الرواية هذا الجنس الأدبي الذي أصبح يُطلق عليه ديوان العرب، يشهد من خلاله وطننا الحبيب (ليبيا) ميلاد العديد من الروائيين الجدد الذين أصبحوا يلمعون في سماء الرواية الليبية بإبداعاتهم المتفردة،والتي أضفت على مسيرتها ـ منذ ظهورها ـ الكثير من التجديد قد لا يظهر في العديد من هذه الروايات؛ولكن تظهر روح التجديد والتطوير واضحة في جلها على الأقل، ومن فترة ليست بطويلة قرأت ما نشره الأستاذ بشير بلاعو حول رواية (أفاطِمَ مَهلاً) على موقع بلد الطيوب في18سبتمبر2023 ورأيت قبل ذلك صورة للرواية نُشرت على الصفحة الخاصة لمكتبة الفرجاني، بدت لي ليست بالصورة المبهمة صراحة،ولكنها جعلتني أتأملها لساعات وبدأت في طرح الكثير من الأسئلة على نفسي عن طبيعة ومهية الموضوع الذي تناقشه هذه (الرواية) وما قضيتها.؟ وهل قضيتها فقط كما يبدو من الغلاف (الهجرة غير الشرعية)؟ ومن هو صاحب الرواية؟؛لأكتشف أن صاحبها هو نجل القاص الليبي المرحوم الأستاذ (كامل المقهور) مروان كامل حسن المقهور من مواليد طرابلس1967 وهذه (الرواية )هي باكورة أعماله.
عُرف والده كامل المقهور بتميزه في كتابة القصة،ولعل أشهر نصوصه القصصية (الأمس المشنوق( الصادرة عن الدار العربية للكتاب،وعُرفت كذلك شقيقته الأستاذة (عزة المقهور) بكتابتها للقصة،وجميل أن نعاصر ولادة كاتب ابن كاتب،وشقيق لكاتبة ،وبين المقهور الأب والمقهور الابن يظهر واضحاً تأثر مروان الابن بطريقة والده في الكتابة، حيث إنّ المرحوم كامل المقهور كان يستخدم اللهجة العامية بشكل واضح في كتاباته، خاصة في المجموعة القصصية السالفة الذكر،سار مروان على نفس النهج في كتابة روايته،وعن دمج العامية بالفصحى تتفاوت الآراء فالبعض يعتبر اللهجة العامية دليل على ركاكة النص وضعفه، وأن قوة النص تكمن في مفرداته الفصيحة، والبعض يعتقد عكس ذلك، وأنا أرى أن استخدام العامية في الرواية بالذات لا يُنقص في الحقيقة من قيمتها الإبداعية، وهذا النمط استخدمه الكاتب الليبي صالح السنوسي في روايته الهروب من جزيرة أوستيكا؛ ولكن الأستاذ مروان المقهورفي روايته ( أفاطِمَ مهلاً ) ركز على اللهجة العامية الطرابلسية تحديداً بشكل واضح؛ فإذا ما اعتبرنا أن هذه النصوص الروائية يقرأها العديد من القراء العرب،وأن بعضهم قد لا يفهم مفردات اللهجة الليبية أو الجزائرية أو المغربية مثلاً، فإن هناك مخرج لهذا الإشكال وهو كتابة النص بين العامية والفصحى وإحالة بعض الكلمات المبهمة للهامش ضربت المثل بهذه اللهجات بالذات لسببين أولها:أن هذا النص (أفاطم مهلاً) هو لكاتب ليبي،والسبب الثاني والأهم هو أن هذه اللهجات تُعد من أصعب اللهجات العربية،والتي يجد الكثير صعوبة في فهم مفراداتها.
بـــقـــايــــا غـــــــرق:
قد يعتقد البعض أن دراسة غلاف الرواية ليس بالأمرالمهم، خاصةً وأن أكثر أغلفة الروايات والكتب يتم اختيارها من قبل الناشر.! لحسابات وأمور تتعلق بدار النشر وسياسة التوزيع؛ وفي كل الحالات يبقى للغلاف أهمية خاصة بالنسبة لقارئ النص؛ حيث إنه يُمثل البوابةً الفضية التي يمر القارئ من خلالها إلى عتبات النص، فليس من المعقول أن نتجاوز دراسة غلاف رواية اشتمل على لوحة فنية لفنانة ليبية تشكيلية، وهي الفنانة نجلاء الفيتوري، والتي شاركت بها ضمن فاعليات معرض نداء الماء الذي أُقيم بدار إسكندر للفنون بالمدينة القديمة في شهر مارس من هذا العام الذي اشتمل على أعمال كل من:الفنان يوسف إفطيس والفنانة نجلاء الفيتوري، وكانت فكرة المعرض تقوم على الهجرة غير الشرعية(2)،وكاتب النص كان محظوظا كون هناك لوحة تُعبر عن قضية من القضايا التي تضمنها نصه، والنص من خلال الغلاف يجعل من الهجرة غير الشرعية قضيته الأساسية؛ ولكن في الواقع هو يتعرض للكثير من القضايا التي يعاني منها المجتمع الليبي؛ فبالتالي كان النص براحاً واسعاً لعرض الكثير من القضايا المتشعبة وما قضية الهجرة غير الشرعية إلا واحدة منها؛ أعتقد أن الغلاف للوهلة الأولى لا يوحى بشكل واضح لتنوع القضايا داخل النص،لكن يستطيع توجيه ذهن القارئ إلي أن محور قضية النص ونشأة الحبكة تقوم فيه على الهجرة غير الشرعية، ولن يخطر في ذهن القارئ أن هناك تنوع في القضايا إلا من خلال عنوان الرواية، إذا ما اعتبرناها لعبة ذهنية، فإنها بكل تأكيد ستساعد القارئ على طرح الأسئلة العميقة حول الرواية؛ولكن هل يقرر القارئ من خلال الغلاف اقتنائها أم لا.؟ في هذه المسألة بالتحديد أتوقع انقسام القراء،بين مقتنٍ لها وآخر متردد في ذلك.!بما أن اللوحة التي تضمنها الغلاف لوحة تجريدية،فإن الفن التجريدي قد يبدو غامضاً للبعض، وهذه اللوحة من المدرسة التجريدية التعبيرية،التي ظهرت في آوائل القرن العشرين في ألمانيا وهي مدرسة تُعبر عن الواقع الذاتي وصراعاته،وتصف العواطف والمشكلات النفسية مثل: القلق؛ والقلق سببه ظاهرة الهجرة غير الشرعية وخطورتها على المجتمع الليبي وعلى البلاد المجاورة لها،هو بالتأكيد ما دفع الفنانة التشكيلية نجلاء الفيتوري لرسم هذه اللوحة التي حملت عنوان ( بقايا غرق ).دلالات صورة الغلاف كانت قوية وإِحداث دمج بين الفن التشكيلي والفن الروائي،خلق صورة تعبيرية فاعلة لواقع يعيشه كلا الفنانيين،بين (بقايا غرق )و(وأفاطِمَ مَهْلاً) تراسل حواس( عمودي ) تجلى واضحاً من خلال انسجام ألوان اللوحة مع ألوان الحياة القاسية التي مرت بها بطلة الرواية (فاطمة)
فــــاطـــمـــة فـي الــسـرد الـلـيـبـي – من واقــع الـحـيـاة رمــزاً لـلـمـعـانــاة:
كانت فاطمة التي افتتح إمرؤ القيس معلقته باسمها أشهر فاطمة في تاريخ الشعر العربي، ومن خلال رواية الأستاذ مروان المقهور نحن أمام أشهر فاطمة في تاريخ الرواية الليبية المعاصرة؛ ففاطمة الجبل التي كتب عنها الدكتور(محمد سعيد القشاط )والتي عاشت ظروفاً صعبة مشابهة في قسوتها لتلك التي عاشتها فاطمة المقهور( الابن) من خلال الهجرة غير الشرعية، إن ظروف فاطمة الجبل دفعتها للهروب مرتين مرة مع حبيبها، بعد أن رفضهُ أهلها عند تقدمه لخطبتها،وأخرى هربت فيها من(البسابيس)وهم عملاء يعملون لصالح القوات الإيطالية( ) من أجل أن تحفظ شرف زوجها وقبيلتها،هي فاطمة العصر الحديث،أما فاطمة التي كتب عنها مروان المقهور فهي فاطمة العصر المعاصر التي هربت أيضاً، ولكن من أجل أن ينشأ ابنها في مُناخ يسمح له بالحياة والتعايش مع مرضه (إن صح التعبير) وهربت لإيطاليا، لتجد لابنها بيئة تتقبله ويستطيع أن يثبت فيها وجوده وينمو من خلالها جسمياً وعقلياً؛ومن هنا فنحن أمام مفارقة من مفارقات الحياة، بل مفارقة من مفارقات التاريخ التي يجسدها الروائي الليبي من خلال رصده لتحرك الأحداث وتبدلها عبر تاريخ ليبيا الطويل،هذه المفارقات أنتجت نموذجين تتجسد من خلالهما صورتان مختلفتان للدولة الإيطالية الإستعمارية التي نفت أبناء الشعب الليبي قسراً وظلماً إلى جزرها النائية بالجنوب الإيطالي والتي،استخدمتها، كسجون،لهمم مثل:جزيرة تريميتي، وبونزا، وأوستيكا، والجمهورية الإيطالية التي تدافع عن حقوق المهاجرين غير الشرعيين إليها وتحيطهم بعنايتها وتوفر لهم سبل الراحة على أراضيها. يلاحظ اختيار اسم (فاطمة) للتعبير عمّا تعانيه المرأة الليبية، حتى أصبح اسم فاطمة رمزاً لشخصية المرأة بكل تجلياتها في السرد الليبي.!
وفي رواية (زرايب العبيد) مثلا: كان اسم أخت ابن شتوان "فاطمة" وفي رواية وبر الأحصنة كان اسم العجوز التي تساعد الفتيات على الزواج ومعرفة مصيرهن (فاطمة) وفي نفس الرواية تدق العجوز فاطمة أبواب منازل أربعين فتاة تحمل اسم فاطمة.! نجد أيضا اسم فاطمة حاضر في القصة من خلال المجموعة القصصية (بلاد الكوميكون) لعزة المقهور،وكانت شخصية فاطمة في هذه المجموعة تمثل معاناة الفتاة الليبية حيث يتم محاولة استغلالها للإفراج على أخيها من السجن،ما يعني أن اسم فاطمة جُعل رمزاً للحياة الاجتماعية وانعكاساتها على الواقع الأيدلوجي المتغير،مما يعني أن الكاتب دلل باستخدامه لهذا الاسم بالذات على انتمائه الثقافي،والاجتماعي،وشعوره بمعاناة المرأة الليبية في خضم هذه الأوضاع السياسية والاجتماعية المتقلبة.
الـتـداخــل بـيـن الأجــنـاس الأدبــيـة– دمـج بــيـن الأفـكـار وتــشـابـه في الأســالــيـب (مخاض الإبداع)
الأجناس الأدبية وتداخلها وتجانسها ظاهرة قام العديد من الباحثين بدراستها وتتبعها في الرواية العربية،وتعتبرها الناقدة إيمان الزيات عملية إبداعية،وذلك من منطلق أن الإبداع يكسر الحدود،وأن هذا التداخل هو ظاهرة إنسانية(2) .ووفقاً لذلك فإن ظهور تداخل الأجناس الأدبية في النص الروائي الليبي هوظاهرة صحية؛ولكن ظهوره في باكورة أعمال كاتبٍ ليبي هو موضوع يستدعي الدراسة لمعرفة الأسباب التي أدت لهذا التفرد؛وأرى أن من الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا التداخل هو البيئة التي عاش فيها صاحب النص؛هذه البيئة كان لها انعكاس واضح يظهر جلياً في التقنية السردية التي استخدمها الكاتب من حيث الوصف: ( وصف الزمان،ووصف تفاصيل المكان) والتي تشعرك للوهلة الأولى أنك تقرأ نصاً قصصياً،وليس رواية،فمثلاً في العتبة السابعة والعشرين والتي سرد فيها الكاتب قصة رسلان والد وضاح وكيف انتقل بعائلته من براك الشاطي إلى قرقارش ففي خمس صفحات اختزل الكاتب خلالها حياة مرسال وابنه وضاح منذ ولادته وحتي هجرته إلى إيطاليا،ذاب الزمان وانصهر في هذه العتبة ليتسم السرد بطابع قصصي،فمن مميزات القصة التنوع في الجمل واحتوائها على العديد من العوامل المؤثرة التي يسقطها الكاتب على نصه فتؤثر على القارئ مثل التكثيف،هذا التداخل بين جنسيين أدبيين ( القصة والرواية ) داخل نص (أفاطم مهلا ) أحدث تناصاً واضحا.وفي العتبة التاسعة والعشرين يقول الراوي: تفرش الأرض وتضع عالة الشاي بكل عناصرها،البرادات بأحجامها الكبيرة المختلفة،بين مُرٍ وحلو،تحتاج إلى أربعة،وتضيف لها (( لقامة للشاهي وفوط للشاهي ومفارش،والسكر،والشاهي نفسه)).(3)
وفي المقابل جاء في المجموعة القصصية كلام الصمت للكاتب الليبي محمد المغبوب:...إلى حد الأن لم يقف أحد على سر طريقة تجهيز الشاي في ليبيا،على وجه اخص،ربما لأن المسألة لا تهم كثيراً.فالأدوات المستعملة كثيرة، والأدوار ثلاثة..،والرغوة التي تتوج الأكواب الصغيرة ضرورية جداً،وهذه القتامة في اللون من شدة الغلى،والمدة التي تستغرقها الجلسة.
مرة سمعت عمي يقص السبب وكأنه اكتشف السر فيقول..
"لسببين مهمين تم إعداد الشاي على هذه الطريقة
الأول.. ملء فراغ.
والثاني..زيادة ترابط الأسرة.(4)
هذا العرض التقابلي بين نصيين من جنسيين أدبيين مختلفين الأول: نص روائي من إنتاج عام 2023 والثاني نص قصصي نُشر عام 2003 يوضح العرض التداخل الواضح بين النصيين كأن هذا الجزء من (القصة ) التي وردت ضمن المجموعة القصصية كلام الصمت هو تكملة لعتبة من عتبات رواية (أفاطم مهلاً) وليس العكس،ظاهرة تداخل النصوص سمة جوهرية في الثقافة العربية(5) وهو ما عُرف كظاهرة حديثة أُطلق عليها مصطلح التناص وظهر في هذه الرواية نتاج الثقافة والذاكرة الليبية المشتركة،فالكاتبان عاشا طقوس العالة الليبية لذلك جاء كلام الصمت كأنه استباق لذاكرة كاتب ونص لم يُولد،وعندما ولد اكتمل النص وولد نص جديد داخل نص آخر جديد أيضا.
إن هذا الاجترار ساهم في تداخل النصيين،وتداخل النصوص هو ظاهرة ليس من المستحيل رصدها ولكن من الصعب تحديدها خاصة في الأجناس الأدبية من نفس الأدب.
كـــــســر أفــــق الـــتــوقــع:
سيطرت اللغة الشعرية على تسميات عتبات هذه الرواية،ومع كل عتبة من عتبات هذا النص المُفعم بالفاعلية يجعلني الكاتب ابتسم برغم أن الوجع الذي ابتدأ به روايته والذى يمس كل امرأة هو ما دفع بي للاستمرار في قراءة هذا النص والغوص في أغواره وتتبع أحداثه والبحث عن طبيعة الشخصيات فيه،في الحقيقة هذا ليس انطباع أسجله حول هذه الرواية؛ بل هو ظاهرة من جملة الظواهر التي رصدتها داخلها،البداية التي انطلقت منها أحداث الرواية كانت قوية وقاسية، صدم الكاتب اليافع بها القارئ ليُجبره على الاستمرار في قراءة هذه الرواية حتى آخرها،للوهلة الأولى حقيقةً اعتقدت أن هذه الصدمة ستصاحب كل عتبات النص ليعم البؤس في كل ارجائه؛ولكن نجح الكاتب في كسر توقعي بكل ذكاء،حيث جعل بعد كل دمعة ابتسامة،وكل صدمةأمل، ما جعل من النص،واقعي ولكن بنكهة عجائبية،فالواقعية المفرطة في الرواية لا تُعد إبداعا؛فماذا سيستفيد القارئ من نقل أحداث واقعية كما هي وبكل تفاصيلها.؟ فالإبداع الحقيقي في تلك الإسقاطات الخيالية التي تُساهم في ديباجة الواقع ليتحكم الكاتب من خلاله على ذهن المتلقي.التفاعل بين بنية النص والمتلقي هو ما يجعل القارئ يستجيب للعمل الأدبي ضمن أفق من التوقع،وكسر الكاتب لهذا الأفق هو ما يخلق دهشة ومفاجأة صادمة تذهل القارئ،وتجبره على الاستمرار في قراءة النص.
كسر أفق التوقع تقنية استخدمها الكاتب وظهرت واضحة في روايتة (أفاطِمَ مهْلاً)كانت هذه التقنية طيعة جداً بين يديه قال: في السماء ظهر لها وجه الطاهر وحيداً، يبتسم ولا يكترث، يا ليتها لم تصمد ولم تعاكس التيار،يا ليتها غرقت في بحرها الأول وهي تحتضنه،<<فوفو...فوفو...نوضي راك تحلمي...نوضي>>كابوس من الماضي البعيد.(6)
في السرد السابق من العتبة التاسعة والعشرين نجح الكاتب ومن خلال سطرين أن يجعلني اعتقد أن الرواية من أولها إلى هذه العتبة ما هي إلا رؤية أو حلم من الأحلام التي راودت فاطمة،ولكن عندما قال:
(وجدت زوجها على جانبها،يوقظها تطمئنُّ لمعصم يده،مسكته قوية لن تتركها،يُجيد السباحة ويعرف البحر،مد يداً ومدت له يدين انتشلها من أعماق حزنها وحملته مولوداً جديدا)
إلى هنا واعتقدت أن من يوقظها من نومها هو زوجها (الصادق ) وربما من سيقرأ الأن سيعتقد ذلك ولكن يكسر الكاتب توقعك فيقول:
(اخرجها وضاح من همومها، منحها الحياة...)
ومن الأشياء التي كسر فيها الكاتب أفق التوقع لديِّ كقارئة،هوكيف جعل من الطاهر ذلك الطفل المتعلق جداً بأمه يوافق والده ويرحل معه في صمت.؟ لم أتوقع ذلك من هذه الشخصية،أنا أعتقد أن أطفال متلازمة دارون من الصعب إقناعهم والدليل أن فاطمة بذلت جهد كبير لتجعله يندمج مع المجتمع الجديد ويتوقف عن السؤال الدائم على والده،وعند خروج والده لم يُظهر الكاتب أي اهتمام من قبل (الطاهر) لوجود والده.! لذلك كان من الصعب أن يقنعني الكاتب بهذا التصرف؛ولكن في نفس الوقت يجعلني أتقبل هذا الفعل من الشخصية بفاعلية عالية،لأن في النهاية من رحل معه الطاهر هو والده.! بالإضافة إلى ذلك فقد كسر الكاتب أفق توقع القارئ من خلال ردة فعل فاطمة على ذلك التصرف الذي أقدم عليه زوجها (الصادق) وكيف أنها تعاملت مع الموقف بردة فعل جديدة عليها،أثبتت فيها أنها لم تعد فاطمة تلك الفتاة التي يحكمها المجتمع،وتقيدها العادات والتقاليد،وأن قسوة الزوج صنعت منها أمرأة جديدة.
الـــــخــــــاتـــمــة
المفردات البسيطة والمعاني القريبة لذهن القارئ العادي تعجُ بها هذه الرواية،بل هي ركيزة أساسية ارتكزعليها الكاتب،هذه الرواية أعتبرها ستساهم في تشجيع المبتدئين على ممارسة فعل القراءة؛على الرغم من أن العنوان غير مشجع كثيراً على اقتنائها،وكذا الغلاف فالعنوان والغلاف جاءا أقوى من تلك المفردات التي تضمنها النص؛ولكن تضمن الغلاف الحكاية الأساسية التي بنى عليها الكاتب عتبات نصه كان واضحاً في الحقيقة،من الواضح أيضاً أن الكاتب كان يكتب بذهنٍ خاليٍ من الحدود المكانية،يُشعرك أنه يكتب لأمك وأمي وأختك وأختي،وهو في الحقيقة يكتب لي شخصياً،هذه الرواية هي رواية نسويه بقلم رجل يُقدر معاناة المرأة الليبية وتضحياتها.الرواية تضمنت ظواهر أدبية عديدة،فهي رواية بوليفونية تداخلت فيها الأجناس الأدبية بين قصة ورواية،وكذلك حضور فاعل لشخصيات الرئيسية وما يُميز هذه الرواية أنها تحقق شرطا مهما من شروط الرواية الناجحة؛وهو تعدد أبطال الرواية،بالإضافة إلى قوة الحكاية التي دارت حولها شخصيات الرواية (الرئيسية والثانوية ) لم أجد شخصية أقل فاعلية من غيرها،كل شخصية استطاع الكاتب تحركيها بفاعلية لتؤدي دورها وتثبت حضورها داخل النص،هناك هدوء وسكينة داخل هذا النص،فجأة يكسره الكاتب بكل مهارة أما بفرح أو حزن أو ابتسامة في لحظة نزول الدمع،في الحقيقة أنتظر بشغف النص القادم للمقهور الابن.
الـــهـــوامــــش
1- الروائي مؤرحاً..رواية (يا فاطمة الجبل) للدكتور محمد سعيد القشاط (أنموذجاً) – أَ.رقـية محمد المبروك
2- إيمان الزيات التداخل بين الأجناس الأدبية.
3- كلام الصمت – للكاتب محمد عياد المغبوب – قصص – منشورات مجلس تنمية الإبداع الثقافي – الجماهيرية – الطبعة الأولى 2003- الصفحة7.
4- نفس المصدر السابق.
5- كتاب مصطلحات ومفاهيم في الأدب والنقد – رؤى وأبعاد – دكتور أحمد العزي صغير- الصفحة64.
6- رواية أفاطِمَ مَهْلاً – الصفحة 172.