منذ شهور كنت أقرأ التقرير السنوي ، الذي يصدره برنامج هيئة الأمم المتحدة للتنمية لسنة ۱۹۹۷ ، المسمى تقرير التنمية البشرية . لفت نظرى ما كان مكتوبا فيه ، عن وضع المرأة في العالم.
جاء في هذا التقرير ، أن النساء يمثلن أكثر قليلا من نصف سكان الكرة الأرضية ، وثلث القوى العاملة في العالم. ومع ذلك لا تحصلن إلا على عشر الدخل العالمي ، ولا تستحوذن إلا على 1% من إجمالى الملكية . بين كل ثلاثة من الأميين ، توجد امرأتان في بلاد الجنوب، نصف إنتاج المواد الغذائية مصدره عمل المرأة . وفي البلاد الصناعية الغنية ، ما زال أجر المرأة العاملة ، من نصف إلى ثلثي أجر الرجل، و٧٠% من الذين يعانون الفقر والجوع من النساء . كل سنة يموت عشرون مليونا من البشر يسبب الجوع ، ويعاني ألف مليون من سوء التغذية المزمن ، وأغلب هؤلاء من النساء . كما أن النساء تشكلن ٧٥% من إجمالي عدد السكان المهاجرين في العالم.
إن إحدى الحقائق التي تغيب عن أذهان الكثيرين من الباحثين والدارسين ومن الناس عموما ، وخصوصا الرجال الذين يعارضون عمل المرأة ، هو أن ثلثى العمل المبذول على نطاق العالم تقوم به النساء. وأنه لولا هذا العمل لانهار المجتمع ، وتوقف الاقتصاد، وواجه الرجال الذين ما زال الكثيرون منهم يعتبرون المرأة كائنا أدنى ، استحالة في مواصلة الحياة . أما الثلث المتبقى فيقوم به الرجال . هذا ما توضحه لنا الكاتبة الألمانية «مارياميز» في مؤلفها الصادر عن دار زيد تحت عنوان «الأبوية»، والتراكم علي نطاق العالم» (طبعة ۱۹۹٥ صفحة ۱۱۷) .. وتضيف الكاتبة ، أن نسبة ٧٠٪ من القوى العاملة في المناطق الحرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مكونة من النساء ، وأن أغلب هؤلاء يتراوح عمرهن بين ١٤ و ٢٤ سنة.
إذا أضفنا إلى النساء اللاتي يعملن فى مناطق الإنتاج الحرة ، والتي بدأت تزحف على بلادنا أولئك العاملات في الأنشطة الموجهة للتصدير والصناعات الزراعية والصناعات التكميلية ، مثل الشطائر الإلكترونية ، أو القطع التي تدخل في آلات الصناعات الهندسية ، أو الصناعات الحرفية، والمنزلية أو في القطاعات غير الرسمية التي تسمى أحيانا سوداء أو عرقية ، لأنها تفلت من تحت إشراف القوانين العادية، أو في الزراعة ، سنكتشف أن نسبة كبيرة من القوى النسائية العاملة في بلاد العالم الثالث أو البلاد المرشحة لكي تتحول إلى عالم رابع تقوم بإنتاج السلع التي ترسل لأسواق ، أو مصانع البلاد الرأسمالية المتطورة . كما أن هناك مئات الملايين من النساء ، اللاتي تقمن بأغلب المجهود الشاق فى الحقول والمزارع المنتشرة في آسيا ، وأفريقيا . وأمريكا اللاتينية ، لإنتاج المحاصيل السوقية مثل البن والشاي، والكاكاو وقصب السكر ، والقطن ، أو اللازمة لاستهلاك الآخرين ، أو للاستهلاك الذاتي البدائي ، الذي يسد رمق الفقراء الذين يحيون على شفا الجوع.
إن عمل المرأة خارج البيت ، أو حتى داخله مقابل أجر ، لا يختلف في جوهره عن عمل الرجل الذى ينتمى إلى نفس الطبقة والوسط الاجتماعي . ربما الفارق أن المرأة تخصص لها أدنى الأعمال ، وتلك التي تحتاج إلى الصبر ، والطاعة، والحذق اليدوى ، مثل قطف أوراق الشاي ، أو تجميع صفائح الإلكترونيات الدقيقة ، أو تطريز الرسومات ، أو صنع السجاد . وإنها في كثير من الأحيان ، تتلقى أجرا أقل من الرجل للقيام بذات الأعمال ، ولا تترقى إلا نادراً إلى المسئوليات العليا للإدارة والإشراف.
لكن المرأة تختلف عن الرجل ، في أنها بالإضافة إلى كل هذا ، تقوم بأعمال دون أن تتقاضى عنها اجراً. وهذه الأعمال يسقطها الاقتصاديون والاحصائيون ، من الحساب ولا يعتبرونها عملا . فهى تقوم بمختلف أعمال البيت . بكل المهام التي تتعلق بحركة الحياة لأفراد الأسرة التي تنتمى إليها ، أو بأعمال في الغيط مع أبيها أو أخيها أو زوجها ، دون أن يعطى لها أجر عن هذه الأعمال . فهى ترعى الحيوانات، وتربى الدجاج ، تطحن القمح ، وتنقى الفول والأرز ، أو ترص الأشولة ، وتصنع الجلة، أو تجلب المياه في الصفائح والزلع ، أو تقوم بمساعدة رجل من رجال الأسرة إذا كان صاحب متجر، أو ورشة صغيرة، أو صاحب حرفة .
لكن جميع هذه الأعمال سواء كانت تدر دخلا، أو كانت ضرورية للحياة ، لا تعتبر عملا بالمعنى المصطلح عليه لأنها بلا أجر ، ولا تظهر في البيانات ، أو الإحصائيات الخاصة بالعمل، أو المتعلقة بقوة العمل بشكل مباشر أو غير مباشر.