"كنت أرى أن العيب فينا، لا في الحب، وأن الحب حركة طبيعية تعبر بها الحياة عن نفسها، وإننا نحن الذين عقدناه وصلبناه على صليب الخرافة. لم أكن مقتنعاً أن الجنس مغارة ملعونة، كل من لامس بابها الحجري سقط ميتاً " "نزار قباني"..
"لا تقترب من حدودي إلا إذا منحتك أمارات الذوبان.. كم أشتاق إلى ما لم تعرفه النساء عنك، أحن إلى ما لم تأخذه أي امرأة من قبل منك" القاصة: منی حلمي..
"أجمل ما في الدنيا: الحب والرغيف والحرية، المرأة كالظل: تهرب ممن يطاردك، تطارده يهرب منك، الحب حلم والزواج حقيقة، وحياتنا أن نخلط بين الاثنين" .. أنيس منصور.
"الحب الذي يحدث بين الرجال والنساء في عالمنا الحديث أو الذي كان يحدث في المجتمعات السابقة منذ أن امتلك الرجل الأرض، وامتلك معها المرأة ليس هو الحب.. الحب لا يمكن أن يحدث بين سيد وعبد" نوال السعداوي
"بدون المرأة، الإبداع لا يكون جميلاً..." يوسف إدريس.
"وكانت فاطمة تثير الرجال أو على وجه الدقة تثير الرجولة في الرجال، وكأنماخلقت لتثير الرجولة، حتى الأطفال كانت تثير الرجولة الكاملة فيهم، فكانوا إذا رأوها قادمة من بعيد أحسوا برغبة مفاجئة في تعرية أنفسهم أمامها،... من مجموعة "حادث شرف" ليوسف إدريس
قد تكون هذه العبارات هي الأفكار التي حركتني، وقد أكون في هذا الكتاب حاولت أن أحل طلاسم بعضها.. أو.. أو.. لكني لا أستطيع أن أنكر أن لها تأثيراً. رغم أنها ليست بقلمي وإنما للآخرين ورغم أنها ببعض التفكير قد تكون كافية لكل شيء.
يقول الشاعرالكبير بهاء الزهير،أو البهاء زهير، كما ورد في كتاب الأغاني للأصفهاني أو الأصبهاني کما يقول آخرون:
يقول أناس لو وصفت لنا الهوى
فو الله ما أدري الهوى كيف يوصف
وبعد قرن من الزمن جاء أمير الشعراء أحمد شوقي فاستعار هذه الأبيات من الشعر الجاهلي وأعطاها للشعر الحديث فقال:
يقول أناس لو وصفت لنا الهوى
فقلت لقد ذقت الهوى ثم ذقته
لعل الذي لم يعرف الحب يعرف
فو الله ما أدري كيف يوصف
وبعده جاءت كوكب الشرق "أم كلثوم" وفي فيلم "سلامة"، سألوها "قولي عن العشاق" فقالت: عن العشاق سألوني؟وأنا في العشق لا أفهم!!
فهل يعقل أن البهاء زهير لا يعرف وصف الهوى؟!وأن أمير الشعراء أحمد شوقي لا يعرف الحب؟!وأن كوكب الشرق "أم كلثوم" لا تفهم العشق؟!
- هل الهوى هو الحب.. والحب والعشق ترادفان لمعنى واحد؟!
- هل الهوى هو السر الأعظم الذي لا يباح به؟!
وتأتي الإجابات متلاحقة بعد ذلك ومتضاربة.. نعم.. البهاء زهير لا يعرف الهوى إنه شاعر يحب أي أحد، وفي أي وقت، وهو سعيد في كل الأحوال.. إنه ليس محباً ولكنه عاشق؛ فالمحب له واحده، والعاشق له ألفا ، أما البهاء زهير فکان له ألف ألف، ولذا فهو لا يفهم في الهوى وهذا ليس رأياً سهلاً.. إنه رأی "طه حسين" نفسه فهو يرى أن البهاء زهير لم يشغل نفسه كثيراً بمعنى الحب ولا بمعنی العشق ولا بمعنى الألم إنه يرى الجمال فيهواه، ويرى الجميلات فيجلس عاشقاً وبالتالي لم يشغل نفسه بالألم والعذاب والهوان بين القلب والعقل، ولكن طه حسين قال لنا وبدون أن يقصد شيئاً عن الهوى، إن الحب له واحده، والعشق له ألف، ولكن هذه العبارة لم تمر بسهولة على العقاد فجلس في صالونه وجمع مريديه،وأعلن أن طه حسين ارتكب خطأ كبيرا..لقد عكس المعني بين الحب والعشق. فالعقاد يرى أن العاشق هو الذي أوقف حبه على امرأة واحدة، ولم يعرف في حياته غيرها ولذا فهو يعتبر "جميل بن معمر" الشاعر العذري عاشق لأنه كتب شعره في "بثينة" وحدها. أما امرؤ القيس والزهير وابن أبي ربيعة فهم محبون فقط لأنهم يحبون المرأة في ذاتها.. أي امرأة وليست امرأة معينه وبعينها".
وإذا كان ضبط العقاد للمصطلحات بين الحب والعشق مهما؛ فما معنى الهوى إن كوكب الشرق بعد أن قالت أنها في العشق لا تفهم مرت بمراحل كثيرة ومتجددة في معنى تلك العاطفة الإنسانية "الحب" عبر سلسلة من الأغاني والألحان منها: أنساك _ هجرتك _ جددت حبك ليه _ لسه فاكر _ ثورة الشك" وبعدها قررت شيء عن "أهل الهوى" وغنت: أهل الهوى.. يا ليل تركوا مضاجعهم
واتجمعوا يا ليل.. صحبة وأنا معهم
فوصف أهل الهوى بالسهر وترك المضاجع والصحبة وصف الحب في حالة ديناميكية..تفاعل..حرکة. التعذيب والعذاب..الألم والإيلام. عذوبة القبلات والزفرات.. العشق والحب في جملة مفيدة إذن الشاعر"أحمد شوقي" لا يعرف فعلاً الحب؟! إنه لا يعرف المعاني وحدودها وسدودها فهو يجعل الهوى مرادفاً للحب، ويقول أنه لا يستطيع أن يصف. نعم له حق؛فالحب غير الهوى،والعشق غير الحب!! إنه توقف عند باب الحب وعرفه بشعره: نظرة.. فسلام.. فكلام.. فموعد.. فلقاء.
وجاء "أوفيد" فارس العبقرية اللاتينية بكتابه "فن الهوى" الذي ترجمه ثروت عكاشة وجعله أنيس منصور مقدمة لكتابه "من أول نظرة" يقول: نعم لا يعرف أحدالهوى غيري؛ فالهوى يعني بوضوح الحب في كأس الحب.. أو الحب في كأس الجنس أو هو يعني أن كلاً من الرجل والمرأة قد سقطا في حب معاً للآخر وبالتالي فأنا أول من يبوح بالسر الأعظم الذي لا يقدر عليه هذا أو ذاك!! والكتاب هو نصائح في "الهوى" ويقول أوفيد: "كلنا مشغولون بأن نكون معشوقين لا عشاق محبوبين لا محبين، وهذه أكبر غلطة!! فالهوى فن اتبعني وأنا أجعلك سيداً على كل النساء.ونفس الوضع للمرأة، إنه يضع لها نصائح بنفس المعنى ويقول أن الآلهة الإغريقية حينما سقطت في حب البشر..تحركت،استخدمت الفن والتكتيك!! ولكن الكتاب يبدأ من مرحله متأخرة أن تكون سقطت في الحب وتحاول أن تلفت نظر من تحب فماذا تفعل؟! أو أن تكون سمعت عن الحب وتريد أن تسقط فيه.. فكيف تتحرك؟!
ونبدأ من النقطة الثانية: الحب لا يأتيك وأنت تغلق عليك بابك،الحب ابن الزحمة وليس العزلة..تحرك.. اذهب إلى السينما والمسرح والحدائق والأماكن العامة انظر فيما حولك واختار.. فإذا اخترت؟! حاول أن تتحدث أو تدير مناقشة لا يهم الطرف الثاني لا تنظر كثيرا لرد فعله فالحب عدوى والمحب الجيد يستطيع أن يسقط محبوبه بالفن. أما النقطة الأولى، وهي الأساسية في الكتاب فتأتي بعد مرحله السقوط في الحب.. فيقول: ابعث الرسائل تعرف على أصدقاء من تحب؟! تعرف على خادمتها..لابد من خادمتها،واكسبها لصفك حتى إذا كانت متزوجة تعرف على زوجها اجعله رفيق عمرك؛ فالحب يبرر ما تفعل؟! فالكتاب ليس كتاباً أخلاقياً ولكنه.. فن الهوى.. آه من الهوى.
ولأن ضبط المعاني ومعرفتها شيء يشغل النقاد والفلاسفة والمؤرخين ورجال الاجتماع وعلم النفس أكثر من العشاق والمحبين.فتح كل الناس عيونهم على كتاب إريك فروم "فن الحب" فلقد اتضح أن الحب لا يصفه الشعراء ولا يعرفه الملوك الذين عندهم ألف جارية وألف حجرة نوم وإنما الأمر يحتاج إلى علماء النفس الذين كان منهم "فرويد" أشهر من جعل الجنس يقود حياتنا.؟! إريك فروم يقول الحب فن وعلم، الحب يا سادة نظرية تحتاج لدراسة!! وهذه النظرية في هذا الكتاب..
ويقول: دعني استفزك بمصطلحات علم النفس حتى أثيرك فتكون معي ولتعرف حقيقة نفسك.. هناك طرفان لا يصلحان للحب قد تكون أنت أحدهما:الماشوستي، والسادي رغم أن كلاً منهما يعتمد على الآخر الاختلاف الوحيد أن الشخص السادي هو الذي يقود ويأمر ويحتقر ويذل. أما الماشوستي فهو الذي يقاد ويستعذب الألم والذل والاحتقار فإذا قلت ما هو الحب بعد ذلك الشرح أقول لك إنه العلاقة التكاملية غير التداخلية؛ فالمحب والمحبوب كل يكون نفسه، فالحب يحيل شخصين إلى شخص واحد ويظلان في نفس الوقت شخصين!! وقد يقول البعض كما قال أوفيد: الحب نشاط ولكن في كل نشاط يكون الإنسان مدفوعاً بانفعال ما، أو بدافع أو باعث، وقد يكون هذا الدافع هو الجشع أو الطموح أو حب البطولة، ولكن في الحب لا نكون مدفوعين بباعث، أو بنتيجة إذ إنه شيء يشبه الصوفية ولأن الحب إرادة وسعي ذاتي بدون بواعث فإن صفة العطاء هي التي تنطبق عليه أكثر من كلمة الأخذ ولأن المعاني المادية في نمو فکلنا شغلنا بأن نكون محبوبين لا محبين. ويضيف إريك فروم: دعنا نفرمل تدفق العبارات حتى نعرف معنى العطاء والعطاء في علم النفس لا يعني بالضرورة أن تضحي بحياتك من أجل من تحب، وإما أن تعطيه شيئاً حياً وأنت بذلك لا تعطي لكي تأخذ وإنما حتى تسعد فالإحساس يرتد. فالحب هنا يعطي الحب ولذا يقال "الحب يولد الحب" والمجرم يولد من أسرة عقيمة الحب!! إذن عطاء الحب ليس عطاء مادياً، ولكنه عطاء ثري لأن عناصره: الاهتمام والرعاية والمسئولية والاحترام والمعرفة.. وأنا مع المؤلف في قوله: إنه يعرف من وجه حبيبته كل الأعمال.. يفهم بغير کلام.. يكفي النظر!! ومن الأخطاء الشائعة التي يجب أن نتذكرها هنا التصور أن الحب يعني بالضرورة غياب الخصام أو انعدام الخلاف!! أن هذا مستحيل بل الحقيقة أن هذه الخلافات التي تحدث بين المحبين هي في الواقع محاولات لا شعورية يتجنبون بها صداماً حقيقياً؛ فالحب يكون ممكناً فقط إذا كان الاتصال بين الحبيبين هو اتصال بين المركزين من نفسيهما أو المركزين من وجودهما ومن حياتهما، إذا تعامل كل طرف منهما من مركز نفسه أو من مركز وجوده فإن في هذا التعامل المركزي فقط تكمن حقيقة الإنسان وفيه فقط تكمن الحياة الحقيقية. وأساس الحب.وحتى أكون أكثر وضوحاً فالحب يعني العمق في الاتصال النفسي بين الحبيبين.وإذا كان هذا هو الوجه النظري لفن الحب فنحن الآن نواجه مشكلة أكثر صعوبة هي التدريب على الحب.والكتاب لا يقدم روشتة فالحب هو تجربة شخصية نمارسها بأنفسنا ولأنفسنا، ومن الصعب أن نلتقي بشخص لم يعبر تجربة الحب في صورته الفطرية فإذا قلت لي ما هو سلاحي في التدريب على الحب أقول لك التركيز فحضارتنا العصرية تقودنا إلى نمط من الحياة مشتت يخلو من التركيز.
إذن ما الفرق بين "فن الحب" لإريك فروم - و"فن الهوى" لأوفيد أنه الفرق بين الشعر والعلم.. "فن الهوى" هو الحب في ظاهره في جناحه الديناميکي الواضح، أما "فن الحب" لإريك فهو الحب في باطنه الإستاتيکي الخفي.. إنه النظرية في معناها الأكاديمي، والنظرية عند التطبيق. وأوفيد هو أول شاعر يقول هذه العبارة التي يرددها كل الشعراء من بعده "الزواج هو القفص الذهبي الذي لا أريد أبداً أن أدخله. أعتقد أني سأفقد موهبتي الشعرية إذا تزوجت، ولكن لا أحد يستطيع أن يهرب من المرأة المحبة إذا أرادت أن تقتنص المحبوب" أما إريك فروم فهو صاحب هذه العبارة الهادئة "الذي لم يتزوج لم يمش في طريق الحب حتى آخره" وعبارة "لا أحد يعرف أن الحب يتفرع بعد الزواج وينتج نوع آخر شديد من الحب اسمه حب "الأولاد".ولذلك فعندما درس برنارد شو أعمال أوفيد - واسمه کاملاً "لبليوس أوفيدوس نازو" - قال ساخراً كعادته: أوفيد؟؟ ما كان إلا داعراً من مدرسة البتزول الرومانية ولا يستحق هذه المنزلة الرقيقة في الشعر والرواية، ومكانه على القمة الشماء مسروق في غفلة من معاصريه لأن أسوأ الشعر هو الشعر المرح الذي لا يدفع إلى التفكير،ولا يدعو إلى البحث العقلي، إن هذا الشعر مجرد مداعبات رقيقة ولكنها تافهة للأحاسيس البشرية.ورغم ذلك ترجم "فن الهوى" وطبع منها سبع طبعات بلغة بلد برنارد شو "الإنجليزية".
ولكن الشاعر القديم قال عبارة بليغة:"إذا شاب شعر المرء أو قل ماله فليس له في غرامهن نصيب"..فهل إذا أحبت المرأة سمي حبها غراماً؟! وهل الغرام غير الحب والعشق والهوى؟! هل الغرام هو فرع النساء من قضية الحب؟!فلقد جاء في مختار الصحاح للرازي أن الغرام الشر الدائم والعذاب، وفي القرآن الكريم قوله تعالى "إن عذابها كان غراما" ويفسره أبو عبيدة: أي هلاكاً وإلزاماً لهم ويقال أُغرم بالشيء أي أولع به!!
وفي السيرة والتاريخ الإسلامي أن ابن أبي بكر الصديق أحب ابنة أحد ملوك العجم وكتم حبه فلما جاء الفتح الإسلامي للشام ذهب في الجيش وقلبه مقسم بين نصرة الإسلام ورؤية حبيبته، وبعد الفتح انشغل بالبحث عن حبيبته بين الاسيرات وتنازل عن كل الغنائم إلا أن تقع فى سهمه ولم يعاملها كسبية حرب وانما تزوجها.فهى عطية الله له التى تمناها!! فانشغل بها حتى عن الصلاة،وعن الجهاد،فراجعه في ذلك ابوه أبو بكر وقال له: "طلقها لأنها شغلتك عن دينك"ولم يفعل ولم يوقف شغفه بها فاصر ابو بكر مرددا إنها غواية شيطانيه، فسمع لأبيه وطلقها، ولكنه حين امتثل وطلقها،مرض وخاب حاله. فشاور أبو بكر أصحابه في أمره فقال له على بن أبي طالب: "اجعله يردها فغرامها شديد". وهذا في المرأة التي قال بسببها علي بن أبي طالب "المرأة شر ولكن لا بد منه"!! واستخدم الإمام علي بن أبي طالب عبارة "فغرامها" وليس "حبها" وهو سيد البلاغة العربية، يعني شدة الحب أو شدة العشق أو شدة الهوى، فإذا اشتد الشيء صار غراماً. ولهذا فمعظم الشاعرات تستخدمن عبارة غرام، لأن حب المرأة أشد أو لأنه الحب والعشق معاً..ولكن الشاعر الدمشقي نزار قباني، اختزل كل العبارات والمعاني ووحدها في کلمة "الحب"؛ فإذا قلنا "الحب" فهو "تلك العلاقة بين الرجل والمرأة".وكل قصائده هكذا:
أحبيني... بلا عقد وضيعي في خطوط يدي
أحبيني لأسبوع.. لأيام.. لساعات فلست أنا الذي يهتم بالأبد
أو هكذا: أحبك جداً..وأعرف أني تورطت جداً
وأحرقت خلفي جميع المراكب ..وأعرف أني سأهزم جداً
برغم ألف النساء برغم ألوف التجارب
وجاء فرويد وقال عبارة: "لن تعرفوا شيئاً بغير معرفة الجنس!!"
إذا كان الحب هو العلاقة بين الرجل والمرأة، فإن ذلك لم يكن هو الحال عند بداية العالم. كان الرجل البدائي يلتقي بالمرأة البدائية ويبدد رغبته الملتهبة معها ثم يتركهابعد اتصاله الجسدي بها لمهام أخرى متعلقة بالصيد والقنص.فإذا عادت له رغبته مرة أخرى بدد رغبته مع امرأة أخرى فالعلاقة هي مجرد اللقاء الخاطف بين أي رجل وأي امرأة..فأين يظهر في هذا المشاع وهذا الانفصال العلاقات الحميمة؟! الحميمة؟! إنها لا تظهر إلا بالانتقال من الزواج الجماعي إلى الزواج الفردي _ بالاستقرار _ فالجنس سابق على الحب في التاريخ البشري؛ ولذا ففي بدايات الوقوع في الحب يكون الدافع للجنس موجوداً ومحركاً لكل شيء فيه فعلاقة الحب انبثقت يوم أن قرر الرجل أن يستدعي الأنثى بالحسنى ويقدم لها عقداً من العظم، واشتدت حينما قررت المرأة أن تكون لهذا الرجل وحده وتنتظره حتى يعود من الصيد. واستخدم فرويد في ذلك التحليل النفسي تعبير "الأنا" و"الأنا العليا" و"سلطة ما فوق الأنا" و"العقل" و"العقل الباطن"، وهي تعبيرات عن الذات والضمير والآلهة والمدفون في مكنونات النفس.
وشاء التاريخ أن يظهر الكاتب الفرنسي بلزاك ككاتب له اهتمامات بالحب يضع هذه الاهتمامات في الرواية أنه يكتب عن هموم الحب ففي روايته "زنبقة الوادي" يتحدث عن الشاب فيلكس الذي يقع في حب اثنين في مرة واحدة كونتيسة من زوجات النبلاء تهبه القلب والنفس وتحرمه الجسد، ونبيلة إنجليزية هي النقيض المقابل لها امرأة عملية تعطيه الجسد، والشاب ممزق لا يستطيع أن يترك واحدة دون الأخرى ويقول عن كل منهما كلاماً مولعاً.حراقا.إذن أصبح الكلام عن الحب مخلوطاً بالجنس، وفي قصة "امرأة في الثلاثين" يعرض لنا مشکلة أخرى للحب هي مشكلة السيدة جوليا ابنة دوق من أبناء الملكية ترعرعت بين أحضان التربية الإقطاعية وتزوجت أحد النبلاء، وكان لها نظرة رومانتيكية في الحياة واكتشفت أن الحب شيء والفراش شيء آخر،وأنها تربت في سياج الأحلام ولا تعرف غير هذه الهالة النورانية الغربية.وعلى يد بلزاك ظهر ثالوث العلاقة بين الرجل والمرأة،فلم يعد الرجل والمرأة فقط، فقد ظهر الرجل الآخر والمرأة الأخرى.وقرر"بلزاك" أن الجنس بين أبناء الطبقة النبيلة جعل للعلاقة بين الرجل والمرأة عدة أشكال: الزواج الشرعي _ الزنا _ البغاء _ العلاقة غير الشرعية وكل هذا يحدث إذا ما ظهر في حياة الزوجة حب آخر.وكان أسوأ ما قاله بلزاك إن الحب أيضاً يموت أو لا خلود في الحب وهذه هي الخطورة أو هذا هوالعذاب.ولأن الحب يموت والجنس لا يموت أو الرغبة المحمومة لا تنتهي جاءت كل التحاذير والنصائح ضد الجنس،حتى لا تخرب البيوت،وتضيع الأسر.وظهرت عبارة:الألفة _العشرة _المودة_الرحمة ولذا كانت عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم بليغة حكيمة حينما قال: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك." ثبتنا يارب على ديننا وعلى حبنا ونسائنا،لا تشتت قلوبنا ولا تفضحنا. فلم يكن شيئاً هيناً أن أكل آدم وحواء من التفاحة أنهما جعلا الجنس مكان الحب فجاءت مع الجنس الغواية.. نعم الهوى أن يكون الجنس في كأس الحب، فمتى يكن الحب في كأس الحب؟!.فهل وصفت لك الهوى..أم أني بعد كل هذا أكرر عبارة بدأت بها للشاعر بهاء زهير:
يقول أناس لو وصفت لنا الهوى
فوالله ما أدري كيف الهوى كيف يوصف
فالهوى هو الذي لا يوصف وهو الأبعد عن كل وصف، هو الغريب المقترب في هذا الزمان.هو الذى أوله هزل وأخره جد!
ويحذر الكل من أن الحب ليس لحظة أبدية، وإنما سيأتي الموت، أو الناس، أو تغير القلوب فيجعلك ذلك تفارق من تحب!!وكل المحبين من الشعراء في أشعارهم لحظة الفراق هذه، أو انتظارها، فيقول ديك الجن: "أخا الرأي والتدبير لا تركب الهوى.فإن الهوى يرديك من حيث لا تدري ولا تثقن بالغانيات وإن وفت . وفاء الغواني من بالعهود: من الغدر" حتى يا "ديك الجن"، وإن وفت بالعهد فإنها غادرة!! وعند المتنبي: "إذا غدرت حسناء أوفت بعهدها ومن عهدها:ألا يدوم لها عهد" أبو تمام له نفس المعنى بل أنه يعممه: سجينة طبع.. كل غانية هند. "يقصد هند بنت عتبة قاتلة حمزة عم الرسول" وعند كل الأدباء الرجال، الحديث عن لحظة الفراق، هذا الحديث يعني أن المرأة قد وجدت آخر لحظة الفراق لها أكثر من تسمية عند الرجل: الخائنة، العاهرة، السافلة. وأول محاولة في ذلك ظهرت في القرن الرابع عشر وتسمى "الفاشيتا" وولدت في حجرة فسيحة من حجرات قصر الفاتيكان وهذه كتبها شخص يدعى "بونشو"، وفي القصة هذه العبارة "كان لي صديق من بولونيا محترم بين أصدقائه، إلا إن زوجته كانت سخية جوادة مع الرجال، حتى أنها تعطفت عليه مرة أو مرتين في حياتها، ولكنها كانت مثل غيرها من النساء في هذه الأحوال تنكر كل شيء".وفي إيطاليا ظهرت قصص "الديكاميرون"، وقام بها جيوفاني بوكاشيو، وكلها تحكي عن لحظة موت الحب بسبب الجنس ففي حکاية "المرأة المنتصرة" يقول إن رجلاً علم بخيانة زوجته، فتركها تذهب للقاء عشيقها وتظاهر بالنوم وعندما عادت وجدته قد أغلق الباب من الداخل، فأقسمت بأن تلقي بنفسها من البئر المجاور للبيت حتى يسامحها، وسمع الزوج بالفعل صوت ارتطام بقاع البئر، فهرع إلى الخارج لإنقاذها، ولكن الخائنة كانت زكية فألقت حجراً في ماء البئر، أحدث الصوت الذي أزعج زوجها، وعند خروجه عادت للمنزل وأغلقت الباب ونادت على الجيران وقالت لهم: يا ناس.. يا هوه..يرضيكم أن يتركني هذا الزوج الظالم وحدي ويذهب ليحتسي الخمر في الحانات وها أنا أعلمكم بحاله حتى تشهدوا ويأتي الزوج من البئر مبلولاً يريد التدثر فيصدقها الجيران ويعتقدون أنه انزلق في البئر من أثر الخمر! حتى في الأدب الجاهلي كانت هناك قصص عن ذلك وأشهرها طلاق الشاعر امرؤ القيس زوجته "أم حندب" فقد طلبت منه ومن شاعر آخر أن يتبارزا بالشعر تماماً كما كان يفعل فرسان العصور الوسطى ويفوز بالمرأة من يقتل صاحبه،ولكنها كانت في عصمة امرؤ القيس (أقصد زوجته) فقد طلبت أم جندب من زوجها ومن شاعر آخر اسمه علقمة الفحل أن يتباريا لتعرف أيهما أشعر، فقال كل منهما: أنا أشعر منك يقصد من الآخر. فقال علقمة: أنا رضيت بما تحكم به زوجتك. فطلبت منهما أن يقولا شعراً يصفان به الفرس بقافية واحدة ووزن واحد.فارتجل امرؤ القيس قائلاً:(خليلي مر بي على أم جندب نقص لبانات الفؤاد المعذب)وقال علقمة الفحل:(ذهبت من الهجران في غير مذهب ولم يك حقاً طول هذا التجنب)..وحكمت أم جندب بأن علقمة الفحل أشعر من زوجها فطلقها وتزوجت علقمة، لذلك سمي بالفحل!!
ولكن المرأة لها أقوال أخرى: أشهرها المثل"يا مأمنة للرجال..يا مأمنة للمية في الغربال"،وهي ترى أن "الحب" أنثوي،و"الجنس" ذکوري. وتمسك بالتاريخ.. تاريخ الرجل بالطبع، وكأنها لم تكتبه معه. وفي إطار المنطقة العربية تقول "أن في العاصمة بغداد أيام العباسيين والقاهرة أيام الفاطميين، وفي دنيا السلاطين.كانت هناك بيوت للإثم تقوم ودور للدعارة تشيد،وأن المواخير والحانات وجدت في عصر الرشيد والمعتصم والمتوكل،وأن كثيراً من الكتب منها كتاب"الخطط" توضح أنه في مصر القديمة كانت تجبی ضرائب ورسوم من بيوت الفحش!! فأين الحب والرجل يلعب هكذا بالمرأة؟!فلا توجد امرأة ساقطة أو عاهرة إلا لوجود رجل عينه زايغة" وتكتب الأديبة "غادة السمان" بأن الذي صنع المرأة "الجارية"، هو الرجل، وأنه منذ هذه الحادثة وحدث ما حدث، أما الحكاية فحكاية الخليفة الأموي (سليمان بن عبد الله) مع الفضل بن قدامة حيث اجتمع عنده الشعراء وأمرهم الخليفة بقول القصيدة في موضوع "الفخر" وأشعرهم يربح الجائزة: جارية!! ويقرأ الفضل بن قدامه أبياته، فيفوز بإعجاب الفرزدق والخليفة معاً وتصدر الأوامر: ادفع إليه بالجارية..أما الجارية فهي"زهرة الرأي" التي كانت تحب فعلاً الخليفة الأموي، وقبل أن تفيق يقول الفضل بن قدامه لها:"والله إني لكنت أفضل المال؛ فعندي من الحريم ما يكفي" ويبيعها سراً حتى لا يعرف الخليفة وتجد نفسها بعد ليلة مع الشاعر، تباع لرجل آخر!! ولكن غادة السمان نفسها غدرت وهجرت اشهر الشعراء،واشهر الكتاب،وافضل الصحفيين وصعدت على جروحهم فى الصحف والمجلات.وبقلمها فضحت(غسان كنفانى) وهو عند فردة حذائها الأيمن،وأنسى الحج عند الفردة اليسرى. ولن يسكت الرجل عن اتهام المرأة بأنها هي التي أنهت الحب أو أنهكته،ولن تسكت المرأة عن الرجل بأنه هو السبب: تزوج غيرها وأضاف عليها، أو طلقها، أو سافر، أو رحل، ويقول: "سافرت من أجلك"وتقول:"افتقدتك!!"ويقول لها:"أسقطتني الغربة"،وتقول: "أضاعني الحرمان" وتسمع عبارة: العرق دساس؟! أي أنها الوراثة. وتسمع عبارة الشر موجود في كيان الإنسان العضوي،أما الظروف فشأنها قليل!! وتخرج ألف نظرية عن الخيانة، أو ترك الحب أو هجر المرأة.. أو.. أو.. وتبقی راية الدين مرفوعة، وباقية، ضد هذه الخيانة في التوراة: "فلما سمعت امرأة أوربا أنه مات، ندبته، ولما انتهت المتاحة ضمها داود إلى بيته وصارت له امرأة. وأما هذا الأمر الذي فعله داود، فقبح في عين الرب". وفي القرآن "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلَّقت الأبواب، وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون"!! إذن الجنس غير الشرعي شر سواء أكانت تمثله امرأة العزيز في قصة يوسف الصديق أو النبي الملك داود في قصة امرأة أوربا أو أي ساقط أوساقطة،فالقاعدة تقول:"تجوع الحرة ولا تتاجر بثديها" أولا تمارس الجنس إلا مع زوجها.إذن هناك الجنس الشرعي والجنس غير الشرعي. وحينما نشتهي الجنس غير الشرعي، أو نريد أن نغير فراشنا - بتعبير أولاد البلد - فتلك هي اللحظة التي لا تجعل الشيء أبدياً. فالحب أبدي، ولكن ضعف الإنسان جعله غير أبدي، ضعفه ضد السلطان وضد الناس وضد الاقتصاد وضد الفقر، وضد المرأة الأخرى والرجل الآخر..إن سارة زوجة النبي إبراهيم كانت مثالا لامرأة تقف ضد هذا الضعف من الملك الفرعوني، بعد أن ادعى النبي إبراهيم أنها أخته عند دخوله مصر ولكنها رغم ما فعله إبراهيم لم تقل عبارة کل امرأة: البادي أظلم.. وإنما كانت الأحكم!!.