لقراءة النسخة الانجليزية من المقال حول اللغة
قضيت الجزء الأكبر من العشرين سنة الماضية خارج الوطن، حيث تنقلت ما بين أوروبا وأمريكا وإفريقيا ، ورغم شعور الغربة الذي ينتابنى في الخارج وحتى أحيانا عند العودة ، فإن الغيبة منحتني منظورا أكثر موضوعية لبلدي المحبوب مصر .
وليس هناك أدنى شك في أننى الاحظ تغيرات عند العودة الى القاهرة - بعضها للأحسن والبعض للأسوأ - ولكن التغيرات التي تطرأ على المدينة لا تقلقنى بقدر ما يصدمنى التحول الذي طرأ في سلوكيات المواطنين ، وأستعير عنوان كتاب الدكتور جلال أمين فأتساءل: " ماالذي حدث للمصريين؟" وليس هذا مجال الخوض في الجوانب الفلسفية والاجتماعية الكثيرة لهذا السؤال ، ولكنني ببساطة أتساءل لماذا أصبحنا متشائمين وسلبيين الى هذا الحد؟ لماذا لا نري الا النصف الخالي من الكوب؟ أينما ذهبت لا أسمع من الأصدقاء والأقارب - على اختلاف مستوياتهم و أعمارهم - الا الشكوى ، وبصراحة يقلقني وقع هذه الظاهرة على أبنائي الذين لا يعرفون مصر كما أعرفها.
ومع أهمية النقد الموضوعي وإظهار السلبيات فإن الأمور تتطلب منا أن نتبنى منظورا متوازنا ، فمع تعدد ما يستحق مر الشكوى هناك أمور كثيرة تستدعي الشكر والتقدير. ومشروع الحكومة الالكترونية الوليدة في مصر أحد النماذج الناجحة العديدة التي تستحق أن نفخر ونتباهى بها. وهذا مثال بسيط لتجربة لمستها بنفسي وأود أن أشارككم اياها .
مضى على عودتنا أنا وعائلتي أكثر من عام ، وتطلب تجديد رخصة سيارتنا في العام الماضي الذهاب أولا الى مكتب البريد لدفع الرسوم ثم قضاء يومي عمل كاملين في مرور العجوزة . وكان هذا انجازا بالمقارنة لما كنا نمر به منذ سنوات غير بعيدة من وقوف في طوابير لا نهاية لها تحت شمس حارقة. ولما أزف ميعاد التجديد هذا العام تذكرت مقال تصفحته في عجالة منذ فترة عن الحكومة الالكترونية وكيف أصبح من الممكن تجديد رخصة السيارة عبر الانترنت . وقتها قلت لنفسي:" احلموا، عشم ابليس في الجنة" ولكني رغم ذلك وبعد يومين من الالحاح دون طائل على ابني للذهاب الى مكتب البريد لدفع الرسوم قررت المحاولة.
وعلى شبكة الانترنيت وجدت موقعا جيدا ومنظما ، وبعد عملية التسجيل تمكنت من الدخول الى الخدمات المتعددة فاخترت خدمة تجديد الرخص حيث طلب مني ادخال رقم السيارة والموتور ، ثم ظهرت لي صفحة بها جميع تفاصيل السيارة والمبلغ المطلوب للتجديد ، وأعطتنى خيارين للدفع اما عن طريق بطاقة الائتمان او عند الاستلام ، فاخترت الدفع عند الاستلام وفي الفترة المسائية ، فظهرت لي صفحة تشير بانتهاء العملية وأن مندوبا في طريقه لي بالرخصة في المكان والميعاد المتفق عليهما. وبما أن الشك كان ما زال يداعبني قمت بارسال رسالة الكترونية لمرور الجيزة أستفسر عن عدد الأيام التي سوف تستغرقها العملية فقد تم تحديد الساعة ولكن لم يتم تحديد تاريخ الاستلام. وبما انني ارسلت تساؤلي هذا ليلا فكان أملي أن أتلقى ردا في اليوم التالي.
ولكن في اليوم التالي في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا بدلا من الرسالة الالكترونية المتوقعة هاتفني الأستاذ محمد من مرور الجيزة وقال ان الرخصة جاهزة على التسليم ويستفسر ان كان يناسبنى التسليم الآن. وفي تمام الرابعة مساء وصل الاستاذ محمد بالرخصة الجديدة. العملية كلها لم تستغرق أكثر من عشرة دقائق على شبكة الانترنت وزيارة الأستاذ محمد لم تتعد الخمسة.
كما وصلنى في نفس اليوم عن طريق البريد الالكتروني رد مهذب من الرائد حسام قرني رئيس الحاسب الآلي لمرور الجيزة يتمنى أن تكون وصلت رخصتي في الميعاد المناسب.
لم يحدث هذا في أمريكا ولا جنيف ولا باريس بل هنا في مدينتي وكم أنا فخورة بذلك.
أتقدم بالشكر والعرفان لكل فرد وعامل وموظف مسئول عن هذه العلامة المضيئة. أصبحت الآن على يقين من أن وزارتي الداخلية والاتصالات حققتا ولو إنجازا واحدا ، وأن هناك أشخاصا في المكان المناسب لأنهم أثبتوا ذلك لي - أنا المواطن المصري - بالدليل العملي والقاطع. وأتوجه بالشكر الخاص للأستاذ محمد الذي قام بتسليم الرخصة والرائد حسام قرني على متابعته الكريمة. وأنحنى عرفانا وتقديرا لكل رجل وامرأة يساهم فى مشروع الحكومة الالكترونية المصرية.
الى المصريين أهل بلدي والى ولدي مصطفي وعمرو هذه القصة عنكم ولكم ، هذه القصة عن مصر بلدي، مصر التي تسكن في قلبي أينما ذهبت.