في وطنه... تم قبول تلك الذريعة كتفسير شرعي لانتهاك اسرائيل للقرارات الدولية التي تدعو الى عودة الشعب الفلسطيني الى وطنه" وان من تصفهم بالقتلة الاسرائيليين يمارسون "منهج طرد وابادة" ولا يترددون في التضحية بأرواح يهودية لضمان وجود درجة من الاستفزاز تبرر العمليات الانتقامية التالية.
وصدر الكتاب في القاهرة عن مكتبة الشروق الدولية في 143 صفحة كبيرة القطع وترجمته الى العربية ليلى حافظ وقال المفكر الامريكي ناعوم تشومسكي في مقدمته ان بين اسرائيل والولايات المتحدة "علاقة خاصة... يمكن أن نقيسها بتدفق رأس المال والأسلحة أو بالدعم الدبلوماسي أو بالعمليات المشتركة" حيث تتحرك اسرائيل للدفاع عن المصالح الامريكية في الشرق الاوسط. بحسب رويترز.
وأضاف تشومسكي اليهودي المعارض لسياسة كل من أمريكا واسرائيل أن مذكرات شاريت الذي يعتبره معتدلا "تعتبر بما لا يدعو للشك مصدرا وثائقيا أساسيا" وأنها تبقى خارج التاريخ الرسمي الاسرائيلي.
ولد شاريت عام 1894 في روسيا وهاجر مع عائلته الى فلسطين عام 1906 ودرس الاقتصاد في لندن وأصبح عام 1933 رئيسا للقسم السياسي في الوكالة اليهودية وبعد اعلان قيام اسرائيل على عجل عام 1948 وإسراع القوى الكبرى للاعتراف بها تولى وزارة الخارجية حتى عام 1956 حيث كان دافيد بن جوريون أول رئيس للوزراء ثم أصبح شاريت رئيسا للوزراء عامي 1954 و1955. ويومياته التي تبلغ 2400 صفحة تقع في ثمانية مجلدات وتغطي الفترة من 1953 حتى نوفمبر تشرين الثاني 1956.
وتقول روكاش ان عائلة شاريت تعرضت "لضغوط هائلة" لمنع نشر يومياته حيث كان بين "الزعيمين الصهيونيين" شاريت وبن جوريون صراع أدى الى "طرد" الاول من الحكومة عام 1956 نظرا لمعارضته "أعمال التحرش المستمرة" من جانب اسرائيل بجيرانها لدفعهم الى مواجهة عسكرية كان قادة الدولة العبرية "على يقين بأنهم سينتصرون فيها... اعتبر تصفية وجوده (شاريت) المعارض مسألة ضرورية من أجل تحقيق مخطط الزعامة الاسرائيلية السياسية والعسكرية الاجرامية والمصابة بجنون العظمة."
ويقول شاريت في أكتوبر تشرين الاول 1953 ان قادة اسرائيل كان لديهم استعداد لاحتلال سيناء لكنهم أُصيبوا بخيبة أمل لان المصريين لم يسهلوا مُهمة الاحتلال "من خلال تحد مستفز" وانهم حين يرتكبون "مجزرة بشعة" يسعون لاختراع عملية مثيرة تالية لصرف انتباه العالم عن العملية الأولى.
ويسجل في فبراير شباط 1954 أن بن جوريون اتهمه بعدم الجرأة لاعتراضه على دفع الموارنة في لبنان "الى اعلان قيام دولة مسيحية في لبنان... لبنان أضعف حلقة في جامعة الدول العربية... مصر هي أكثر الدول العربية إحكاما وصلابة" على حد وصف بن جوريون لشاريت في خطاب أرسله اليه.
لكن شاريت الذي يوصف بالمعتدل رد على بن جوريون معتبرا اعلان دولة مسيحية في لبنان "في الظروف الحالية... ستعتبر مضاربة غير محسوبة... لصالح مميزات تكتيكية مؤقتة لاسرائيل" لكنه لم يرفض المبدأ الا لانه في تلك الظروف "مغامرة مجنونة" سوف تسبب "لنا" خسارة. وتعلِّق روكاش قائلة ان لإسرائيل طموحا قديما "لتقسيم لبنان وفصله عن العالم العربي."
ويقول شاريت ان اسرائيل تهدف دائما الى "تفجير حرب" ضمانا لتصعيد التوتر وان العمليات "الانتقامية" التي تقول المؤلفة انها تعني حاليا "الإرهابية" تكتسب في الجيش الاسرائيلي قيمة معنوية تصل الى " مستوى المبدأ المقدس" وخاصة في فرقة كان يتولاها في الخمسينيات ارييل شارون رئيس الوزراء السابق.
ويضيف أن فرقة شارون أصبحت أداة انتقام في يد الدولة وأنه بعد مذبحة كفر قاسم التي أودت بحياة 48 مدنيا عربيا عام 1956 بينهم أكثر من 20 طفلا وامرأة توصل المسؤولون الى نتيجة "أن الدم العربي يمكن سفكه بحرية".
ويسجل شاريت أن "الحرب مع مصر ظلت الطموح الاكبر للمؤسسة الامنية الاسرائيلية" التي كانت مستعدة لذلك في يناير كانون الثاني 1954 وأن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر كان "يؤمن بالتعايش ويعرف أن المفاوضات سوف تبدأ يوما ما" لكن الهجوم الاسرائيلي على غزة عام 1955 أنهى أي تفاهم بين الطرفين.
ويعترف شاريت في مارس اذار 1955 بأهمية أن تقبل اسرائيل حدودها 1948 "من أجل السلام.. احتلال قطاع غزة لن يحل مشكلة أمنية حيث ان اللاجئين (الفلسطينيين) سيظلون يمثلون المشكلة نفسها."
كما يسجل أن اسرائيل باختطافها طائرة مدنية سورية في ديسمبر كانون الاول 1954 قامت بقرصنة جوية "غير مسبوقة في العالم كله.. في تاريخ الممارسات الدولية... يبدو أنهم افترضوا أن دولة اسرائيل يمكنها أو يجب عليها أن تتصرف في مملكة العلاقات الدولية بناء على قوانين الغاب."
ويقول ان عودة بن جوريون لرئاسة الوزراء في نهاية 1955 تزامنت مع رغبة أمريكا التي كانت "مهتمة باسقاط نظام عبد الناصر" فأعطت اسرائيل الضوء الاخضر للقيام بغزو مصر "لقد لعبوا بالنار".
وتعلق المؤلفة على اشتراك اسرائيل في العدوان الثلاثي البريطاني- الفرنسي- الاسرائيلي على مصر عام 1956 قائلة ان مشاركة اسرائيل في "الجريمة" أثببت أنها قادرة على خدمة سياسات القوى الغربية في المنطقة وان "الصهيونية التي قامت على أساس نزع الصفة الفلسطينية عن فلسطين هي في جوهرها عنصرية وغير أخلاقية".
وتخلص الى أن يوميات شاريت "مدمرة للدعاية الصهيوينة... تفسر لماذا لم يكن ممكنا أبدا ظهور صهيونية يمكن أن نصفها بأنها معتدلة وكيف تنتهي دائما بالفشل... تشربت الدولة بمبادئ الارهاب المقدس ضد المجتمعات العربية التي تحيط بها" بحيث لم يعد ممكنا تحرير الصهيونية من الداخل.