ورقة مقدمة للمؤتمر الدولى السابع لجمعية تضامن المرأة العربية تحت عنوان: الإبداع، التمرد، النساء. - القاهرة 21-23 مايو 2005
تثير هذه الكلمات الثلاثة: الإبداع، التمرد، النساء، الغضب، أو على الأقل القلق، لدى الكثير من رجال العالم وليس فقط الرجال العرب (وبعض النساء أيضاً). ارتبطت هذه الكلمات الثلاثة منذ نشوء النظام العبودى بالشيطان، الذى أبدع العصيان والتمرد، وحرض المرأة على الإثم، أو المعرفة. هناك علاقة بين الإبداع والمعرفة (الآثمة) أو الوعى بما يدور فى العالم من ظلم وتفرقة بين البشر. كان الجهل فضيلة (ولا يزال) ومن هنا الترابط بين التمرد والإبداع والوعى.
كانت المرأة هى المبدعة الأولى فى التاريخ، المتمردة الأولى، سبقت رجلها فى التمرد واكتساب المعرفة، لولا إبداعها وتمردها ما كانت البشرية ولا الإنسانية، ولا كنا نحن النساء والرجال المجتمعين والمجتمعات اليوم فى هذه القاعة فى هذا المؤتمر. لولا الإبداع والتمرد النسائى الأول ما كنا وما جئنا إلى الوجود، فلماذا تثير هذه الكلمات الثلاثة كل هذا السخط والغضب والقلق، والذى أصبح يتزايد منذ السبعينات فى القرن الماضى، مع تصاعد الحركات السياسية الدينية "الأصولية"، سواء كانت إسلامية أو مسيحية أو يهودية أو هندوكية أو بوذية أو غيرها.
من الطبيعى أن يسعى النظام السياسى القائم على القوة وليس العدل أن يدعم نفسه بالقوة الغيبية، وأن يتخذ من "الدين" سلاحا ضد العبيد من النساء والرجال، ومن الطبيعى أيضا أن يتخذ المقهورون والمقهورات من "الدين" سلاحا ضد الظالمين المتحكمين فى الدولة أو فى الأسرة، حسب مفهوم كل منهم لمعنى الدين. وهذا هو الصراع الذى نعيشه حتى اليوم، وهو صراع قديم قدم العبودية، وهو صراع حديث يتطور مع تطور الأنظمة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.
تدمير العقل : يتميز عنصرنا الحديث أو ما بعد الحديث بتطور وسائل الإعلام والاتصالات، يسمونه عصر المعلومات، أصبح فيه سلاح الإعلام أكثر خطورة من السلاح العسكرى، لأن تدمير العقل، أو الوعى الزائف، أكثر خطورة من تدمير المبانى والمنشآت الخرسانية. تدمير العقل يؤدى بالإنسان، (المرأة، أو الرجل)، أن يضرب الصديق بدلا من العدو، وأن يقف الشعب المضلل إعلاميا ضد مصالحه. تدمير العقل يؤدى بالمرأة أن تؤمن بأفكار عبودية، أن تصبح أداة فى يد رجل أو زوج يضربها ويهينها، أو يستعبدها فى العمل داخل البيت وخارجه، تحت اسم الدين أو الثقافة أو الهوية أو القومية أو الوطنية أو غيرها.
من الطبيعى أن يتمرد الإنسان، المرأة أو الرجل، ويثور ضد القوانين غير العادلة، لكن تدمير العقل يؤدى بكثير من النساء إلى قبول الظلم، كأنما هو قانون إلهى أو طبيعى يتفق مع الطبيعة الأنوثية، وبالتالى عدم الثورة أو التمرد، بل أحيانا الاستمتاع بهذا الظلم أو بهذا الضرب، إلى حد الدفاع عنه، بل الموت فى سبيله.
منذ أيام أو أسابيع قليلة هنا فى القاهرة، أقدمت فتاتان فى العشرين من العمر على الموت، ضحت الفتاتان بحياتهما من أجل أفكار دمرت عقليتهما تماما، منها أن وجه المرأة عورة لابد أن يغطى بالنقاب، ومنها أن طاعة المرأة للرجل واجبة دينيا، وإن دفعها إلى الانتحار. حين تصبح المرأة ضد نفسها فماذا نفعل؟ هذه إحدى الصعوبات الهامة التى تواجه الحركات النسائية التحريرية فى العالم كله، وفى بلادنا العربية على الأخص، ليس لأن الدين الإسلامى أكثر قهرا للمرأة، أو أقل ديمقراطية، أو أكثر عجزا عن التطور، من الأديان الأخرى كما يدعى بعض المفكرين الأوروبيين والأمريكيين، بل لأن بلادنا العربية وقعت تحت سيطرة الاستعمار الخارجى والاستبداد الداخلى قرونا طويلة، مما عطل النمو الطبيعى السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى، الذى يحدث فى بلاد أخرى، تعانى بلادنا العربية اليوم من الاحتلال الأمريكى والإسرائيلى فى العراق وفلسطين، والحرب الاقتصادية الشرسة للعولمة الرأسمالية، التى حولت الأغلبية الساحقة من النساء والرجال والشباب فى بلادنا إلى هياكل بشرية تعيش تحت خط الفقر، ولا أمل لها إلا الهجرة بحثا عن العمل أو لقمة العيش، أو الفرار من الأنظمة الدكتاتورية البوليسية.
الاتساع فى مفهوم الإبداع : أصبح الإبداع يشمل جوانب الحياة جميعا، بما فيها الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، تطورت الحركات النسائية فى العالم وفى بلادنا لتواكب التغيرات الجديدة، لتتجاوز الحدود والقيود التى لازمتها فى الماضى، لم تعد الحركات النسائية قاصرة على النساء، بل شملت الرجال الذين يحاربون النظام الطبقى الأبوى ذاته، والحركات السياسية الأخرى المناهضة للحرب والعولمة، ولعبت النساء دورا فى الإبداع الفكرى والفلسفى فى كافة المجالات بما فيها المجال الدينى، لم يعد تفسير الآيات الدينية قاصرا على الرجال، دخلت النساء هذا المجال، وأحدثت إبداعا فكريا جديدا فى تفسير التوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من الكتب الدينية، يعتمدن على جوهر الدين أو روح النص، وإرجاع النص إلى زمانه ومكانه، وتحليل أسباب نزوله، وإعلاء المصلحة المتغيرة على النصوص الثابتة.
تجاوزت المرأة مجال الفكر النظرى إلى المجال العملى والفعلى، واحتلت مناصب فى الكنيسة كانت قاصرة على الرجال، وربما نسمع قريبا عن إمرأة تحتل منصب البابا فى الفاتيكان، كما مارست المرأة المسلمة دور الإمامة، وربما نسمع قريبا عن إمرأة تحتل منصب شيخ الأزهر، الذى لابد أن يكون بالانتخاب وليس بالتعيين. كما نزلت المرأة إلى ميدان السياسة، ورشحت نفسها لرئاسة الدولة، مما أثار جدلا حول قدرات المرأة فى المحاولات التى كانت حكرا على الرجال، حدث ذلك فى إيران والجزائر ومصر وغيرها من البلاد العربية والإسلامية.
إلا أن الأمر ليس إمرأة أو رجل، ولا يكفى أن يكون الإنسان إمرأة ليكون حاكما عادلا، وعندنا أمثلة من النساء مثل مارجريت تاتشر أو كوندا ليزا رايس وغيرهما مما يحملن جسد المرأة لكن عقولهن لا تختلف كثيرا عن عقل جورج بوش أو دونالد رامسفيلد أو غيرهما. من هنا أهمية الإبداع، الذى ينجح فى رفع الحجاب عن عقول الرجال والنساء، التى دمرها الفكر الطبقى الأبوى، فى مجال السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو الدين أو غيرها. ينجح الإبداع فى تدمير النظام القائم أو الفكر القديم أو المسلمات القديمة، ويخلق نظاما جديدا أكثر تطورا، أكثر عدالة وحرية وإنسانية. لكن هناك دائما فترة بين النظامين القديم والجديد، فترة انتقالية ضرورية تتسم باللانظام أو التمرد أو الفوضى، وهى فترة قصيرة مؤقتة، إلا أنها تثير المخاوف والقلق والشكوك لدى أغلب الناس، من غير المبدعين أو المبدعات.
لا تزال كلمة التمرد أو الفوضى سلبية، تقترن بالجنون فى أحيان كثيرة بمثل ما اقترن الإبداع بالجنون، خاصة فى حالة النساء، لقد اتهمت بالجنون منذ أمسكت القلم وكتبت ضد الظلم الواقع على المرأة، وفى البرلمان المصرى منذ أيام وصفنى أحد رجال الحكومة بالجنون لمجرد الترشيح لانتخابات الرئاسة, ولم يصف أحد من الرجال المرشحين الآخرين بهذه الصفة. أصبحت نظرية الفوضى جزءاً من علم الكون الجديد، وبدأ العقل الإنسانى يدرك أن اللانظام جزء من النظام، بمثل أن الليل جزء من النهار، والموت جزء من دورة الحياة، والجنون جزء من العقل والإبداع.
إثارة الجدل والأسئلة الجديدة : مع كل إبداع جديد يحدث الصراع بين القديم والجديد، بين الاستعباد والتحرر، بين الاستغلال والعدل، بين المنطق واللا منطق، ينتصر الجديد ويسود العقل على اللا عقل، وتظهر أسئلة جديدة غير مألوفة. إلا أن مرحلة الصراع ضرورية، وهى إيجابية طالما الصراع يؤدى إلى الحوار والجدل وليس إلى القتل وإراقة الدماء. وقد دار الجدل فى مصر مؤخراً حول السؤال: هل يجوز للمرأة أن تصبح رئيسة للدولة؟ وانقسمت القيادات الدينية كعادتها، إذ أعلن شيخ الأزهر (الدكتور/ محمد سيد طنطاوى) أنه يجوز للمرأة فى الإسلام أن تتولى رئاسة الجمهورية، أما المفتى (الدكتور/ على جمعة) فأعلن أن الإسلام لا يسمح على الإطلاق للمرأة أن تتولى منصب رئيس الدولة. حين سألوه لماذا؟ قال: بسبب طبيعتها الفسيولوجية، وما تعانيه فترة الحيض! ربما لم يذهب الأستاذ المفتى إلى قريتى، أو أى قرية أخرى فى مصر، ليعرف أن الحيض لا يعطل النساء الفلاحات عن العمل فى الحقل من الشروق إلى الغروب، بل إن المرأة الفلاحة قد تلد طفلها فى الحقل وهى تشتغل، تقطع الحبل السرى بالفأس، تدفن المشيمة فى الأرض، تضع مولودها فى القفة فوق رأسها، وتعود إلى بيتها سائرة على قدميها، لتطبخ العشاء لأسرتها.
ودار سؤال آخر، هل يجوز للمرأة أن تكون إمامة للمصلين فى المساجد؟ وانقسمت الآراء أيضا، أغلب الرجال يعارضون، وبعض النساء أيضا، ومنهن الدكتورة "سعاد صالح"، عميدة كلية الدراسات الإسلامية (جامعة الأزهر)، قالت: أن شروط الإمامة فى الإسلام هى العقل والبلوغ والذكورة، لذلك لا يجوز للمرأة أن تكون إمامة، لماذا؟ لأن بدن المرأة فى الركوع والسجود أمام الرجال قد يؤدى إلى المفسدة. هذا المنطق أيضا يسرى على فكرة تحجيب النساء، درءا للفتنة والمفسدة، (مفسدة الرجال)، كأنما أخلاق الرجال هشة إلى حد المفسدة إن وقعت عينهم على وجه المرأة، أو على حركة جسمها وهى تركع، والمشكلة هنا إذن ليست المرأة، بل أخلاق الرجال الهشة، الذين يشغلهم الجنس والشهوة حتى وهم راكعون فى الصلاة بين يدى الله. المفروض إذن إصلاح أخلاق الرجال وليس عزل النساء، أو إخفائهن وراء الحجب، أو منعهن من العمل فى أى مجال. إلا أن النظام العبودى (أو الطبقى الأبوى) منذ نشوئه حتى اليوم أنتج الفساد الأخلاقى أو الازدواجية فى المقاييس، إذ يحق للرجل أن يمارس شهواته الجنسية جميعا، ونزواته المتعددة خارج الزواج، دون أن يتحمل المسئولية قانونا أو دينيا أو عرفا. هنا نذكر ما حدث لشاب مصرى يعمل بالفن (أحمد الفيشاوى) الذى رفض أن ينسب طفلته إليه، رغم اعترافه بالعلاقة الجنسية بينه وبين أمها المهندسة (السيدة/ هند الحناوى)، واحتمى الشاب بالقانون والشرع والعرف، رغم انتهاكه للمبدأ الأساسى للأخلاق أو الفضيلة. وهناك الآلاف من النساء فى بلادنا وآلاف الأطفال الذين يروحون ضحايا هذا الفساد الأخلاقى للرجال، هذا الفصل بين السلطة الأبوية والمسئولية، هذه الثغرة الخطيرة فى النظام العبودى السائد حتى اليوم، خاصة داخل الأسرة الأبوية، حيث يتمتع اسم الأب وحده بالشرف والاحترام والكرامة، أما اسم الأم فليس له شرف، أو احترام أو كرامة. وقد تخلصت كثير من البلاد فى العالم من هذه المشكلة، وأصبح من حق الطفل أن يحمل اسم الأم ويحظى بالشرف ذاته مثل الأطفال الآخرين.
قانون الأسرة الأبوية: يظل قانون الأسرة الأبوية فى بلادنا قانونا عبوديا يطلق سراح الجانى "الرجل"، لأنه الأقوى، ويعاقب الضحايا، "الأطفال والنساء"، لأنهم الأضعف. حاربت الحركات النسائية فى بلادنا هذا القانون منذ نشوئه حتى اليوم، رغم التعديلات الطفيفة التى حدثت على مدى العقود الماضية لا يزال جوهر القانون عبوديا يتنافى مع مبدأ الأخلاق والعدالة. ويمكن لرجل عجوز فى السبعين أو الثمانين أن يتزوج بإمرأة أخرى ويشتريها بالمال من سوق الزواج (حسب الكاريكاتير المنشور فى جريدة الأهرام 6 مايو 2005 الذى يصور رجلين عجوزين جاءتهما علاوة 15% للمعاش، أول فكرة تطرأ لهما هى الزواج بإمرأة أخرى). فى رحلة لى إلى الجزائر (خلال إبريل الماضى) أدركت أن الحركة النسائية الجزائرية قد نجحت مؤخرا فى تعديل خمسة عشر بنداً فى قانون الأسرة، رغم اعتراضات التيارات الإسلامية الأصولية، ومن أهم هذه التعديلات أن الرجل الزوج فقد حقه المطلق فى الطلاق وتعدد الزوجات، لم يعد من حقه أن يفعل ذلك دون الذهاب إلى المحكمة، مثله مثل زوجته، كذلك لم يعد الرجل الزوج أو الأب هو رئيس الأسرة، بل إن أفراد الأسرة يختارون رئيسهم، الأب أو الأم، حسب الكفاءة والصلاحية وليس حسب نوع الجنس. هذا التعديل شديد الأهمية لأنه يُرسى قواعد الديمقراطية داخل الخلية الاجتماعية الأولى وهى الأسرة، فالديمقراطية الحقيقية سلوك منذ الولادة وحتى الموت، وليست مجرد قرار يصدر من البرلمان أو الرئيس. الديمقراطية ليست مجرد الذهاب إلى صناديق الانتخاب واختيار أعضاء البرلمان أو الرئيس، بل هى القدرة على ممارسة حرية الاختيار منذ الطفولة. عجزت الحركة النسائية فى مصر عن تحقيق شيئ من هذا الذى حققته الحركة النسائية الجزائرية، فقد خاضت المرأة الجزائرية الحرب ضد الاستعمار الفرنسى، وخرجت إلى الشوارع فى مظاهرات ضد التيارات الدينية الإرهابية، وتعرضت للموت والحرق والذبح، إلا أنها واصلت النضال، وواصلت الإبداع فى المجال السياسى والاجتماعى والثقافى، بشجاعة كبيرة، فالإبداع لا يكون بغير شجاعة، كما أنها دفعت ثمن الإبداع، من دمها وبجسدها، لأن الإبداع لا يكون بغير ثمن، وثمن باهظ فى أحيان كثيرة. ويظل قانون الأسرة الأبوية فى بلادنا العربية هو الوتد أو العمود الفقرى الذى يرتكز عليه النظام الطبقى الذكورى، الذى يقهر النساء والفقراء على حد سواء، والذى يتجسد فى الحكومات المستبدة محليا، وقوة الاستعمار الدولية.
إطلاق سراح الجانى: ومن هنا المقاومة الشديدة التى تحدث عند أى تغيير فى هذا القانون، خاصة من التيارات السياسية الدينية الأصولية، فالأديان تخدم السياسة فى أحيان كثيرة، وتقوم السياسة منذ العبودية على أن السيد الأقوى على حق دائما وإن أخطأ. وبمثل ما يطلق سراح الجانى فى الأٍسرة الأبوية الصغيرة، يطلق سراح الجانى فى المسرح السياسى الدولى. وهل تمت محاكمة جورج بوش أو إيريل شارون على جرائم الحرب فى العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها؟! يستمد جورج بوش (مثل غيره من الحكام) قوته من التيارات المسيحية الأصولية أو اليهودية أو الإسلامية أو غيرها، ويقوم برنامجه السياسى على ما يسميه الحفاظ على تعاليم الكنيسة من أجل الحفاظ على قيم الأسرة وتقاليدها. ومن هنا التشابه بين برنامج جورج بوش وأسامة بن لادن، وحكم الطالبان، وتنظيم القاعدة، وغيرها، من القوى الدينية السياسية التى تصاعدت مع تصاعد قوى الرأسمالية والعولمة الجديدة. كلاهما، جورج بوش وبن لادن، وجهان لعملة واحدة رغم اختلاف اللغة والدين والعرق.
نحو التضامن العالمى والهوية الإنسانية: ما يبعث على التفاؤل رغم الردة التى نعيشها فى كافة المجالات، هو هذا التضامن العالمى بين الشعوب نساءاً ورجالاً، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، بصرف النظر عن الاختلافات. هذا الإبداع السياسى والفكرى للنساء والرجال من كافة التخصصات والاتجاهات، هذا الإعلاء من شأن التضامن والعوامل التى تجمع شمل الشعوب نساءاً ورجالاً وشباباً بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو الطبقة أو القومية أو الجنسية أو غيرها. لقد استفادت الحركة الشعبية العالمية ضد الحروب والعولمة من الحركات النسائية، ومن الفكر النسائى الذى كان له السبق فى علاج الثنائيات الموروثة منذ العبودية، وتم إلغاء الفاصل بين الحياة العامة والحياة الخاصة داخل الأسرة، وبين الإبداع الفلسفى فى مجال الفكر والنظرية، والإبداع الجسدى فى مجال الرقص والإيقاع الموسيقى والغناء والنحت والرسم. تم إلغاء الفصل بين العمل الفنى والأدبى وبين العمل السياسى والاجتماعى، وبين النضال المحلى والنضال العالمى، وبين الشكل والجوهر، وبين الذات والموضوع، وبين الروح والجسد، وبين الذات الفردية والذات الجماعية، وبين الماضى والحاضر والمستقبل، وبين الأنا والآخر. أصبح فى مقدور الكتابة الإبداعية أو الموسيقى أو الرقص أن تفعل ، لا أن تقول فحسب، تم إلغاء الفاصل بين القول والعمل، بين النظرية والتطبيق. وأصبح فى مقدور الحركة السياسية النسائية أن تنفتح على الحركات الأخرى، أن تصبح التعددية هى الأساس وليس الأحادية والانغلاق على الذات، أن يكون التنظيم أفقيا عريضا وليس رأسيا هرميا. يتجسد هذا التضامن العالمى الجديد داخل هذه القاعة، فى هذا المؤتمر الذى يجمع ما بين نضال الراقصة السويدية ونضال الفيلسوفة الهندية وأستاذ الجامعة العربى، والشاعرة من نيجيريا، والاديبة والطبيبة والباحثة والموسيقية والصحفية والرسامة والنحاتة والروائية من مصر وهولنده والاردن وبلجيكا وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان والكاريبيان وباكستان وانجلترا وفرنسا وايطاليا وكينيا وجنوب افريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية والنرويج والصومال وألمانيا والامارات العربية والبحرين وأسبانيا وغيرها من بلاد العالم , الممثلة هنا اليوم , حيث يتلاقى الابداع السياسى ضد الحرب والاستعمار مع النضال ضد اللغة الذكورية الطبقية والوعى الزائف . حيث تذوب وتختفى الثنائيات الموروثة و الفروق بين الأديان والجنسيات والالوان والانواع , وبين النساء والرجال .
لا يفصل الإبداع النسائى فى هذه القاعة بين التمرد السياسى العام وبين التمرد الشخصى داخل البيت، بين المقاومة ضد القهر الاقتصادى والقهر الجنسى، يؤكد الإبداع النسائى أن الانتماء للإنسانية وقيم الحرية والعدالة والحب والسلام، هو الانتماء الأفضل، وهو الهوية التى تجمع المبدعين والمبدعات من مختلف البلاد، والتى نحلم بها ونسعى لتحقيقها فى المستقبل القريب أو البعيد.