" فـي لحظـات قليلـة تمزقـت ملابسـي تمامـا فـي زحـام المهاجميـن الذيـن أمسـكوا بـكل جـزء في جسـمي بـلا اسـتثناء، وأدخـل أحدهـم إصبعـه فـي مؤخرتـي بمنتهـى العنـف، أخـذت أصـرخ وأحـاول الوصـول إلـى الحائـط"
شهادة إحدى الناجيات من العنف الجنسي بالتحرير بمصر يوم 23 نوفمبر 2012
لدنيزكانديوتي كتابا ممنوعا عربيا معنوان بنسوية الدولة" أو التفاوض مع الذكورية وفيه تشرح معنى نسوية الدولة فترى أنها الإجراءات والممارسات والقوانين التى تسنها الدول فى طريق حصول المرأة على المساواة الكاملة مع الرجل وترى أن النسوية لن تهدأ حتى تعيد العالم للعصر الأممى"حين كان نسب الأولاد للأم"و حين كان الألة أنثى؟! فالمرأة الإله التى سبقت الرب الإله أو كانت معه. ظهرت فى:(عشتار الربة فى بلاد الشام،وايزيس الربة فى مصر القديمة والإلهة ميليتا Myliuta فى بابل.وفي بلاد الفرس الإلهة ميترا Mithra وفي أرمينيا الإلهة آنايتيس Anaitis وعلى حدود بلاد العجم الإلهة أرتميس Artemis) وقد رصدت الحركة النِّسويّة التطوُّر الخطير،الذى تم بالأنتقال إلى النِّظام الأبوي حيث الملكيَّة خاصَّةٌ والنَّسب يعود إلى الأب،وفيه تمَّت الهزيمة التاريخيَّة للنّساء،إذظهر شكل العائلة الأبويّة حيث الزِّواج الآحادي،وهوآحاديٌّ للمرأة فيكون دور المرأة زوجةً تنجب الأبناء وتعمل في المنزل في المدينة،أو في المنزل والحقل في الرِّيف وفُرضت عليها العفّة كي يضمن الرّجل أنَّ من تلدهم هم أولاده الذين يرثونه.حدث هذا نتيجة تغيُّر موقع كلٍّ من الرَّجل والمرأة في البنية المجتمعية ودور كل منهما في هذه البنية فالرَّجل هو الأقوى فسيطر وغدت سيطرته سياسة حكمت جميع المجتمعات البشريَّة ،وأنَ هذا النِّظام الذي تشكّل نتيجة تطوُّرٍ مجتمعيٍّ يمكن أن يتغيَّر نتيجة تطوُّرٍ مجتمعيٍّ آخرَ، وهي تعمل من أجل حصول هذا التطوُّر الذي يغيِّر النظام الأبوي إلى نظام آخر يتمُّ فيه إلغاء الأسرة الأبوية التي تقوم على ركيزةٍ مادِّيةٍ هي عدم المساواة بين الزَّوج والزَّوجة.
ويتحدث الكتاب ضمن مايتحدث عن "أربع" موجات للحركة النسوية المصرية (نهايات القرن التاسع عشرو بدايات القرن العشرين من الخمسينيات إلى السبعينيات ومن الثمانينيات إلى ثورة 2011) وغالبا ما يتم ربط الموجات بسؤال الجسد والحقوق الجسدية، ويعتبر الجسد هو الشيء الرئيسي الذي تعمل من خلاله السلطة الأبوية - سواء كانت تمثل الدولة أوالمجتمع- وهى ترى أن فى احيان كثيرة تكون الدولة اكثر نسوية من المجتمع وذلك مع انتشار جماعات التطرف والتى جعلت المرأة عورة وتتخذ ممارسة السلطة على الجسد أشكال عدة مثل استخدام عقوبة الحبس والسجن،ومعاقبة المختلف عنها مجتمعياً وبالطبع ممارسة أشكال من العنف الجسدي والجنسي ضد النساء سواء لأسباب "سياسية" أوجندرية خالصة، وربما يكون هذا التناقض المرتبط بكون الجسد شئ حميميا بشدة وسياسيا بشدة هو الذي يجعل منه سؤالاً معقداً فربما يكون سؤال الجسد تحديدا هو أكثر الأسئلة المعبرة عن نظرية (كارول هانيش ) :"الشخصي هو السياسي" من حيث أن هذه الأداة الشخصية هي في الأصل مسيسة وتعكس علاقات القوى وديناميكيتها، وبالتالي تكون التجارب المرتبطة بالجسد هي تجارب تستحق وينبغي طرحها في المجال العام والسياسى وتوثق النسويات مشاركات مختلفة للنساء قبل ثورة 1919بل وتظهر استهداف الدولة إلى أجسادهنّ كذلك باشكال شديدة العنف.فهناك أدلة تاريخية عن مشاركة النساء في انتفاضات وحركات تمرد عام 1840 و 1863 كما شاركن في انتفاضة 1865 وقُبِض على أعداد من النساء تداولت أخبار عن تعرضهنّ لأشكال من العنف الجنسي والجسدي وتوجد أيضاً دلائل على إلقاء القبض عليهنّ خلال أحداث الثورة العرابية للقيام بأعمال "شغب" تبرهن هذه الأمثلة على شيئين معاً، أولاً أنّ تجربة مشاركة النساء في ثورة 1919 لم تأتِ من فراغ بل سبقتها عدة تجارب مرتبطة بحضور هذا الجسد وانتهاكه وفي نفس الوقت أن أحداث 1919 شكلت لحظة شديدة الخصوصية لدى هؤلاء النساء ووعيهنّ بأجسادهنّ. ففى 16 مارس 1919 وقبل خروج النساء فى مظاهرات وطنية احتجاجاً على نفى سعد زغلول والتصاقاً بثورته الوطنية دارت مكلمة حول الوطنية والنسائية كان طرفها النساء فى جهة بقيادةصفية زغلول وهدي الشعراوي وأقطاب الوفد الذكور فى طرف آخر ووصل الأمر بالذكور لحد رفض الدور الوطنى للمرأة!!وإذا بصوت عبد العزيز فهمي يعلو: إنى أعجب أن تقترح سيدة عاقلة مثل صفية هانم مظاهرة النساء فى الشوارع؟!
ويذهب لبيت الأمة ويحاول أن يمنع ذلك ويعود خائباً فيقول فى اجتماع موسع بالحزب:أنه يخشى أن تكون النساء قد أصابهن نفى سعد بهزة أثرت على عقولهن ! وظهرت عبارة لصفية زغلول قوية ومؤثرة: إن نساء مصر لسن أعضاء فى الوفد.ولا توجد امرأة تمثلهن فى الوفد. ولهذا ليس من حق الوفد أن يصدر الأوامر إليهن.إننا نخرج التزاماً بقضايا بلادنا ولانخرج لنؤيد سياسةحزب!!وهرول(عبد الرحمن فهمي) متطوعاً أن يقنع صفية هانم زغلول نظراً للعلاقة الوثيقة بينه وبينها، ولم ينم عبد الرحمن فهمي الليل!! إنه لم يستطع أن يفهم لماذا تريد أن تخرج المرأة بنفسها فى السياسة؟! وكان أكثر ما يزعجه موقف زوجة زعيمه سعد زغلول.إنها تريد أن يخرج النساء للشوارع فى الوقت الذى وقفت تحدثه من خلف الباب حين ذهب اليها إنه لم يرها بل سمع صوتها فقط؟! فقط وراء الحاجز!! ولولا الحاجز!! ولولا أنه يعرفها ويعرف صوتها لاعتقد أنها غواية من الأخريات فإن كيدهن عظيم.
ومع استشهاد أول امرأة مصرية في ثورة 1919وإصابة العديد من النساء في تعامل شديد العنف من قبل الشرطة والانجليز تعددت انتهاكات جسد المتظاهرات وصيغت الأسئلة النسوية المتعلقة بالعنف الجسدي والجنسي ضد النساء في المجالين الخاص والعام ومن قبل الدولة والمجتمع كان سؤال الجسد في المراحل الأولى لتكوين الحركة النسائية مرتبط أولاً بالمعركة المتعلقة بتواجد النساء في الحياة السياسية والحزبية والجامعات- أي المجال العام فربما شكلت المشاركة الجماعية للنساء في أفعال احتجاجية"كنساء"حتى وإن لم يرفعن مطالب متعلقة بحقوقهنّ، وتعرضهنّ لانتهاكات وعنف لحظة إدراك جماعي بأحقية تلك الأجساد بأن تكون حاضرة في المجال العام لما استطاعت أن تحققه من حراك ولما تحملته من أثمان لا تختلف عن نظرائها من الرجال. وربما من هنا جاءت رغبة النساء في تنظيم أنفسهنّ بشكل جماعي بدءاً من لجنة الوفد المركزية للسيدات 1920 إلى تشكيل الاتحاد النسائي في مارس 1923لينظمنّ أنفسهنّ بشكل ليس فقط جماعي بل أيضا مستقل للمطالبة بتلك الحقوق.ولذا سارعت هدي شعراوي بتقديم استقالتها من (لجنة نساء الوفد) واعتزرت عن الاستمرار عندما وجدت (سعد زغلول) غير مهتم بأن يكون النساء عضوات عاملات فى الحزب مكتفياً بأن يعملن منتسبات من خلف أزواجهن أعضاء الوفد كتوابع.
واعتقدت (هدي شعراوي) بأنه فى لحظات الخطر لا يبدى الرجل أى اعتراض لظهور المرأة بجواره ولكنه يغير نظرته إليها أذا طالبت بذاتها وكونت اتحادها النسائي منفصلة بقضية النسائية،جاعلة الوطنية من خلال رؤيتها الخاصة كأنثى - آى مفضلة النسوية على الوطنية دون الإنفصال عن الوطنية -.وإن كان سعد زغلول قد أوضح بشكل مباشر للزعيمة الوفدية الجديدة التى تولت لجنة نساء الوفد بعد هدي شعراوي- منيرة ثابت- إنه لا ينكر حركة المرأة وحقوقها ولكنه يؤجلها- وإن التأجيل لا يعنى الإنكار وإنما يعنى الانشغال بما هو أولى،وطالبها بأن تضع التحولات الوطنية والأعراف والميراث الاجتماعى فى الاعتبار.
وهناك جانبين مهمين في مذكرات شعراوي وهو أولا تشديدها على أهمية "مرئية" الجسد لتواجده في المجال العام وأن السفور "شر لا بد منه" للمشاركة في الحياة العامة والسياسية وثانيا التهديد الذي يبدو أن شكله هذا السفور وتواجد أجساد النساء بشكل منظم في المجال العام للبنية الأبوية في المجتمع.كان سؤال الجسد في المراحل الأولى لتكوين الحركة النسائية مرتبط أولاً بالمعركة المتعلقة بتواجد النساء في الحياة السياسية والحزبية والجامعات- أي المجال العام فربما شكلت المشاركة الجماعية للنساء في أفعال احتجاجية "كنساء"حتى وإن لم يرفعن مطالب متعلقة بحقوقهنّ وتعرضهنّ لانتهاكات وعنف لحظة إدراك جماعي بأحقية تلك الأجساد بأن تكون حاضرة في المجال العام لما استطاعت أن تحققه من حراك ولما تحملته من أثمان لاتختلف عن نظرائها من الرجال.
الترسيخ لاستمرارية وجود هذه الأجساد في المجال العام حتى بعد انتهاء أحداث الثورة،وهو ما لم يكن محل إجماع سواء من قبل المجتمع عموماً أو الزملاء في العمل الوطني،على عكس احتفائهم بمشاركتهنّ في التظاهرات والدور "الوطني" الذي قمنّ به. وتوضح شعراوي في خطاب أرسلته إلى سعد زغلول عن ضجر أعضاء الوفد من إبداء النساء،بل وتصريحهم أنه"لا يجوز للنساء التدخل في الأمور السياسية" فلم تعتبر شعراوي ونبراوي قرار خلع حجاب الوجه قراراً "شخصياً"، بل كان هناك وعي أن هذا القرار قراراً سياسياً أو علنياً مرتبط بتواجدهنّ في المجال العام،وأن أجسادهنّ يمكنها أن توصل رسائل سياسية شديدة الوضوح حول النساء وحقوقهنّ.بالتالي شكلت تلك اللحظة إعلان ما مرتبط بتحرر أجساد النساء - نسبيا وبالقدر الممكن- للتواجد في المجال العام وأن شرط تواجد تلك الأجساد في المجال العام هو أن تكون مرئية من الأساس.تقول دنيزكانديوتي (يعتبر التحكم في أجساد النساء جزءا أساسيا من عملية تشكيل السلطة والدول القومية الحديثة فأجساد النساء كانت أداةأساسية لتحديد هوية الدولة بعد الاستعمار في دول المنطقة العربية وتمثل أجساد النساء الحدود الفاصلة بين هوية والأخرى)
وهكذا أسست فاطمة نعمت راشد الحزب النسائي المصري في 1942، كما كانت درية شفيق قد بدأت في تحرير مجلة "المرأة الجديدة" عام 1936 ثم أسست مجلة بنت النيل في 1945ثم اتحاد بنت النيل عام 1948وتكرر مشهد المسيرات النسائية بعدما أصبح هناك إدراك للقوة الاحتجاجية الجماعية لتلك الأجساد او كونها تتشارك شئ ما، مثل المسيرة التي قادتها درية شفيق برفقة 1500سيدة والتي اقتحمت البرلمان المصري بفبراير عام1951للمطالبة بحقوق النساء السياسية وكذلك المسيرة النسائية الكبرى التي نظمت في نوفمبر 1951 ل"دعم المقاومة الشعبية في منطقة القناة" وشاركت فيها العديد من النساء والنسويات آنذاك (مثل درية شفيق وسيزا النبراوي) وبالرغم من تفاؤلها في بداية حكم الضباط الأحرار، إلا أن آمالها سرعان ما تبخرت مع تشكيل لجنة خالية من النساء لوضع دستور مصر الجديد فقادت شفيق إضرابها الشهير عن الطعام في نقابة الصحفيين مع 8 من زميلاتها عام 1954للمطالبة بحقوق النساء السياسية،ونظر عبد الناصر لصور درية شفيق بحواجبها المميزة واناقتها الشديدة وطلب تقارير عنها واندهش لها علاقة بهدى شعراوى،حتى أنها زوجتها وكانت حفلة زفافها فى قصرها وعندها دكتوراة من بلاد الفرنجة (فرنسا) وقدرة على التأثير فى النساء وفوق ذلك جسد ديناميكى جميل يتحرك بقوة. ورصد أنها أضربت بقوة وحيدة بلا طعام عام1957في السفارة الهندية اعتراضا على"ديكتاتورية" عبدالناصر نفسه هكذا خبط لزق؟! واندهش الضباط الاحرار (وصلت لسفارة الهند واقنعتهم بقضيتهاحتى أن نهرو يكلم عبد الناصربخصوصها؟!) وفى1953اعلنت درية شفيق ومن انجلترا لمراسل جريدة "ذىسكتشمان" الذي كتب يقول:"إن الأهداف المباشرة لحزب بنت النيل هي كما أوضحتها الدكتورة درية شفيق:منح المرأة حق الأقتراع وحق دخول البرلمان، والمطمع الثاني الذي تهدف الدكتورة لتحقيقه هو إلغاء تعدد الزوجات وإدخال قوانين الطلاق الأوروبية في مصر"
وتقول: "إن الطلاق في مصر بوضعه الحالي أمر يسيرجدًا فالزوج المسلم له الحق في أن يطلق زوجته بمجرد قوله: أنت طالق أما فيما يتعلق بتعدد الزوجات،فإنه لا يزال شائعًا بين الطبقات الفقيرة " ولم تكن التجربة الناصرية استثناء،كانـت المفارقـة فـي نسـوية الدولة بارزة فى التناقضـات مـا بيـن الإطـار التقدمـي المتعلـق بحقـوق النسـاء فـي المجـال العـام وقانـون الأحـوال الشـخصية الأكثـر محافظـة الـذي يحكـم النسـاء فـي المجـال الخـاص،فبينما أثرت تلك السياسات حيث ارتفعت نسبة مشاركة النساء في سوق العمل إلا أن قضايا الأحوال الشخصية والمجال الخاص-المتصلة بشكل وطيد بأجساد النساء- ظلت كما هي ولم تحظ بنصيبها من التحديث.وجاء أخطر التصريحات المجنونة،ذلك التصريح الذي نشرته مجلة الايبوكا الإيطالية حيث قالت:" إن السيدة درية شفيق مشحونة بالظرف،وذات نظرات خطيرة وجاذبية باريسية،وأنها الصديقة المسموعة الكلمة لدى الجنرال"محمد نجيب"الذي وعد الحركة النسوية بالتأييد والتقدير ".وبطبيعة الحال كان هذا التصريح من الجريدة الأجنبية للتوريط ليقرر عبد الناصر تجميد هذا الجسد وقف حركة الحواجب عند الخطابة والأناقة عند الظهور،قرر إيقاف درية شفيق.وهو ماتسبب في وضعها تحت الإقامة الجبرية،لمدة 18عاما من العزلة حتى وفاتها الغريبة في1975وقعت من بلكونتها وقيل اوقعوها أو رموها، وقال "مصطفى أمين" أنها انتحرت ضاقت الدنيا بالجسد،ضاق الجسد حتى على الروح
وتلى وضع شفيق تحت الإقامة الجبرية العديد من أمثلة تقييد الحرية التي عانت منها النساء النشاطات فتم كذلك القبض على"وداد متري" عام 1959 لإتهامها بالشيوعية وقضت خمسة أشهر في السجن وتم اعتقال "انجي أفلاطون" أيضا في نفس العام حيث قضت أكثرمن أربع سنوات في السجن قبل خروجها عام 1963وبسرعة كان القرار (عاوزين وزيرة راجل،واشترط عبد الناصر إلا تكون مثل درية شفيق،عايزها متفرقش عن على ومحمد فى مجلس الوزراء،مش عايز حواجب لها لسان؟!) واصبح يعرض على (عبدالناصر) صور للوزيرات المرشحات،وليس السيرة الذاتية لهن! ونجح مصطفى أمين فى الوصول للهدف،لتكون"حكمت إبو زيد" اول وزيرة فى حكومة الثورة. وهكذا تم إزاحة أجساد النساء من المجال العام،فالوصول للمجال العام كان له شروطه فلامكان للأجساد المحتجة أو غير المطيعة ؟! فعلى الرغم من رفض عبد الناصر للنموذج الأخوانى للمرأة ورفضه تحجيب النساء كما طلب مرشد الأخوان وقتها فإن النظام الأشتراكى الذى اختاره كانت له شروطه على الجسد ايضاً اوجد نموذج المرأة العاملة.وفي نفس السياق نجد الطبيبة والكاتبة نوال السعداوى تعلن تبنيها لنموزج المرأة العاملة وتعلن الاعتراض على حواجب "درية شفيق" وتقول "المهم نظافة جسد المرأة مش زواق المرأة" وتقدم نفسها للمجتمع الجديد بوجة مغسول بلا مكياج وبنضارة بدون برفان! وفوق ذلك سعت السعداوي للتصدى للثقافة المكرسة لسلطة الجسد الذى يحط من قيمة المرأة ويختزلها في مجرد وظائف بيولوجية وفيزيولوجية دون الأخذ بعين الإعتبارلفكرهاوعقلها.ووقفت ضد النموذج (الراسمالى- الهليودى)للمرأة الذى يقوم على جمال الشكل والقوام ففي كتابها "المرأة والجنس" 1972 بينت أن الفتاة منذ طفولتها يتم تنشئتها بكونها مجرد أداة للجنس فقط إذ تعلم كيف تكون مجرد جسد جميل فقط دون فكر وذلك بهدف جلب إهتمام الرجل واغرائه.ووقفت بشدة ضد ختان الإناث،وبعد 10 سنوات من كتاب السعداوى تتحرك نسوية الدولة ليتم تجريم ختان الإناث في المادة 242 مكرر من قانون العقوبات وبالرغم من الإشكاليات العديدة المرتبطة بالتطبيق إلا أن وجودها في حد ذاته كان يعد انتصارا بعد سنوات من النضال.
واستمرت قضية الجسد تشغل مكانا محوريا حيث بدأ يتشكل حراك حول قضية العنف الجنسي والعنف ضد النساء عموما فكانت هناك أكثر من واقعة مثيرة للجدل جعلت هذه القضية شديدة المركزية بالتدريج ففي 25 مايو 2005 فيما يسمى ب"الأربعاء الأسود" تم الاعتداء علـى صحفيـات وناشـطات أثناء تظاهرات رافضة للتعديلات الدستورية مـن قبـل مواطنيـن فـي حمايـة الدولـة.وفي الأسئلة المتعلقة بالجسد،أمام نقابة الصحفيين مثلت انتهاكات جنسية موجهة لأجساد المتظاهرات تهدف إلى إزاحة أجسادهن من المجال العام. وإذا كان استخدام العنف أو الحبس تجاه أجساد النساء "المحتجة" أو المعارضة للسلطة أيا كانت أمر معتاد في الأزمنة المختلفة،إلا أن استخدام انتهاكات جنسية موجهة للنساء على أساس نوعهن بهذا الوضوح كان أمر فارق.وبدأت قضية العنف الجنسي في البروز بشكل واضح فيما بعد كجريمة واتنهاك مراد بهما إزاحة أجساد النساء من المجال العام، إلا أنه بدا من الواضح في الأحداث التي تلت الأربعاء الأسود أن هذه الجريمة لا تمارس فقط من قبل فاعلي الدولة ولا تستهدف النساء المسيسات فقط بل تمارس من قبل فاعلين مجتمعيين ومواطنين عاديين.فشهد2006 اعتداءات جنسية جماعية في عيد الفطر أمام دور السينما بوسط البلد عرف بالتحرشات الجماعية
وفي 2008 حصلت (نهى رشدي) على أول حكم متعلق بقضية تحرش جنسي حيث تم حبس المتحرش ثلاث سنوات وكانت قضية التحرش الجنسي قد اكتسبت زخما كبيرا.ففي العام نفسه شكلت 16 منظمة "قوة عمل مناهضة العنف الجنسي" وهكذا أصبح الجسد في حد ذاته هو مركز مطالب الحركة النسوية. وشهدت أحداث ثورة يناير وتبعاتها وقائع عنف جنسي مروعة في محيط التظاهرات والتجمعات، بالأخص الفترة ما بين 2011 و 2014وبدأت جرائم العنف الجنسي الموثقة منذ فبراير 2011 عندما تعرضت مراسلة أجنبية وهي مراسلة قناة سي بي اس إلى اعتداء جنسي جماعي أثناء تغطيتها للأحداث في ميدان التحرير. وخلال عام 2011 كان التركيز الأكبر على انتهاكات قوات الشرطة العسكرية ضد أجساد المتظاهرات ففي 8 مارس 2011 وهي أول مسيرة انطلقت من أجل المطالبة بحقوق النساء في الثورة، تم التعدي على المسيرة وتحرش مواطنون مجهولون بالمتظاهرات، وفي اليوم التالي( 9 مارس) قامت القوات العسكرية بفض التجمع الموجود في ميدان التحرير وتم احتجاز بعض المتظاهرات وإجراء كشوف عذرية إجبارية لبعضهن،وأثار هذا الحدث انتباه العديد من النساء والمجموعات النسوية حيث شكل بشكل واضح تعدي فاعلي الدولة على أجساد النساء واستخدام جنسانياتهن لترهيبهن وتشويههن مجتمعيا.
وتكرر ذلك في نهاية العام فيما عرف بحادث "فتاة الصدرية الزرقاء" حبث قامت قوات الشرطة العسكرية بسحل متظاهرة وتعريتها أثناء أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر 2011 وسط قبول مجتمعي ألقى اللوم على الفتاة.وخلق حراكا حول هذه الأحداث تدين بوضوح تعامل فاعلي الدولة مع المتظاهرات وانتهاك أجسادهن،وكان جزء من هذا الخطاب التأكيد على حرية النساء في اختيار ملبسهن ومظهرهن والتصرف في أجسادهن دون أن يبرر ذلك انتهاك هذه الأجساد.وأدى ذلك إلى أولى الانتصارات السياسية والتشريعية المتعلقة بقضية العنف الجنسي (باستثناء قضية الختان).فتم تعديل المادة 306من قانون العقوبات المصري ليجرم التحرش الجنسي عام 2014 كما أقر دستور 2014 في المادة (11) مسؤولية الدولة في حماية النساء من جميع أشكال العنف، كما أطلق المجلس القومي للمرأة الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء عام 2015 .
وربما يمكننا أن نرى سؤال الجسد بشكل مختلف من خلال النظر إلى الخواطر الشخصية لبعض النسويات المصريات خلال هذه الفترة والتي يمكن الرجوع إليها في سيرهن الذاتية،نرى أنه كانت هناك أسئلة وتأملات مرتبطة بالجسد كأداة حميمية لدى بعض النسويات ففى مذكرات لطيفة الزيات ودرية شفيق،بل وحتى بالرجوع إلى هدى شعراوي فمثلا تروي لطيفة الزيات عن ارتباكها وحيائها الشديد خلال فترة دراستها من جسدها الأنثوي ووعيها الشديد بتحركاته في كل خطوة،لدرجة الخوف من المشي بضعة خطوات في مكتبة الجامعة لشعورها أن هناك من يتفحصها.هذا على عكس شعورها بالراحة التامة مع حمل هذا الجسد على الأكتاف في المظاهرات (نتأمل من خلال رواية - الباب المفتوح - والتي تعد في الكثير من الأحيان انعكاس لشخصيتها (إحنا فاهمين إذا كنا حريم ولا مش حريم،إن كان الحب حرام ولا حلال) لطيفة الزيات مؤسسة الكتابة النسوية وأدب السيرة للمرأة العربية تلك السمكة المياسة الدمياطية،فتاة جميلة.زرع بدرى،لم يتذكر اصدقائها بالجامعة من الشباب والشبات إلا انها جميلة،فى وقت لم يكن فى جامعة القاهرة سوى 19 فتاةكانت تبحث عن ذاتها فى الذوبان فى شيىء ما خارج الذات الضيقة عرفت الفتاة فورة الجنس،وبحكم تربيتها وجديتها صادرتها،وفي ظل شعور حاد بالذنب دفعت في أعماقها الأنثى حتى غابت عن وعيها أوكادت،لايتبدى منها إلاالخجل الذي تستشعره من هذا الجسدالممتليء الغني بالاستدارات سكنتها المرأة المناضلة الجادة المتحمسة،اسطورة التحرر تحت وقع طبول الماركيسية لتكون امرأة "سجن الحضرة" ولكنها كانت تريد أن تعلنها أنها (أنثى) وعندما إشتدوا عليها باللوم قالت: "الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية" في إشارة إلى أنه قد يسقط الحواجز الإيديولوجية؟ إعتقلت1949تحت ذمة قضيةشيوعية وخروجت بدون إدانة؟ومن المفارقات أن يسألها وكيل النيابة قبل التحقيق لماذا؟! فأنت بنت عز وأصول ثم أنك جميلة لماذا البهدلة ..لماذا السياسة؟ وكأن السياسة للمهمشات والدميمات؟!.
وعلى نفس المنوال تقول شفيق في مذكراتها التي استخدمتها أن الحب كان مقترن في ذهنها ب"الرعب"، وتروي عن ارتباكها الشديد تجاه أولى تجاربها مع الحب خلال فترة دراستها في فرنسا مع شاعر فرنسى وكيف تأزم عليها الموقف بين من تقيم معهن وهن يغرن منها، ومن نفسها فقد كانت تعد رسالة الدكتوراة عن المرأة فى الإسلام. وربما أيضا من أبرز الوقائع المرتبطة بالجسد التي ترويها شفيق في مذكراتها هي رفض عميد كلية الآداب في جامعة القاهرة تعيينها إبان حصولها على درجة الدكتوراة وعودتهامن فرنسا لأنه لا يمكن أن يتحمل مسؤولية تعيين "أستاذة جميلة في الكلية"؟! وإدراك شفيق بالظلم الذي تعرضت له بسبب هذا الجسد.
وظل الجسد حائرا فى مذكرات شعراوي حول زواجها المبكر من رجل في سن والدها " شعراوى باشا" وشعورها بالعنف والتعاسة
لقد عجزت الدول العربية أن تكون نسوية، لأنها عجزت عن تقديم إجابات متعلقة بتحرر الجسد بل سببت المزيد من الارتباك حيث وعدت ب "تحرير النساء" عن طريق خروجهن للعمل دون طرح أسئلة المجال الخاص والحريات الجسدية والشخصية للنقاش.