الكتاب : تدمير النظام العالمي المؤلف: فرنسيس أ. بويل الناشر: كلاريتي برس (2004) المصدر: مركز الامارات للدراسات الاستراتيجية
يعد الدكتور فرانسيس بويل، أستاذ القانون الدولي الأمريكي، ومؤلف كتاب "تدمير النظام العالمي"، أحد الناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في الولايات المتحدة، ومناهضة ما يراه خرقاً لمبادئ القانون الدولي في السياسة الأمريكية. ومنذ سبتمبر/أيلول 2001 يخوض بويل حرباً مستمرة لمناهضة الإجراءات التي تتخذها إدارة جورج بوش داخليا وخارجيا تحت شعار مكافحة الإرهاب، ويقود معارضة ذات طابع قانوني للحروب التي يخوضها المحافظون الجدد حول العالم.
تاريخ الحياد الأمريكي والحرب العراقية-الإيرانية يتكون كتاب "تدمير النظام العالمي" من تسعة فصول، كتبت الفصول الخمسة الأولى منها في مراحل سابقة، على امتداد الفترة من 1986، حتى منتصف عام 2001. الفصل الأول من الكتاب دراسة قانونية كتبت عام 1986 لاستعراض الخلفية التاريخية للحرب العراقية-الإيرانية وموقف الولايات المتحدة منها. وفي هذا الفصل يشير الكاتب إلى "تقليد أمريكي عريق" يقوم على قانون التزام الحياد، الذي يعود إلى تسعينيات القرن الثامن عشر. وكان مبدأ الحياد ملائما بالنسبة إلى المواطنين الذين ينتمون إلى دول محايدة، حيث يستطيعون تحقيق الازدهار الاقتصادي من خلال زيادة أنشطة التجارة الدولية مع الأطراف المتحاربة جميعها والتي تكون عادة بحاجة ماسة إلى السلع.
ويحلل المؤلف سياسة "الحياد" التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه الحرب العراقية-الإيرانية. فمنذ بداية تلك الحرب، باعت الولايات المتحدة أنظمة إنذار مبكر محمولة جواً (أواكس) إلى السعودية، وكان ذلك عملاً غير حيادي، بل كان عملاً عدائياً موجهاً ضد إيران، حيث كان تصنيف إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان لعملية احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران على أنها عمل إرهابي دولي. كما عملت الولايات المتحدة على شطب العراق من لائحة الدول التي تدعم الإرهاب الدولي، وبذلك أتاحت لنظام صدام حسين شراء معدات وتكنولوجيا "ذات استخدام مزدوج" يمكنه توظيفها للأغراض العسكرية. وبموجب القانون الدولي التقليدي المؤيد لمبدأ الحياد، فإن هذه الأنشطة تُعتبر أعمالاً عدائية، ويحق لإيران معارضتها ومواجهتها بإعلان رسمي لشن الحرب على الولايات المتحدة.
جرائم حرب في الفصل الثاني يقدم بويل تسجيلا لوقائع ندوة عقدت في إحدى كليات القانون بالولايات المتحدة حول "جرائم الحرب الدولية". وقدمت الندوة ما يشبه محاكمة للولايات المتحدة وفق أسس القانون الدولي. ففي أعقاب الحرب على العراق عام 1991، قامت لجنة دولية بإجراء تحقيقات بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها حكومة الولايات المتحدة بحق العراق. وفي فبراير/شباط 1992، قدمت اللجنة نتائج التحقيق إلى محكمة جرائم الحرب الدولية، التي تتكون هيئتها من قضاة وناشطين في حقل حقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم. وتم تقديم التهم ضد الرئيس بوش الأب شخصياً وضد نائبه دان كويل، ووزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي ورئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير وكالة الاستخبارات المركزية. وكانت التهم تتركز بصورة رئيسة على ثلاثة انتهاكات من نمط جرائم نورمبرغ. وإضافة إلى ذلك، فقد وُجهت تهم إلى أعضاء القيادة الأمريكية المذكورين بأنهم انتهكوا معاهدات دولية أخرى مثل معاهدة لاهاي بشأن الحرب البرية لعام 1907، ومعاهدات جنيف الأربع لعام 1949. وأخيراً وُجهت إليهم تهم بأنهم ارتكبوا جرائم ضد قواتهم لأنهم أجبروا جنوداً من القوات الأمريكية على أخذ لقاحات تجريبية ضد أسلحة بيولوجية من دون أخذ موافقة الجنود ومن دون إطلاعهم على حقيقة اللقاحات.
وهناك تهم ضد القوات الأمريكية بارتكاب جرائم الحرب التالية: تدمير منشآت ضرورية لحياة المدنيين والإنتاج الاقتصادي؛ والقصف المتعمد لجنود عراقيين عزّل؛ واستخدام قوة مفرطة؛ وقتل جنود يطلبون الاستسلام؛ وتدمير منشآت بعد وقف إطلاق النار؛ واستخدام أسلحة محظورة يمكن أن تسبب دماراً شاملاً؛ وشن حرب على البيئة؛ ومساعدة الأكراد والشيعة وتشجيعهم على الثورة ضد الحكومة العراقية؛ وحرمان الشعب العراقي بشكل متعمد من الأدوية الضرورية والماء والغذاء.
ويعرض الفصل الثالث من الكتاب وقائع محاكمة عسكرية للنقيب الدكتورة يولاندا هيوت فون التي رفضت الخدمة في العراق عام 1990 أثناء الاستعداد للحرب. وقد استدعي بويل كشاهد في القضية، حيث أشار إلى أن معاهدات دولية عدة حول قوانين الحروب تجعل الموقف الذي اتخذته النقيب يولاندا فون مبرراً، بحكم طبيعة الحرب ووقائعها التي تجعلها عملاً غير شرعي تنتهك فيه القوانين الدولية المنظمة لحالات الحروب. ومع ذلك فقد صدر حكم بإدانة النقيب فون، وطردت بشكل مشين من الخدمة، وسجنت لمدة خمسة عشر شهرا، وحرمت من جميع مستحقاتها.
ويتضمن الفصل الرابع نص العريضة التي أرسلها بويل إلى الأمين العام للأمم المتحدة عام 1991، متهماً بوش الأب والسلطات الأمريكية بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ومطالباً برفع العقوبات الدولية المفروضة على العراق، ودفع تعويضات لضحايا الحصار. وقدمت العريضة وصفا للظروف التي يعيشها الأطفال العراقيون تحت الحصار، وحرمانهم من الغذاء والدواء.
ويحلل المؤلف قانونياً عقيدة "التدخل لأسباب إنسانية" التي استخدمت شعاراً لعدد من الحروب منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وكان هذا النص في الأصل محاضرة ألقيت عام 1991، وتم تحديثها على ضوء ما يسميه بويل "الغزو" الأمريكي للعراق عام 2003. وتمثل هذه المحاضرة الفصل الخامس من الكتاب. ويرى بويل أن عقيدة التدخل لأسباب إنسانية تستخدم بصورة متزايدة من قبل الولايات المتحدة وأعضاء حلف الناتو، بدءاً من يوغسلافيا وأفغانستان وانتهاء بالعراق. ولكن التدخل لأسباب إنسانية هو مفهوم "مضلل"، ولقد أسيء استخدامه من قبل دول الشمال لتبرير احتلالها العسكري الطويل لدول الجنوب. بموجب القانون الدولي الحالي، فإن المبررات الشرعية الوحيدة للإجراءات العنيفة التي يمكن أن تتخذها دولة ما ضد دولة أخرى هي تلك المذكورة في المواد 2 و33 و51 من ميثاق الأمم المتحدة. وجميع المواثيق الدولية تدعم المفهوم العام القائل بأن التدخل العسكري الانفرادي من قبل إحدى الدول في أراضي دولة أخرى مسألة محظورة كلياً.
ما بعد الحادي عشر من سبتمبر يرى المؤلف أن الحرب ضد أفغانستان يمكن تصنيفها بأنها "عدوان مسلح وغير مشروع"، وذلك لعدم توافر أدلة كافية تثبت علاقة حركة طالبان بهجمات 11 سبتمبر/أيلول. كذلك فإن الحرب على العراق تفتقر بدورها إلى الشرعية، وأنها شنت لأسباب منها ضمان أمن إسرائيل، ورغبة عائلة بوش في الانتقام من صدام حسين وعائلته، والسيطرة على النفط. ولذلك، يمكن اعتبار الحرب على أفغانستان والعراق جزءا من مخطط الحكومة الأمريكية للسيطرة على مصادر الطاقة العالمية. ولكن المسألة تتعدى الاستيلاء على النفط لتغطية الاستهلاك المحلي، وترقى إلى كونها "خطة أمريكية قديمة للسيطرة على إمدادات النفط والغاز الطبيعي المتوجهة إلى أوروبا واليابان وآسيا، وبالتالي السيطرة على مستقبل الاقتصاد العالمي". ويورد المؤلف في هذا السياق أحداثاً عديدة تؤكد سعي الولايات المتحدة للهيمنة على الاقتصاد العالمي. ونتيجة لهذه الرغبة في السيطرة على مصادر الطاقة والاقتصاد العالمي، فإن النخبة الممسكة بمقاليد السلطة في الولايات المتحدة تقوم بتدمير النظام القانوني الدولي.
أما بشأن الاحتلال الفعلي للعراق، فإن نظام الاحتلال لا يمكن أن يحفظ سيادة الدولة المحتلة؛ ولا يستطيع نقل ما تبقى من سيادة الدولة إلى أيدي "حكومة شكلية". وفي هذا الإطار، فإن قرارات مجلس الأمن 1441، و1500، و1511 (الصادرة عام 2003) توضح إلى أي مدى أصبحت الأمم المتحدة خاضعة لهيمنة الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لعب دوراً ضعيفا في فترة التحضير للحرب. والمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة تعطي الأمين العام الصلاحيات لعقد اجتماعات طارئة لمجلس الأمن لتفادي الحرب. وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار كبار موظفي الأمم المتحدة وكوفي عنان متواطئين مشاركين في الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق.
في تظاهرة من أجل السلام في جامعة إيلينوي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2002، تم إطلاق حملة قومية على مستوى الولايات المتحدة، قادها مؤلف الكتاب، لعزل الرئيس بوش الابن ونائبه تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد ووزير العدل جون أشكروفت، بهدف ردع الإدارة الأمريكية عن الذهاب إلى الحرب ضد العراق. ويورد بويل تفاصيل هذه المحاولة في الفصل الثامن من كتابه. وكانت هذه الحملة على غرار حملة أُطلقت لعزل بوش الأب، وأسفرت عن قيام عضو مجلس النواب هنري غونزاليز بتقديم مشروع قرار لعزلـه. وذلك وفق نص البند الرابع من المادة الثانية من الدستور الأمريكي.
وعلى الرغم من فشل الحملة، فإن محاكمة الرئيس تمهيداً لعزلـه تظل خياراً ممكناً من الوجهة الدستورية والقانونية. وفي التحضيرات السابقة لحرب الخليج عام 1991، يقال إن الرئيس بوش الأب كان يخشى من محاولة عزلـه إلى درجة أن خوفه دفعه إلى إنهاء الحرب في 28 فبراير/شباط 1991.
الولايات المتحدة تهدد السلم العالمي في فصله الأخير يطرح المؤلف السؤال التالي: هل يمكن استبعاد نشوب حرب عالمية ثالثة؟ ويجيب بأن الولايات المتحدة وصلت إلى مستوى من القدرات العسكرية أصبحت فيه هي القوة العظمى الوحيدة القادرة على شن الضربة الأولى في هجوم نووي استراتيجي، مع القدرة على تحييد أي رد نووي من جانب روسيا أو الصين. وهذا يعني أن العالم سيصبح خاضعاً لهيمنة الولايات المتحدة، من خلال استراتيجية أُطلق عليها استراتيجية "الإكراه". والمعلومات المتسربة من محتويات تقرير "مراجعة الموقف النووي" للإدارة الحالية، تضمنت الحديث عن خطط لتوجيه ضربة نووية أولى إلى كل من إيران والعراق وكوريا الشمالية وليبيا وسوريا وروسيا والصين.
ويرى المؤلف أن إدارة الرئيس بوش الابن يمكن أن يُنظر إليها - وفق المعايير القانونية الدولية- على أنها متورطة في مؤامرة إجرامية مستمرة حسب نصوص القانون الجنائي الدولي، لأنها تضع وتنفذ سياسات حربية عدوانية، تشابه من الناحية القانونية السياسات التي نفذها النظام النازي في ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، وتهدد بنشوب حرب عالمية مدمرة. ولذلك يدعو المؤلف في نهاية كتابه المواطنين الأمريكيين إلى تنظيم مقاومة مدنية دون اللجوء إلى العنف، بهدف إيقاف "الأنشطة الإجرامية" التي ينفذها كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية.
إن كتاب "تدمير النظام العالمي" يمثل صوتاً لتيار موجود ونشط في الحياة السياسية الأمريكية، ويقدم الوجه الآخر للتطرف اليميني وصعود التيار المسيحي الأصولي ذي الصبغة القومية المتشددة، وإن تكن بعض فصائل التيار الأخير قد نجحت في الوصول إلى مفاتيح السلطة وصناعة القرار واتخاذه. ويتيح الكتاب فرصة لاكتشاف القوى التي تتخذ مواقف معتدلة من القضايا العربية، وإمكانية تفعيل العمل داخل المجتمع الأمريكي لإيصال الصوت ووجهة النظر العربيين في القضايا الملحة، خاصة أن كثيرا منها محل انشغال الأمريكيين الآن. ولا يقلل من أهمية ذلك حقيقة أن خطاب هذه الجماعات الأمريكية قد يبدو- في بعض الأحيان - غير ذي صلة بحسابات الواقع ومعادلاته.