العلاقة بين الفنون البصرية والموسيقى -موريس رافيل

انشغلت خلال الأيام القليلة الماضية بموضوعين: أولا : متابعة مجريات قمة المناخ بشرم الشيخ ، ثانيا : الإستماع لعديد من مؤلفات موريس رافل وقراءة ماكتب عنها.
يبدو من الوهلة الأولي أن الموضوعين متباعدان لكن واقع الأمر  فهناك قاسما مشتركا بينهم فقد سَعَتْ قمة المناخ لمواجهة مشكلات التغير المناخي، بهدف إسعاد البشر وإستمتاعهم بالحياة في كوكبنا الأرضي، كما  سَعَتْ مؤلفات موريس رافل للتعبير عن جانب من ظروف حياة البشر، بهدف إسعادهم وإستمتاعهم بالحياة التي يعيشونها ، فسعادة البشر هي الغاية  والمنتهي في كلا الحالتين.
سأترك الشق المتعلق بالتغيرات المناخية للعلماء المتخصصين ( جولوجيا، ارصاد جوية، زراعة ، صناعة ... الخ ) فهذا عالمهم وسأركز حديثي معكم أصدقائي حول موسيقي موريس رافل.
أجمع النقاد والمؤرخون الموسيقيون بأن موريس رافل ( 1875- 1937) Maurice Ravel هو القطب الثاني للموسيقي التأثيرية ( ديبوسي هو القطب الأول ) أظن غالبيتكم أصدقائي تعرفون مقطوعة رافل الشهيرة "البوليرو"  Bolero ....من ذا الذي لا يعرفها !.
.البوليرو كانت مفاجأة في زمانها  لقد جرب رافل صياغة مقطوعته تلك معتمدا علي تكرار نغمة واحدة فقط بحيث جعل التكرار والرتابة تأخذان مكان تفاعل اللحن Development .. وإعتمد علي لعب النغمة المكررة بآلات الأوركسترا المتنوعة بشكل متناوب وبحيث يتسارع فيها اللحن ويتصاعد تدريجيا.
أستُقبِلَتْ مقطوعة البوليرو عندما عرضت في باريس عام 1928 بدهشة كبيرة وإستهجان من البعض لجرأتها، لكنها أصبحت بمرور الزمن المقطوعة المفضلة والأشهر من مؤلفات رافل لدي الجمهور.
الحديث عن حياة موريس رافل وأعماله سيأخذنا لجوانب متعددة ومتشعبة وقبل أن أخوض فيها، سأشير الي باليه " دافني و كلوي "  Daphnis and Chloe ، الذي بدأ في تأليفه عام 1909 بتكليف من سيرجي دياجيليف، وقدم عرضه الأول عام 1912، مكونا من ثلاث أجزاء.
لقى باليه "دافني وكلوي" نجاحا طيبا، وكان سببا في لفت الأنظار لهذا  المؤلف الشاب ( عمره وقتها 37 عاما )  وقد صاغ موريس رافل بعد ذلك موسيقي هذا الباليه في متتالية أوركسترالية عام 1913، تعزف قائمة بذاتها.
لقد شاهدت تسجيلا لباليه " دافني وكلوي "  جذبني بشدة وأعجبني بروعته فيه تتفاعل الموسيقي مع الحركات الراقصة لتقدمان تعبيرا راقيا عن الأفكار التي تحكيها قصة هذا الباليه.
وأصل قصة " دافني وكلوي " حكاية أغريقية قديمة تداولها الرومان في القرن الثاني الميلادي وتقول القصة أن صَاحِبَي أغنام يعيشان في جزيرة ليسبوس Lesbos عثرا علي لقيطين (طفل إسمه دافني، وطفلة إسمها كلوي) فقاما بتربيتهما وشبا في كنف صَحِابَي الأغنام اللذان عهدا للصبي والصبية برعاية الأغنام ...... مع نمو الصبي والصبية ربطتهما مشاعر لم يألفاها من قبل، أحاسيس تعاملا معها ببراءة مفرطة، لقد وقعا في الحب لكن الجانب الحسي كان غامضا بالنسبة لهما ، إلي ان ظهر شخص يدعي فيليتاس Philetas  ليكشف للشاب دافني عن الجانب الحسي في علاقته بدافني ونصحة بان القبلة هي مفتاح العلاقة الحسية وفي ذات الوقت قامت إمرأة تدعي ليكانيون Lycaenion بتلقين الشابة كلوي بفنون الحب. وتدور الأحداث بعد ذلك بتعرض دافني وكلوي متفرقان (كلا منهما علي حدة)  لمواقف ومآسي قاسية من اختطاف وإغتصاب .....الخ .في النهاية وبعد معاناة يلتقيان ليتزوجا ويعيشا في وئام وسلام.
كشف المنقبون عن الآثار الرومانية في القرن السادس عشر عن تلك القصة الإغريقية، ونشرت في كتاب بفرنسا عام 1559 إهتم عدد من الفنانين والمبدعين بها فأخذوها موضوعا لإبدعاتهم ( اوبرا، باليه، لوحات، نحت .....الخ ).
رأيت أصدقائي أن تشاركوني مشاهدة هذا الباليه ( مدته 32 دقيقة ) لما إستشعرته من سمو ورقي التعبير بالرقص والموسيقي عن الجوانب الحسية للعلاقة بين الرجل والمرأة، وكيف تعرف عليها الصبي والصبية بأسلوب غير مباشر دون إباحية أو إبتذال .
رجاء مشاهدته ......... لن تندموا علي ضياع الوقت، فالمتعة والفائدة لا تعوضان:
Maurice Ravel Daphnis et Chloe

مع رجاء ملاحظة رمزية الحركات الراقصة، وكذلك الإنطباع التأثيري للموسيقي المصاحبة، وكلاهما يخدم التعبير عن الفكرة التي أراد مصمم الرقصات وواضع الموسيقي إيصالها للمتلقي.  
اصدقائي في الحلقات التالية سأتابع الحديث عن موريس رافل وأعماله الأخري .......فإلي اللقاء بإذن الله.
ملحوظة ........ هذا الجزء ( فقط ) لمن لديهم الوقت والشغف للتعرف علي المزيد من الآتي
مقطوعة البوليرو مدته 24 دقيقة
 جانب من متتالية " دافني وكلوي " للأوركسترا مدته 17 دقيقة