أبك يا بلدي الحبيب: رحلة في أعماق الفصل العنصري بين جنوب إفريقيا وفلسطين

لا تزال ذِكرى ذلك الكتاب القابِع على أحد الأَرْفُف لمكتبة خالي الراحل -رحمه الله رحمةً واسعةً- تَعْتَمِل في ذهني، بصفحاته الصفراء وغلافه المُهترِئ الذي تآكل بفعل الزمن. لقد بدتْ لي نسخةً مُهلهَلَةً قديمةً وكأنها تآلفت مع عوامل الزمن؛ إما بسبب قِدَم تاريخ طبعها، أو بسبب سوء الاحتفاظ بها، أو بسبب جودة الورق المتدنية. أستطيع أنْ أُخمِّن أنه طُبِع في الستينات مِن القرن الماضي مِن خلال دار نشرٍ لبنانيةٍ، ترجمته إلى العربية بواسطة الكاتب السوري: نديم مرعشلي. لا تَفْتَأُ صورة غلاف ذلك الكتاب راسخةً في ذاكرتي، والذي بدا عليه رجلٌ عجوزٌ، يبدو أنه قد بلغ مِن العمر عِتيّاً، مُتَّكِئاً على عصاه، مُتطلِّعًا ومُصوِّباً نظره إلى معالم مدينةٍ حديثةٍ في طَوْرِ تحوُّلٍ مدنيٍّ حديثٍ (جوهانسبرغ).
في ذلك الوقت كنت في سنٍّ صغيرةٍ -أوائل الثمانينات مِن القرن الفائت- لم تمكِّنِّي مُخَيلَتي مِن فك الشفرة التي أحاطت بمعنى عنوان الكتاب الذي كان: "ابكِ يا بلدي الحبيب"، هل يقصد العنوانُ سؤالَ البلد والطلب منه أنْ يبكي، أو أنَّ الكاتب هو مَن يرثي نفسه بالبكاء على بلده؟!
لقائي الثاني للكاتب (باتون) كان بعد مُضِيِّ سنواتٍ عديدةٍ مِن رؤيتي لذلك الكتاب، وكان عبر كتابه: Tales from a Troubled Land)) وهو مجموعةٌ قصصيةٌ تستحق الوقوف عندها بالنقد والتحليل. اسْتَوْقَفَني نصٌّ مؤلمٌ مِن تلك المجموعة، مَبنيٌّ على أحداثٍ حقيقيةٍ عايشها الكاتب أثناء توليه منصب مدير لإحدى إصلاحيات الأحداث في المناطق الفقيرة لأهل البلد الأصليين، وقد انتابني شعور بالرغبة في مشاركة القراء العرب تجربة قراءة هذه القصة، فترجمتها إلى العربية ونُشرت في أحد المواقع الأدبية*.

مرَّتِ السُّنون وصورة غلاف الرواية لا تزال تسكن مُخَيلَتي منذ تلك الحِقبة، وفي أثناء تجْوالي بين رفوف إحدى المكتبات وقع نظري على نسخةٍ إنجليزيةٍ مِن هذه الرواية صادرة مِن دار بينغوين البريطانية. انتزعتُ نسخةً مِن بين عدة نسخٍ، وشرعتُ في قراءتها حال رجوعي للمنزل. الرواية قصيرةٌ نسبياً، وتتميز بلغةٍ سهلةٍ، معززة بمفردات جنوب إفريقية أوضح الكاتب معانيها في نهاية الكتاب. كاتب الرواية هو الجنوب أفريقي: (ألان ستيوارت باتون)، وهو كاتبٌ ومُصلِحٌ اجتماعيٌّ وناشطٌ مناهِضٌ للفصل العنصري، ركَّز في نضاله وكتاباته على المشكلات العرقية والاجتماعية لبلده، كما أسَّس حزب جنوب أفريقيا الليبرالي. عمل في فترةٍ ما رئيساً لإصلاحية (ديبكلوف) للأحداث الجانحين، واكتسب شهرةً واسعةً عالمياً بعد نشْره روايته الأولى: "ابكِ يا بلدي الحبيب" عام 1948م، وتُرجمت الرواية إلى عدة لغاتٍ. يُعد (باتون) أحد أبرز المسانِدِين لـ (ماندِيلَّا) في أثناء محاكمته، ومِن أبرز المناهضين لسياسة الفصل العنصري آنذاك.

"ابكِ يا بلدي الحبيب" تقف كصرح أدبي يعانق السماء بروعته ويخترق القلب برسالته، تحمل في طياتها صدى لصوت ينادي بالعدالة والإنسانية. استَحوذَتْ هذه الرواية على اهتمام القُراء والنقاد على حدٍّ سواءٍ، كما تَمَّت مُسرحتُها وتحويلُها إلى أكثر مِن نسخةٍ سينمائيةٍ. تسرد الرواية قصة مؤثرة تجسد واقع الحب والانتماء في ظل بيئةٍ مُعقَّدةٍ ومُضطربةٍ.
يتمحور السرد حول شخصياتٍ متنوعةٍ تواجه تحديات العنصرية والتمييز ضمن إطارٍ اجتماعيٍ، تبرز تعقيداته بجلاءٍ مِن خلال تطبيق الفصل العنصري في حِقبةٍ معينة مرَّ بها الأفارِقَة على يد الأوروبيين البِيض الذين استوطنوا تلك الأرض. سعى الكاتب لتقديم رواية واقعية وغير مُتحَيِّزة مِن وجهة نظرِ رجلٍ أبيض، تُصوِر المعاناة والظلم الاجتماعي الناجم عن انهيار الأسرة الجنوب أفريقية، كما تناول الكاتب الحوادث التي يواجهها الرجل الأبيض على يد الأفارقة، واستعرضت الرواية كثيراً مِن القضايا الشائعة في تلك الآوِنَة مثل: توزيع الأراضي على السكان الأصليين، وانهيار المجتمعات القبلية، وجرائم السُّود ضد البيض، والهروب مِن المناطق الريفية إلى المدينة.

في السياق الحالي، تُعيد الرواية إلى الأذهان الظروف المتفجرة في فلسطين، حيث شاءت الظروف أنْ أقرأ هذه الرواية في ظل أوضاع ملتهبة في ذلك الجزء المنكوب من الوطن العربي، لاقى أهلها فيه كثيراً مِن التعَسُّف والقهر تحت ظل احتلالٍ لا يراعي أية قيمٍ للإنسانية، ولسُخرية القدر تزامَن ذلك مع قيام جنوب أفريقيا برفع دعوًى قضائيةٍ ضد إسرائيل أمام العدل الدولية على خلفية تورُّط تل أبيب في "إبادةٍ جماعية" ضد الفلسطينيين بغزةَ! مما يُعيد إلى الأذهان صور الفصل العنصري التي عاشتها جنوب إفريقيا في الماضي.
 لن أتطرَّق لمحتوى الرواية هنا -فبالإمكان قراءة سرْدٍ مُوجَزٍ للرواية على إحدى صفحات الإنترنت العربية المهتمة بالآداب الأجنبية- لكن مَقالي هنا يسلِّط الضوء -وعلى نحو مُقتَضَبٍ- على بعض نقاط التشابه بين نظامَين يتقاطعان ويتشاركان في فصول مِن سياسات تمييزية عنصرية ضد أهل البلد الأصليين.
مِن الصعب إجراء مقارنة مباشرة بين الرواية والفصل العنصري في إسرائيل؛ حيث إنَّ الرواية تتناول قضايا عامة وشخصية، في حين أنَّ الفصل العنصري في إسرائيل يتعلق بالسياسة والتاريخ وكثيرٍ مِن القضايا الاجتماعية، ومع ذلك يمكن للرواية أن تكون مصدراً لفهم التحديات التي يواجهها الأفراد في بلدان غير وطنهم، وللتأمل في قضايا الهوية والانتماء.
في هذه الأسطر سأحاول إجراء مقارنةٍ نقديةٍ بين سياسات وممارسات الفصل العنصري في إسرائيل وجنوب أفريقيا مِن خلال دراسة السياق التاريخي وانتهاكات حقوق الإنسان في كلا البلدين، أهدِف كذلك إلى تسليط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين هذين النظامَين المُعقَّدَين مِن القَمْع.
ولكي نفهم أنظمة الفصل العنصري في إسرائيل وجنوب أفريقيا، يجب علينا أولاً أنْ نأخذ في الحُسْبان سياقاتها التاريخية.
في البداية، أود إلقاء الضوء على معنى "الفصل العنصري" في عدة كلماتٍ: يشير هذا المصطلح إلى الفصل والتمييز القائم على العِرْق أو الدِّين أو الجنس أو الجنسية في سياسات الدولة، ويختلف الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عنه في إسرائيل في الدوافع والخلفيات!
ففي جنوب أفريقيا، كانت الديانة والثقافة جزءاً كبيراً مِن السياسة العنصرية، في حين أنَّ الصراع في إسرائيل يشمل عناصر دينية وقومية وسياسية. نشأ الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في أواخر الأربعينات مِن القرن الماضي، مع وصول الحزب الوطني إلى السلطة، وتنفيذ سلسلة مِن القوانين التي أَضْفَت طابعاً مؤسسياً على الفصل العنصري، مما أدى ذلك إلى حرمان السكان السود وتَهْمِيشِهم من خلال سياق سياسات تمييزية في جميع جوانب الحياة!
وبالمثل في إسرائيل، بدأت السياسات التمييزية تجاه الفلسطينيين في الظهور بعد إنشاء الدولة في عام 1948م، وأدى تهجير الفلسطينيين واحتلال أراضيهم إلى خلْق نظام مِن الفصل العنصري وعدم المساواة في الحقوق، وقد أدان المجتمعُ الدوليُّ ممارساتِ الفصل العنصري في كلا البلدين، مع تردُّد صدى الدعوات إلى العدالة والمساواة في جميع أنحاء العالم.
تكشف الأُطُر والسياسات القانونية للفصل العنصري في إسرائيل وجنوب أفريقيا عن مدى التمييز المؤسسي. في إسرائيل تتجلى التحديات الجغرافية والاقتصادية مِن خلال الجدار الفاصل وسياسات التوسُّع الاستيطاني التي تَحُدُّ مِن وصول الفلسطينيين إلى الموارد والأراضي. بدأت آثار هذا الإجراء ظاهرةً على الصعيدَين: الاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك الفقر والعزلة للشعب الفلسطيني.
في جنوب أفريقيا، صَنَّف قانونُ تسجيل السكان لعام 1950 الأفراد حسب العِرْق، وحَدَّد حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على أساس لون البشرة، وقد أدى هذا النظام إلى ترسيخ سيادة البيض، وقَمْع الأغلبية السوداء.
في إسرائيل، أدَّت سياسات مثل التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة -فضلاً عن مُصادَرَة الأراضي مِن الفلسطينيين- إلى خَلْق نظام مُماثِل مِن الفصل ونَزْع الملكية، أدى إلى إدامة دائرة القَمْع وعدم المساواة. هذا، وقد لعبت انتهاكات حقوق الإنسان وحركات المقاومة دوراً مهماً في تحدِّي الفصل العنصري في كلٍّ مِن إسرائيل وجنوب أفريقيا. الجدير بالذكر أنه تم توثيق هذه الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان في ظل نظام الفصل العنصري، بما في ذلك: عمليات الإخلاء القَسْري، والاعتقالات التعسُّفية، والقيود المفروضة على الحركة.
في المقابل، حَرَمَتْ ممارسات الفصل العنصري الفلسطينيين مِن حقوقهم وحرياتهم الأساسية، ومع ذلك كانت حركات المقاومة قويةً ضد الفصل العنصري في هذه المرحلة.
في جنوب أفريقيا، قادت شخصياتٌ بارزة مثل (نِيلْسُون مانْدِيلَّا)، ومنظماتٌ مثل المؤتمر الوطني الإفريقي، النضال ضد الفصل العنصري، مما أسهم في نهاية المطاف في إنهائه.
وبالمثل في إسرائيل، أسهمت جماعات المقاومة الفلسطينية وحركات التضامن الدولية بشكل فعال في تعزيز ورفْع مستوى الوعي حول الظلم الذي يعاني منه الفلسطينيون تحت نظام الفصل العنصري. لا يمكن كذلك إغفال دور المنظمات الدولية والعقوبات؛ حيث لعبت دوراً حاسماً في الضغط على كلا البلدين لمعالجة ممارسات الفصل العنصري، والعمل مِن أجل مجتمعٍ أكثرَ عدلاً ومساواةً.
مِن المعلوم أنَّ نظام "الأبارتهايد" في جنوب أفريقيا كان محلَّ إدانةٍ دوليةٍ شديدةٍ، مما أدى في نهاية المَطاف إلى فرْض عقوبات اقتصادية على النظام وزيادة الضغط الدولي لإنهائه.
في المقابل تحظى إسرائيل بدعمٍ غربيٍّ مُنحازٍ، خاصةً مِن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من الانتقادات الدولية لسياساتها تجاه الفلسطينيين، لم تواجه عقوبات اقتصادية مماثلة.
تكشف المقارنة بين نظام الفصل العنصري في إسرائيل وجنوب أفريقيا عن أوجهِ تشابه بارزة مِن حيث السياق التاريخي، والأُطُر القانونية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وحركات المقاومة. في حين أنَّ المظاهر المحدَّدة للفصل العنصري قد تختلف، فإنَّ المبادئ الأساسية للفصل والتمييز والقَمْع جليةٌ في كلتا الحالتين. مِن خلال إجراء فحصٍ نقديٍ لأنظمة الفصل العنصري هذه، يمكننا أنْ نفهم على نحوٍ أفضلَ تعقيدات التمييز المؤسسي، وأهمية الجهود الجماعية لتفكيك هذه الهياكل القَمْعِيَّة.
في حين أنَّ كُلّاً مِن رواية (ألان باتون): "ابكِ يا بلدي الحبيب" ونظام الفصل العنصري في إسرائيل، تصوِّران سياقاتٍ تاريخيةً وثقافيةً متميزةً، فإنه يمكن رسْم كثيرٍ مِن أوجه التشابه الموضوعية بينهما، وأحد أوجه التشابه اللافتة للنظر بين الاثنين هو التمييز المؤسسي، والفصل على أساس العِرْق في حق الأفارقة، والعِرْق والدين فيما يتعلق بالفلسطينيين.
 تكشف روايةُ (باتون) العواقبَ العميقة والتمييز المنهجي الذي واجهه السُّود مِن الظلم الذي خَلَّفته هذه السياسة، وبالمثل في نظام الفصل العنصري في إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بمعاملته للفلسطينيين التي تنعكس في السياسات والممارسات، مثل: تقييد الحركة، والمعاملة غير القانونية الجائِرَة بحقهم؛ كذا ينطوي السياقان على تَشْريد السكان الأصليين ونزْع ملكيتهم.
في "ابكِ يا بلدي الحبيب" تؤدي عمليات الإزالة القَسْرِية للمجتمعات السوداء مِن أراضي أجدادهم إلى تعطيل طرق الحياة التقليدية، والإسهام في التفكك الاجتماعي، وبالمثل يؤدي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية إلى تَشْريد المجتمعات الفلسطينية، وهدم المنازل، وبناء المُستَوْطَنات، مما ينتج عنه فقدان الأراضي، وتعقيد سُبل العَيْش.

تكافح الشخصيات في الرواية ضد تأثيرات الفقر والجريمة والتمييز العنصري المدمرة، والتي تديم دائرةً مِن المعاناة واليأس. بطريقة مشابهة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ يعاني المدنيُّون من الصدمات الناجمةَ عن الصراع والاحتلال، وانعدام الأمن؛ وغالباً ما تُزهق أرواح الأبرياء في خضم النزاعات السياسية والعسكرية.
وعلى الرغم من التشابهات، من الأهمية بمكان الإقرار بالسياقات التاريخية والجيوسياسية المتميزة لكل حالة. بينما أنتهى نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا رسمياً في عام 1994، فإنَّ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يظل دون حل، مُعرقَلاً بأبعادٍ سياسيةٍ ودينيةٍ وإقليميةٍ مُعقَّدةٍ. إضافة إلى ذلك، فإن النقاشات حول الفصل العنصري في إسرائيل تثير جدال واسعاً، مع وجود آراء متباينة حول طبيعة وعواقب السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

مِن خلال هذين السياقَين ينكشف الستار عن كثيرٍ مِن الآثار غير الإنسانية للعنصرية المؤسسية، والتي تبرز على السطح، وتُلقِي بثِقَلِها على المتابِع للأحداث. في رواية (باتون)، تُجرَّد شخصياتٌ مثل "ستيفن كومالو" و"أبشالوم" مِن كرامتهم وقدرتهم على التصرف مِن قِبَل مجتمعٍ ينظر إليهم باحتقار.
بالمثل، يُحرم الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي مِن حقوق الإنسان الأساسية، ويُعامَلون كمُواطِنين مِن الدرجة الثانية؛ حيث تُقيِّد نقاط التفتيش والمستوطنات والتوغُّلات العسكرية حياتَهم وحرياتِهم. يتداخل كلا السياقَين مع الآثار الأخلاقية والمعنوية للظلم والقهر، حيث تؤكد رواية (باتون) على الحاجة إلى المصالحة والعدالة الاجتماعية كمُكوِّناتٍ أساسيةٍ للشفاء والتقدم الوطني.
وبالمثل، يطالب مُنتقِدو نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بتفكيك السياسات التمييزية، وإقامة مجتمعٍ أكثرَ إنصافاً، يقوم على مبادئ المساواة والعدالة للجميع.
مع ذلك، من الضروري التعرف على الاختلافات بين السياقَين؛ ففي حين أنَّ نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا كان نظاماً قانونياً للفصل العنصري فُرض من قبل الدولة، فإنَّ الوضع في إسرائيل والأراضي المحتلة مُعقَّدٌ، وينطوي على قضايا الهُوِيَّة الوطنية والأمن والنزاع الإقليمي. يبقى نظام الفصل العنصري في اسرائيل أسوأ بكثير من نظيره السابق في جنوب افريقيا، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ السياقَين -التاريخي والثقافي- لجنوب أفريقيا وإسرائيل مختلفان، ويؤثران على ديناميكيات صراعاتهما وكفاحهما من أجل العدالة.
في الختام، نرى أنَّ رواية "ابكِ يا بلدي الحبيب" تَسرد جزئيةً مما كان عليه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، إلا أنَّ معاناة الفلسطينيين في إسرائيل ومعاناة الأفارقة في ذلك الجزء مِن القارَّة السمراء يَقَعانِ في سياقاتٍ جغرافيةٍ وزمانيةٍ مختلفةٍ، مع ذلك، يشتركان في موضوعات تتمثل في التمييز والتَّهْجير والمعاناة الإنسانية، وفي ذات الوقت يَعْكِسان أيضًا التعقيدات الفريدة لسياقهما التاريخي والسياسي.
ومن خلال دراسة أوجه التشابه هذه، يمكننا تعميق فَهْمِنا للظلم المتأصِّل في أنظمة القَمْع والقتل، والسعي نحو مجتمعٍ أكثرَ عدلاً وإنصافًا للجميع.

*قصة (الصبي هابني أو هاف بيني) https://maakom.com/article/lsby-hbyny