دراسة أدبية بقلم سارة حمزة من ابداعات ورشة الكتابة

قصة السرافيت للأديب الارجنتيني خوليو كورتاثار

قصة (السرافيت) القصة  للأديب الأرجنتينى: خوليو كورتاثار

ترجمة: محمد عيتاني

Julio Cortazar

خوليو فلورينثيو كورتاثر ديسكوتي

بالإسبانية  Julio Florencio Cortázar Descotte :
هو مفكر أرجنتيني وكاتب ومترجم، ولد في مقاطعة إكسيل، بروكسل عاصمة بلجيكا في 26 أغسطس 1914. حاصل على الجنسية الفرنسية ويعد واحداً من أكثر كتاب القرن العشرين تجديداً وأصالة، ويضاهي بأعماله أدباء من أمثال خورخي لويس بورخس وأنطون تشيخوف وإدغار آلان بو، فهو مايسترو القصة القصيرة والنثر الشعري والسرد القصير بشكل عام. وقد كتب مجموعة من الروايات التي بدأت أسلوباً جديداً لصناعة الأدب المكتوب باللغة الإسبانية، مبتعدا بذلك عن النماذج الكلاسيكية وذلك من خلال سرد يخلو من خطية الزمن واستخدام شخصيات ذات سلوك ذاتي وعمق سيكولوجى وتلك العناصر قليلاً ماكانت تظهر في الأعمال القصصية والروائية المختصة بهذه الفترة.
و نتيجة لاستخدامه هذا الأسلوب الغير معتاد، نجد أن محتوى أعماله يمحو كل الفواصل بين عالم الحقيقة والخيال وذلك عادة ما يرتبط بالسريالية. وقد عاش قدراً كبيراً من حياته في باريس واستقر بها منذ عام 1951 وحصل على الجنسية الفرنسية بالإضافة أن المنية وافته أيضاً هناك، واستخدم كورتاثر العاصمة الفرنسية لتدور فيها أحداث بعض رواياته. جدير بالذكر أن كورتاثر عاش أيضاً في الأرجنتين وإسبانيا وسويسرا.[2] وتأتي رواية الحجلة على رأس أعماله الأدبية. وتوفي في باريس في12 فبراير. 1984

السرافيت  Axolotl

قصة السرافيت خوليو كولتاثار

 يتجسد مع السطور الأولى ملخص للقصة يكشف عن نهايتها ، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لم يمنع إثارة فضول القارىء عن ماهية السرفوت ، و كيفية تحول إنسان له ، لتتبلور الفكرة المركزية حول طورالتحول إلى السرفوت. وتتراءى وجهة النظر فى نموذج لصيغة المتكلم (الضمير الأول) ، وهو هنا المتكلم (الإنسان).
وتمثل عنصر الزمن فى السرد عن الماضى ثم الوضع الراهن بأنه أصبح سرفوت بحديقة النباتات فى باريس.. وتعد تلك البداية فقرة سردية ما قبل المشهد.

 السرافيت في حويض الاسماك
ويدور المشهد الأول حول مصادفة ملقاة السرافيت فى صباح يوم من أيام الربيع ، داخل النطاق المسور الذى يضم حويضات الأسماك والنباتات ، والتفكر فيها.

وينبغى هنا التمعن فى المغزى وراء صداقة البطل المنتهية للأسود و الفهود ، حيث ترمز تلك الحيوانات إلى معان من القوة والافتراس ، تجعلنا نتسائل حول وصف الأسود بالقبح و الحزن فى ذلك اليوم تحديداً ، لماذا رآها هكذا !.. ، وكأنه إسقاط لمشاعره هو وليست تلك الأسود ، ويعلن عن رفضه لها ولصداقتها ، لنجده نوع من النبذ لما ترمزله تلك الحيوانات من معان ، والشخص يتقلد صفات أقرانه (وقتما كان صديقاً كبيرا للأسود و الفهود) ، فالقبح صورة عنه و الحزن داخله ، ولعل تلك الأسود و الفهود أناساً يعرفهم فى حياته أو مجرد رمزية لمعالم شخصيته فى واقعه.

ونجد ذكر (ترك الدراجة – مشاهدة أزهار الخزامى ) ما هو إلا تفاصيل زائدة يمكن حذفها ، لا تضيف إلى المعنى .
وقد حدث انتقال سريع غير مترابط بين وصف الأماكن و الطبيعة أول المشهد (ورأيت الخضارات الأولى ، بين كل الرمادى ..) ثم و فجأة (وتذكرت الأسود – كنت صديقا كبيراً للأسود و للفهود ) ثم عدم ترابط آخر فى تحدثه عن (النطاق المسور و ترك الدراجة و الأزهار) ، ويعاود (كانت الأسود قبيحة ..) . تلك السطور للسرد غير متناغمة وبها تشتت.
 السرافيت
ماهي السرافيت
حيوانات برمائية

وهناك فقرة سردية بعد مشهد الملقاة ، وانشغال الفكر بالسرافيت تتضح فيها ماهية هذه الكائنات البرمائية بتعريف لغوى ، و توضح أصولها. ولا ندرى مدى أهمية ذلك السرد لأنه يعد مملاً ، لكن لعل ضرورته تكمن فى توفير وقت القارىء ليكون فى غنى عن الرجوع للتعريف اللغوى للسرفوت والبحث فى القواميس.
وكان من الأفضل عند ذكرمعلومة علمية أو تعريف لغوى ذكر عنوان المرجع أو القاموس المقتبس منه (فى هامش بالأسفل) ، حتى يسهل على القارىء الرجوع إليه ،وليس مجرد ذكر اسم المكتبة التى تمت زيارتها.

العالم ملكا للسرافيت

وقد تمثلت الشخصية الثانوية فى الحارس الذى كان مرتبكاً .. قلقاً .. ضاحكاً لأنه يعتقد بأن هذا الشخص مراقب السرافيت غير طبيعى تماماً.

ونستطيع القول بأنه أصبح هناك زمانيين و مكانيين يحدث تنقل بينهما ، حيث المكان: (داخل الحويض – خارج الحويض ) ، فالزمن للمتكلم (الانسان) الذى خارج الحويض: كان الصباح و المساء ومعاودة رؤية السرافيت ومراقبتها ، ولكن داخل الحويض كان هناك إلغاء للزمن لدى السرافيت (بسكونها المفعم بالامبالاة - ولم يكن لليوم بالنسبة لها نهاية ) ، وهذا الإلغاء يجعل عالم السرافيت عالم لا متناهى .

وتم وصف التكوين البيولوجى للسرافيت ، و رسم صورتها بدقة فى محاولة لإثبات التماثل بينها وبين البشر (انها تنظر ، و تعرف ، و تطالب ).
 
للوهلة الأولى المتكلم (الإنسان) مرتبكاً ، وشبه خجلان ، ويرى من الوقاحة مراقبة تلك الكائنات .
ثم أخذ يتحدث عن تأثير النظر لعيون تلك السرافيت الذهبية ، بقول :
(سكونها جعلنى مفتوناً – ان عيونها على الأخص ترهقنى – عيون السرافيت تحدثنى – تسبب لى الدوار – أحس بأننى خسيس أمامها – كان فى هذه العيون الشفافة صفاء مفزع جدا – كانت تثير فى الخوف – لولا وجود الحارس لما تجاسرت الوقوف أمامها – كانت تفترسنى على مهل بعيونها – كانت تؤثرفى عن بعد)
ونرى تدرج لهذا التأثير من الفتون بها إلى الخوف منها ، وافتراسه ، و التحكم فيه عن بعد .
وهذا التدرج ما هو إلا عملية تحوله إلى السرفوت أو بمعنى أدق قمع على وشك الحدوث للوعى لديه كإنسان ، و السيطرة الفعلية لللاوعى العميق الدفين داخله . و قوة اللاوعى داخله تخيفه ، و تفترسه بأكمله لينتهى سرفوتاً بلسان اللاوعى.
وما هو التكوين السيكولوجى لهذا السرفوت ( اللاوعى) ؟ ..
لقد حدث إسقاط على السرافيت ، ومنه نستطيع أن ندرك هيئة هذا اللاوعى ، و مكمن قوته داخل هذا الإنسان ، وأسباب تولية الدفة ، والنفوذ على الوعى ، والشعور.
وتتمثل تلك الهيئة فى الإسقاطات الآتية عن السرفوت (اللاوعى):
(وجه بلا تعبير و لا ملامح – بدون أية حياة – الخياشم (التنفس) ذلك هو الشىء الوحيد الذى له مظهر حى فى هذا الجسم – تنهض جامدة تماما – سكونها – ارادتها الخفية الغاء الزمان والمكان بسكون مفعم باللامبالاة – واعية – عبدة لجسدها – محكومة بصورة لا متناهية – نظراتها العمياء – رسالة أنقذنا أنقذنا – ألم أبكم شديد – الشهود على شىء ما – قضاة مخيفين – قناعا وشبحا – الوجوه الخالية من التعبير – ذات قسوة لا ترحم – كانت تتألم ألم مكمم – هذا العذاب المتصلب فى عمق الماء – تراقب مملكة زائلة و زمن حرية مضى – اللانفعالية الاجبارية – وجوه حجرية تتضمن رسالة ألم – إدانة أبداية وجحيم سائل تعانيه).
يحتوى هذا الوصف على دلالات نفسية لحالة شديدة من الإكتئاب النفسى ، و الوحدة ، و العزلة ، و العدمية للذات. إنه مجرد بدناً تسكنه روح معذبة بآلامها ، وبعدميتها ، و دونيتها ، وأيضاً قسوتها بجمودها اللانفعالى. إن التنفس هو الشىء الوحيد الدال عن الحياة فى هذا الجسد.
لا مفر دون الاستسلام لللاوعى بسكونه المتجمد ، وألمه الأبكم الشديد.
وبالعودة إلى وجهة النظر حدث تقلب بين المتكلم الإنسان (الوعى) ، و بين المتكلم السرفوت (اللاوعى) وتظهر وجهة نظر المتكلم السرفوت (اللاوعى) بالعبارات الآتية :
وينتهى بذيل سمكة إنه القسم الأكثر حساسية فى جسمنا – اننا لا نحب كثيرا التحرك ولو تحركنا اصطدمنا  - نحن نكون أقل احساسا بالوقت اذا لبثنا ساكنين – كانت اسماك عيونها الجميلة الشبيهة بعيوننا .
فأصبح لدينا انقساماً بين إدراك هذا الانسان (الوعى) ، وبين إدراك السرفوت (اللاوعى) ، وتبلورت ذاتية مستقلة للسرفوت ليعلن عن نفسه ككياناً منفصلاً.
 سرفوت ساكن مقابل الزجاج
( ألصقت وجهى على زجاج الحويض ،وكنت أرى عن قرب جدا رأس سرفوت ساكن مقابل الزجاج)
فى تلك اللحظة بدون فترة انتقالية ، وبدون مفاجأة صار الوعى متلبساً فى جسم السرفوت داخل الحويض يرى وجهه البشرى خارج الحويض ، قائلاً : رأيت وجهى مقابل الزجاج ، رأيته خارج الحويض .
إن الذات الواعية المدركة انتقلت سجينة جسم السرفوت ، لتشعر بالرعب كمن استيقظ وهو مدفون حياً.
الآن أدرك نفسه فى جسد السرفوت بالفعل ، وأحس الرعب.
 كنت سرفوتا كنت في عالمي
ومع لحظة الإحساس بالرعب حدث هروب ، وغياب الوعى تماماً ، وغابت ذاته الواعية المدركة ، فأصبح المتكلم هو السرفوت مستقلاً بذاته (اللاوعى مسيطراً بشكل تام) ، وأخذ يتحدث عن هذا الآدمى ، وكأنه انسلخ عنه. إنه السرفوت.. سرفوت فى عالمه. ورغم ذلك كان لا يزال قادرا على التفكير كبنى آدم ، لأن السرافيت يمكنها أن تفكر كالبشر.
أنا سرفوت
 وأصبحت وجهة النظر الآن هى المتكلم السرفوت (اللاوعى) ، والمكان داخل الحويض ، فى جسم سرفوت ، باستقلالية تامة ، وانفصام عن جسم الآدمى ووعيه ، مع اعتراف بأنه كسرفوت يفكر كالبشر إلا أنه يعجزعن التعبيرعن ذاته كسرفوت.
يتحدث المتكلم السرفوت ، ويقول بأنه كان بمثابة سر يؤرق الآدمى ، و هاجس لديه غريبا عن حياته كإنسان ، ثم فى هذه الوحدة النهائية التى لم يعد يعود إليها الآدمى أبداً دخل هذا الآدمى فى حالة من الانكار ، و نسيان وجود السرفوت أصلا حتى أنه لربما يبتكر حكاية يوماً ما عن السرافيت دونما ادراكه بأنه كان هناك سرفوت بداخله وفر منه (حين كنت لا أزال فيه ) .
وهنا تساؤل يدورعن وجهة النظر فى الفقرة السردية فى بداية القصة .. هل كانت حقاً وجهة نظر المتكلم الإنسان (الوعى).. حيث أنه كان إنسان واعياً ومدركاً بأنه أصبح سرفوت! ، فى حين انتهت القصة بالإشارة إلى أن الوعى فى حالة انكار ، ونسيان .. مما نجده تناقض فى وجهة النظر غير متناغم مع طبيعة الانكار، والنسيان.

وكل ما نقله السرفوت إلى هذا الآدمى قبل فراره منه هو حقيقة أن السرافيت تفكر كالبشر.
تلك الحقيقة فيها انفصام واضح ، و تلبس تام للشخصية بجسد السرفوت .
 سيكتب هذا كله عن السرافيت
•    وتلك النهاية بالحقيقة المعلنة فيها هى مفارقة فى حد ذاتها مثيرة للقارىء .
•    وبذلك كانت نهاية هذا الصراع الذى كان عبارة عن سر يؤرق ، و هاجس يدعو لرؤيته والتعرف عليه ، والنظر إليه ، مما أدى إلى الغوص داخله ، حتى انفصل هذا الهاجس بوعي مستقل له ، والحل الآن هو تجاهله ، ونسيانه.
•    وكان هناك كشف ناجح لجوانب شخصية السرفوت (اللاوعى) وتكوينها البيولوجي ،        والسيكولوجي.
•    وحدث تناوب متميز بين وجهتى النظر للمتكلم الانسان (الوعى) ، و وجهة نظر السرفوت (اللاوعى) ، يشعر القارىء بحالة الانفصام بوضوح تام ، وكأنهم شخصيتين منفصلتين بالفعل فى عالمين مختلفين داخل الحويض ، وخارجه.
•    ويعد العمل متماسكاً بحبكة جيدة لتسلسل الأحداث ، ومنطقها ، وتعد النهاية منطقية بالوقوع فى حالة الانكار لهذا الجانب المظلم داخل شخصية البطل الذى أسماه سرفوتاً ، وأسقط عليه آلامه ، وعدميته ، واحساسه بالدونية ، وعدم الرغبة فى الحياة .