( 1 )
تدخل إلى مبنى فخم لا تعرف بالتحديد هويته ، بنك .. شركة طيران أو سوبر ماركت ، تقف أمام مكتب استقبال ذو واجهة زجاجية تجلس خلفه امرأة شابة ، ترفع وجهها مرحبة فتشعر على الفور أن الوجه مألوف لك ، تفشل رغم ذلك فى تذكر أى شئ عن صاحبة هذا الوجه ، تقدم لها نقودا دون أن تسألك فتسلمك تذكرتى سفر وعدة قطع من الحلوى وملف يحتوى على مجموعة أوراق ، تتأهب للانصراف فيفاجئك أنها تنهض من خلف مكتبها وتشير إليك أن تنتظر ، تخرج إليك من باب جانبى ثم تومئ إليك كى ترحل ، تسير فتسير إلى جوارك كأنه أمر معتاد سبق أن قمتما به كثيرا ، تخرجان من المبنى وتمشيان مسافة قصيرة ثم تأخذ بيدك فتصعدان سلما معدنيا يؤدى بكما إلى وسيلة مواصلات ، تفشل فى التعرف على هذه الوسيلة ، طائرة .. قطار أو حافلة ، تقودك بلطف وابتسامة ساحرة تنير وجهها نحو مقعدين وثيرين ، تجلسان وتطلب منك أن تأخذ راحتك حتى لو اقتضى الأمر أن تنام على كتفها ، كل هذا وأنت لم تنطق بكلمة واحدة منذ أن خرجتما معا .. بل منذ أن دخلت إلى المبنى ، أما عقلك فهو غير قادر على تبين حقيقة ما يحدث ، وبينما تحاول تجميع أطراف الصورة لعلك تفهم شيئا تطلب منك فجأة قطعة من الحلوى ، لا تتذكر أين وضعتها فتمد يدها إلى أحد جيوبك وتستخرج منه قطعة ، تفض غلافها فى صمت وتهم بالتهامها لكنها تتوقف فى اللحظة الأخيرة ، تقسم القطعة بأصابعها إلى نصفين شبه متساويين ، بثلاثة أصابع من يدها اليمنى تضع أحد النصفين فى فمك وتتعمد أن تلامس أصابعها شفتيك ، تبتعد أصابعها بسرعة عن شفتيك ثم تلتقط النصف الآخر وتضعه فى فمها ، تظل كما أنت على حالك عاجزا عن الكلام أو فهم حقيقة ما يحدث ، تطلب منك مرة ثانية أن تريح رأسك على كتفها فتنفذ ما تقوله دون أن يكون لديك رغبة حقيقية فى النوم ، لكنك بمجرد أن تلامس رأسك كتفها تغمض عينيك وتستسلم سريعا لنوم عميق.
( 2 )
تستيقظ من نومك .. أو يخيل إليك ذلك ، تفتح عينيك وتغلقهما عدة مرات ، تنظر حولك فتعرف أنك ترقد على سريرك فى حجرة نومك ، وأن هذه التى ترقد إلى جوارك ولم تستيقظ بعد هى زوجتك ، يستعصى عليك فهم الأمر .. أين ذهبت الشابة التى نمت على كتفها ، التى أعطتك تذكرتى سفر ، قطع من الحلوى ، وملف به أوراق لم تقرأها ، أكان كل ما عشته حلما؟ وسيلة المواصلات الغامضة التى ركبتماها سويا ، أنت على يقين أنك جلست إلى جوارها فى مقعد وثير للغاية ، تتذكر أنها أخرجت من جيبك قطعة حلوى ، ولا تشك مطلقا فى أنها وضعت بأصابعها نصف قطعة الحلوى فى فمك ، لا تزال تشعر بملمس أصابع يدها على شفتيك ، وأكيد أنك وضعت رأسك على كتفها .. وأنك نمت ، نمت على كتفها ولم تنم هنا على سريرك إلى جوار زوجتك ، لم يكن أبدا حلما بل واقعا عشته حتى لو كانت بعض تفاصيله غامضة عليك ، لكنك أيضا لا تستطيع أن تنكر أن هذه هى حجرة نومك ، وأن التى تنام إلى جوارك هى زوجتك ، وأن لك منها أولاد وبنات ، تتذكر أبناءك فتنهض فى حذر كى لا توقظها ، تخرج من حجرتك وتتجه إلى حجرة الأولاد ، تجدهم غارقون فى نوم عميق ، تخرج إلى حجرة المعيشة وتجلس ساهما ، تفكر فى الأمر فيزداد يقينك أنك كنت هناك .. معها ، لم يكن حلما فلم تصل بعد إلى الحد الذى لا يمكنك فيه أن تفرق بين الحلم والحقيقة ، لكن الأمر يظل على غموضه .. فكيف كنت هناك وأنت الآن هنا؟ تعجز عن الوصول إلى تفسير مقنع ، تستبعد فكرة انفصام الشخصية أو تعددها فأنت رغم متاعبك لم تصل إلى هذه الدرجة بعد ، أما السفر عبر الزمن سواء للماضى أو المستقبل فأنت تقطع أنه لم يتحقق حتى الآن رغم أن له أساسا علميا ، إذن كيف تفسر الأمر .. تعجز عن الإجابة وتعود إلى نقطة الصفر ، يأتيك صوت زوجتك وهى تناديك ليقطع عليك تأملاتك ، تقوم إليها وأنت تحاول أن تبعد الأمر عن دائرة اهتمامك ولو إلى حين.
غـمـوض
بقلم: أيمن الأسمر - في: الخميس 16 نوفمبر 2017 - التصنيف: قصص
فعاليات
مناقشة رواية النباتية لهان كانج الحاصلة على جائزة نوبل للأدب
نوفمبر 08, 2024
تمت منااقشة رواية النباتية يوم الجمعة 8 نوفمبر 202...
Art Auction: Support Palestinian Families in Gaza
أكتوبر 18 - 20, 2024
Join us on October 18th for Art for Aid, an online...
مناقشة نصف شمس صفراء لشيماماندا نجوزي أديتشي
سبتمبر 28, 2024
تمت مناقشة رواية نصف شمس صفراء للكاتبة النيجيرية ش...
إدوارد سعيد: الثقافة والإمبريالية
يوليو 27, 2024
تمت مناقشة كتاب الثقافة والإمبريالية لادوارد سعيد...