فجعت ضمن فواجع نهايات عام2023بخبر وفاة الكاتبة المليحة [عائشة أبو النور] إبنة احد الضباط الاحرار "عبد المحسن أبو النور" الصديق المقرب للمشيرعامر والذى كان معه فى مشوار دمشق وقت وحدة مصرمع سوريا,وقد عملت (بالأخبار) برعاية مصطفى أمين وحققت نجاحات.ومع الصحافة كانت الرواية والقصة
وقد عرفتها عام1992وهى رئيسة تحرير مجلة "عيون" ودفعتنى الظروف للكتابة فيها كنت خارج من مجلة "سيداتى سادتى" بالمهندسين،لأجد فى نهاية الشارع الكاتبة د.منى حلمى ولما كنت اعرفها واعرف د.نوال السعداوى ود.شريف حتاتة (دخلت بيتهم وشربت قهوتهم وتونست بهم) سعدت باللقاء الصدفة،وعرفت منها حكاية مجلة "عيون"،انها فى شارع خلف مجلة "سيداتى سادتى" ولما كنت وقتها اكتب بالقطعة لايهم بمقابل أو مجانا، المهم الكتابة ،كنت حجر داير لاينبت عليه عشب .قلت لها :سأت معك.واتفق على الكتابة فيها.ففى مكان واحد عصفوران.مجلتان لن احرمهما من قلمى وضحكت منى وهى تقول لى: "نأبك على شونة" أنها مجلة نسوية يكتب فيها النساء فقط.ووصلنا معا للمجلة ،كان كل شيىء مشجع المكان شيك ووجدت هناك ثلاثة اديبات كبيرات:فوزية مهران وسلمى شلاش وعائشة ابو النور.وحصلت على اعجاب سلمى شلاش (عبارتها الشامية ( يجنن ) تقولها بكل عقل، لها أداء صوتى فهي تعطش الجيم وتنطق التاء مصري وتشم رائحة البترول في النون المضاعفة ورغم ذلك تصلك سورية المذاق !!) وفزت بالكتابة معهن من العدد3 حتى العدد22والأخير،وتوثقت علاقة العمل مع عائشة ابو النور،باختصار صرنا اصدقاء فقد كانت درويشة فى حب ثوار يوليوولذا طلبت منى عرض وتلخيص كل الكتب التى كتبها الضباط الاحرار بانفسهم وهكذا لخصت كل كتب السادات من مذكراته فى السجن وحتى البحث عن الذات ، وجاء الفنان العظيم محمد حجى ورسم وابدع ونشرنا كتاب (العشق والسفر برسوماته الجميلة وفية12 كاتب وكاتبة لكل واحد منهم قصة قصيرة موضوعها بنفس عنوان الكتاب وفتح الطريق للذكور للكتابة فى المجلة
حينما قرات كتابها الأخير ( أرحل .. لنلتقي ) .. شعرت .. بأنها مسكونة بالكتابة .. الابجديات عندها لها بعد روحي وبخاصة حين تخلطها بالغياب والسفر ، حروفها لها بعد ميتافيزيقي فيما تخطه من قصص وروايات فتتوحد مع ما تكتبه ، وتكتب ما تتوحد معه !! وهي نفسه لا تنكر أنها بعد نهاية كل عمل تشعر بأنها كل ما كتبت !!وحينما كتبت القاصة " عائشة ابو النور (*) " في مقدمة مجلد الأعمال الكاملة الأول " اعتراف " لم تجد مشكلة أقرب لوجدانها من هذه المشكلة ، هل ما تكتبه سيرة ذاتية أم أدب اعتراف وإذا بها تفجر قنبلة دار حولها الفقه الأدبي لفترة وهو ما سميته ( بالأدب الذاتي ) قالت فى اعترافها : أود أن أسجل اعترافا وهو أني أكتب أدبا ذاتيا ( وليس سيرة ذاتية ) بمعنى أن أبطال قصي يفكرون بعقلي .. ويتحدثون بلساني .. ويعكسون مشاعري .. والفارق الجوهري بين السيرة الذاتية والأدب الذاتي أن في الحالة الأخيرة لا تكون الأحداث والشخوص المثارة في النص الأدبي واقع عايشه الكاتب بكل تفاصيله في فترات متغايرة من حياته . بل يشكلوا في مجموعهم مجرد "ديكور" عام مسخر لخدمة الفكرة موضوع الرواية ، وقد قمت بهذا العمل انطلاقا من ايمان شخصي بأن الكتابة عبر الذات الخاصة للكاتب تعتبر من أصدق أنواع الكتابات وأكثرها حميمية .. وبالتالي أشدها قدرة على النفاذ والتأثير في أعماق القاري .. طالما هي تستخدم أكثر الطرق ايجازا وبساطة وهما : الصدق .. والحقيقة ، ففي النهاية أنا لست سوى الآخرين .. جزء صغير لا يتجزأ عن كل كبير .. همي الخاص متضافر مع الهم العام .. والهم العام سارح في نبض عقلي ومشاعري ، كما الدم يسرح في عروق وشرايين الجسم .ولكن السؤال الذي يبقى ليؤرقني حتى هذه اللحظة ، هو لماذا أكتب ؟ لماذا يكتب غيري من الأدباء قصصا وروايات في زمن تحوطه المخاوف بأسلاك شائكة ما جدوى كلمة مطبوعة على صفحة بيضاء في مواجهة قنبلة نابلم ومجاعات يروح ضحيتها مئات )
وكانت بداية الحوار من هذه النقطة .. إنها ترفض النقد البوليسي أو المباحثي في الأعمال الأدبية ، حين بتلصص الناقد أو القارئ كما تقول : من أدبي على حياتي الشخصية افتراضا من أن كل قصة أكتبها هي تجربة شخصية ؟!!
وقد أوضحت لها أن هناك مدارس في النقد الأدبي تعتمد على علم النفس والتوحد بين الكاتب والمكتوب ، وأن هناك نظرية شهيرة في ( الأدب الذي تكتبه المرأة ) ترى أن المرأة تكتب بأعباء جسدها وفسيولوجيا هذا الجيد ، ولهذا فهي تختلف عما يكتبه الرجل ؟! وقالت : هذه النظريات متهمة بعدم النضج .. القارئ والناقد ليس له الخروج على حدود النص أو تحميل النص ما يرفضه الكاتب نفسه .
شملنا سكون وكأن الحديث لا يقاوم روعة الصمت .
وخلال هذا الهدوء تذكرت وصف صديق اقترب من " عائشة أبو النور " ووصفها : بأنها شجرة رائعة لا تهتز أبدا .
فإذا أقبل الريح أو شبت عاصفة صمدت لها ..
لو كنت مورافيا لفعلت !!
نعم .. كنت سأفعل مع ( عائشة أبو النور ) ما فعله مورافيا مع ( كلوديا كاردينالي ) .
كنت .. سأكتب عنها كتاباً !! ..
فهي كما تقول الناقدة الأدبية ( فوزية مهران ) : عصرية وغجرية ، عريقة وبدائية ، ساحرة ومتحررة .. ولقد سألها عن ذلك ( فاروق شوشة ) في برنامجه التليفزيوني ( أمسية ثقافية ) وتهربت بلباقة قائلة : الناقدة .. تقصد عائشة أبو النور " القاصة " لا عائشة أبو النور " الإنسانة " !!
أما معي فلم تعاند وقالت ضاحكة : على فكرى .. أنا امرأة من برجين : القوس والجدي .. فمولدي في 23/12/ .... وهو نهاية برج وبداية برج فلكياً !! يمكن يكون ده السبب ؟!
وقبل أن أضع أي علامات استفهام قالت : أن أعتقد في تناسخ الأرواح .. وهيام هذه الأرواح ولي في هذا الموضوع قراءات كثيرة .. ولذا فيمكن أن أكون ولدت من قبل بشكل ما .. وفي مكان ما وبالرصد أكون ولدت أربعة مرات من قبل ؟!!
وفي فترات حياتي الحالية يشدني هذا الوجود فمثلا حدث لي اشتياق فظيع للهند واشتريت أكثر من ساري هندي وأخذت تقاسيم وجهي شكل هندي .. وفترة أخرى فرعوني .. أجدني معلقة بهذه الحضارة .. أكون حتشبسوت وأحياناً أتوحد مع كارمن الغجرية الشهيرة " مع انها شخصية أدبية على الورق .. لكنها تتقمصني ".. ومرت كنت " درية شفيق " شعرت بحالة توحد معها غربية .. لمجرد صورة رأيتها لها وتحتها خبر انتحارها .. فجأة أصبحت أقلد طريقة لبسها القديمة وكتبت قصة اسمها ( الشبيهان ) عن هذه الحالة !!
وانتابني ما أنتاب البرتو مورافيا الكاتب الايطالي الشهير حينما ذهب لإجراء حوار مع كلوديا كاردينالي في تجربة لأحد المجلات عرضت عليه فيها مبلغا من المال .. ذهب ليحدثها كممثلة مجرد حوار .. ولكنه وجدها كيان أنثوي مختلف ونادر فراح يستنطق مواهبها الدفينة تحت الجلد .. وامتد الحوار ليصبح فيما بعد كتابا سجل أرقاما خيالية في التوزيع !! ولكني بالطبع لست في موهبة وفن وجراءة مورافيا !!
وها أنا اقترب من شواطئ تلك الكاتبة الرقيقة جدا والحساسة جدا والأنيقة جدا .. ومع عائشة أبو النور ضع جدا ولا حرج .. افتح معها صفحات الكراسة .. كراستها الخاصة والحميمة .. وأنا أدندن بأغنية جون ترافولتا الشهيرة " More than a Woman " ..
قلت لها : ارتبطت في الصحافة بكراسة السفر ..
ثم أضفت لها كراسات العشق والفن .. إيه حكاية تعبير الكراسة المصرة عليه في الكتابة .
ثم لماذا ربطتي بين العشق والسفر مع أن الإغريق يقولون : لا ينبت عشب على حجر .
أي أن العشق ابن الاستقرار لا السفر ؟!
قالت : كلمة كراسة فيها حميمية وخصوصية .. منذ كراسة المذكرات أيام التلمذة .
وكراسة الفن والعشق والسفر تلخص رؤيتي للحياة ، فالحياة إما فن أو رحلة سفر أو عشق .. وأنا لا ألوي الحكمة الإغريقية ، لأن العشق لا أقصد به عند السفر الرجل .. ولكني اقصد به عشق الجديد والغير مألوف والثقافات الوافدة والوجوه الجديدة .
ولقد سافرت كثيراً ولكني لم أكتب إلا عن القليل ، لأن السفر ليس مجرد الانتقال لمكان ، لكن المهم المشاعر والأثر الذي يتركه هذا المكان ، وقد لاحظت أن الأماكن التي بها طبيعي بكر سواء هادئة أو متوهجة تعيد شحن وجودي الكهرومغناطي وقد تعجب إذا قلت لك : إني لا أحب عواصم البلاد ولكني أحب موانيها .. فأنا لست ابنة المدينة ولا ابنة الريف أنا ابنة الجزر والشواطئ أحب الحياة بالقرب من الماء .
المدينة لا أعرف لماذا تجعلني في حالة انطفاء وأكسدة .. على الجزيرة أشعر بتلاحم ميتافيزيقي مع الطبيعة !!
أذكر أن لي تجربة ( ميتافيزيقا ) في أحد جزر ماليزيا وهي جزيرة " بيبنانج " شعرت وكأني ولدت عليها .. موجات وذبذبات غير مرئية كانت تشدني للبقاء فيها وبمجرد أن غادرتها انتابتني حالة حزن غريبة انتهت بمرض عانيت منه لفترة في منزلي بالمعادي .
ثم أن البلاد التي عجبتني لا تعجب كثيرين مثلا أنا احببت : سيبريا وماليزيا واسبانيا وعشقت قرطبة !!
قلت لها : أشعر بأن كراسة عشقك فيها معاناة .
فحبيبك على الورق حبيب كالحجر مسافر .. العلاقة في معظم قصصك طياري .. الخطابات هي القبلات اليومية .. التليفونات هي الرئة التي يتنفس منها حبك . حتى أني أعتقد أن اللقاء في ترانزيت المطار ؟!
قالت : الحب ثلاث حالات
حب انتهي فهو ماضي
وحب تبحث عنه وعندك إحساس بوجوده فهو حاضر
وحب تحلم به ولا تجده فهو المستقبل
قاطعتها هناك حب رابع دائم ماضي وحاضر ومستقبل الحب الموجود في المنزل .. الزواج .
استمرت على العموم أنا لم اعرف الحب المستمر الموجود في المنزل .. والكاتب يكتب عن الأشياء التي يعرفها .. فهو يكتب عن الأشياء التي مرت به أو مرت على ناس يعرفهم ولهذا لم أكتب عن الفلاحة ولا المرأة في الأحياء الشعبية ولا الحب من النوع الرابع !!
قلت لها : في كراسة الفن .
أجد حالة غريبة أنتِ منضمة إليها أن معظم المبدعات والأديبات في الشرق مطلقات أحدهم مرة واحدة ومعظمهم أكثر من مرة فهل الطلاق هو عقوبة القدر للمرأة الكاتبة ؟! هل هو صخرة سيزيف التي تحملها مع قلمها ؟! تطالب بالحرية .. فإذا جاءت طالب بالرجل ..
قالت : أنا أؤمن بأن أي امرأة طبيعية ولنضع خطا تحت طبيعية لا تستطيع أن تقاوم حلم الرجل والأسرة في حياتها وأنا امرأة طبيعية فلا أفصل بين الكتابة والرجل ولست عدوة للرجل .. بل تزوجت مرتين . وطلبت أنا أيضا الطلاق مرتين .. فأنا كتاباتي أساسها رفع الأقنعة عن الذات والآخرين . وبالطبع حملني هذا القرار كثير من التضحيات . فلا أحب أن أحصل على مكسب عن طريق ارتداء قناع زائف فاتخاذ قرار مصيري كهذا يحتاج ( لشجاعة ) بغيرها نرتدي أقنعة الزيف وندخل في دوامات أهما " أن نخسر أنفسنا " فأنا معتقدة في الأسطورة الإغريقية التي تقول : إننا جئنا الحياة لنعيشها ولنقضيها نبحث عن النصف الآخر التائه في رحلة الحياة .. إذن ليس أي رجل هو نصفي .. وحينما أتزوج بغير مكملي ومتممي ونصفي الآخر عار علي أن أستمر .. ولو تحت ألف عقد وألف مسمى ..
وهنا أقول لك عن نظرية " الفين توفلي " عالم الاجتماع وصاحب كتاب " صدمة المستقبل " المرتبطة بالأسطورة الإغريقية وأنا اعتبر إحدى المعتنقات لها .. ماذا يقول ؟!
إنه يرى أن الأسرة حالة مستمرة لن تنقرض كما قالت الماركسية واكنها ستتطور وتتعاقب وتظل في حالة ديناميكية .. حالات من الزواج المتعاقب بمعني أن الزوجين اللذين صنعا البدرة الأولى للأسرة لن يستمرا معا دائما ولكن الاستمرار للأسرة ذاتها وبعد الانفصال يمكن لكل منهما أم يتزوج من جديد .. وهنا يستمر الأولاد مع ( العائل المختار ) أي مع أحد الزوجين .. الذي يمكن أن يساعده عند زواجه ما يسميه ( توفلي ) ( العائل البديل ) .. وفي قرار انفصالي قررت بشجاعة أن أكون ( العائل المختار ) .
ثم زواجي لم يكن تياري .. وقراري لم يكن طفولي متسرع .. فمع زوجي الأول عشت 13 سنة ومع الثاني عشت 6 سنوات .
وأنا حالة نادرة في مثل هذه الحالات بالاحتفاظ مع الزوج السابق بالاحترام المتبادل فهو أب أولادي !!
وأقرأ من مجموعتها الأخيرة " والرجال .. يخافون أيضا " .. والتي أهدتها لي " Quotation " قبل قصتها " معزوفة الوداع " تقول فيه : حبيبي .. لا تجعل أمومتي لأبنائك .. قضبان سجن يحول دون الدنيا ودون حلمي الواسع .. أمومتي .. ليست سلاحاً موجهاً ضد حريتي .. ليست عقاباً أستحق عليه القمع والكبت .. حبيبي لا تعاقبني بأمومتي .. وإلا تنازلت لك عن العرش !!
أما القصة ذاتها عن حالة انهيار لحب يقول فيها كل طرف ويعلن الانهزام والعجز من خلال رحلة قطار وسفر وهو معنى رمزي وفيها : ( قالت عيناه تعاتبها :
- كان بإمكانك تأجيل لحظة الوداع لمحطة أبعد .
اعتذرت عيناها :
- تعبت من الانتظار " سئمت الانتظار " إذا كان لابد من الوداع فليكن عند أو محطة .. )
قلت لها " ربطت الاحاديث بين حياتك الشخصية وأعمالك الأدبية .. ولذا قالوا أنك تكتبين "سيرة ذاتية " وحينما قلتي في مقدمة أعمالك الكاملة ( اعترف ) أكتب ( أدب ذاتي .. لا سيرة ذاتية ) قالوا : غن أدبها مذكرة دفاع عن ثورتها وتمردها ووجوديتها ؟!
قالت : السؤال الذي لم يطرحه أحد ولم يثيره نقاش ، ما الذي دفعني بكتابة هذا الاعتراف بعد نشر دام لمدة ثمان سنوات للقصة القصيرة وعند جمعي لأعمالي الكاملة – لقد كنت أسمع وأقرأ من يقول صراحة وبما يشبه اليقين أني ( الغجرية الممثلة ) في ( مسافر في دمي ) .. وأني متخفية بشخصيتي وراء : شادية وسوسن وسلوى في رواية ( الإمضاء . سلوى ) .
وبعد سنوات من تكرار الاتهام " قررت ألا أرد على الاتهام ولكن أفسره بطريقتي فكتبت (الاعتراف ) ، أما إن أعمالي ( مذكرة دفاع عن تصرفاتي ) فهو نفس الاتهام بتسمية أخرى وقد عبرت عنه في كتاب : ( أحبك لا أحبك ) في قصة ( أديبات .. ولكن ) وأقول للمرة الألف بطلاتي في قصصي هن شعاع مني وأنا شعاع منهن .. ولكن المشكلة أن معظم من يقرأون لي أو لامرأة يقرأون بدافع التلصص على حياتها الشخصية افتراضا منهم أن كل قصة تكتبها الانثى تكتبها عن تجربة شخصية وهو مؤرق للأدب النسائي .. مع أني حينما أكتب سيرة ذاتية سأقول ذلك صراحة مثل ( لطيفة الزيات ) فهل من المعقول أن أعيش وأكون بطلة لكل ما كتبت من قصص .. فأنا نشرت ما يقرب من ستين قصة قصيرة وروايتين ، فمن غير المعقول أن اكون عشتها بشكل واقعي وشخصي !!
قلت لها : الشجاعة عندك مهمة ولك مجموعة تهديها إلى الشجاعة فلماذا الشجاعة من دون القيم .. أنت بهتم بها ؟!
قالت : ولي عبارة قبل أحد قصصي القصيرة أقول فيها : كنت حبيبي إلى لحظة اكتشافي أن بينك وبين الشجاعة مسافة " فالشجاعة مرتبطة بالنبل وبالمبادئ والقيم وبأن يكون لك موقف وتدافع عنه .. وبغيرها ستصبح تابع .. ستضطر أن تدافع عن مبادئ الغير التي ربنا لا تكون راضياً عنها.
( ويدفعني الحنين والمجهول لقراءة القصة التي كتبت قبلها هذه العبارة عن الشجاعة وأجدها قصة بعنوان ( أزمة حنان ) تذهب فيها زوجة لابنة ليل ( مومس ) تسألها لماذا يأتي إليها الرجال ؟! ماذا فيها ؟! ما سرها ؟! وتقول لها المرأة : إن المسألة حب استطلاع ، بحث عن مغامرة مسروقة!! وترى أن الامر بهذه المعنى سيستمر ويبقى ويتخذ أشكالا ًوصورا ًمختلفة .
وهنا تقول الزوجة " طالما أن رمزي يستوي عنده الجسد المباح المعروض للبيع والشراء ، وجسدها التي تعتبره قلعتها وكرامتها وأرضها ، طالما أن رمزي يستوي عنده الأمران ، والجسدان ، والقيمتان، فهي إذن ، ومنذ هذه اللحظة " تكرهه !! " ) .
قلت لها : الإهداء في أدبك عنصر أساسي عندك .
ففي ( ربما تفهم يوما ) كان الإهداء للوطن المسافر دوما في دمك .. وفي " الإمضاء .. سلوى " كان الإهداء إلى أبيك عبد المحسن أبو النور وفي آخر اعمالك ( أرحل لنلتقي ) الإهداء إلى ( أبو .. النور ) وهنا أتوقف لماذا لا يوجد عندك الإهداء الأنثوي لابنتك فرح أو لأمك مثلا .. وهو (أبو .. النور ) هو إهداء آخر لأبيك أو جدك .
قالت : الاهداء في حياتي شيء خاص – وفي أدبي سر لا يجوز للنقاد فض طلاسمه فدور القارئ والناقد يبدأ مع النص أما الاهداء فهو لأناس أعرفهم وما يهمني فيه أن يعي هؤلاء فقط معنى الإهداء وبالتالي فلا معنى للأنوثة أو الأمومة أو حتى الأبوية في الإهداء ..
حتي حينما أهديت ( الامضاء سلوى ) لأبي لم يكن بمعنى الأبوة وإنما بمعنى أنه النصف المكمل لي فحياته جاءت أعمالا ًوإنجازا ًأما انا فعملي حروف ونقاط وبالتالي دعني بعيدا ًأودعك بعيدا ًعن حدود أسرار إهداءات كتبي .
قلت لها : أعتقد أنه حان الوقت لنفتح كراسة الثورة ، فأنت ابنة أحد رجالها وعشتي أيامها .. واقتربتي منها ؟! ولم أكن أعرف بأني بهذا السؤال دخلت مغارة خاصة في عاملها فطلبت شايا ً بنعناع شاركتها فيه وأخذت أستمع منها وهي هادئة وعلى مهل !! .
قالت : الثورة مسافر دوما في دمي وأسأل دوما لماذا لا تكتبين في السياسة وأنتي ابنة ثورة يوليو ، وأقول : إن أي قصة عاطفية سياسية ، أن أكتب عن المرأة واعتبر ذلك سياسة فأنا اتكلم عن السياسة في حياة الناس عن انعكاسها على عواطفهم وحياتهم الشخصية لدرجة أني اعتبر قصة "تحقيق في جريمة حب " سياسة والناس تريدني أن اتحدث عن أسرار الثورة والحقيقة أن والدي أبعدنا تماما عن السياسة وفصل بين السياسة والوزارة والبيت بذكاء وحسم ، بل إنه لم يكن بيننا صداقة عائلية مع الوزراء والسياسيين رغم أنهم جميعا كانوا أصدقاء والدي باعتبار أنهم جميعهم ضباط الثورة الأحرار .
ولم أر المشير ولا الرئيس جمال وأولادهم إلا في مناسبات وأفراح خاصة وتحت إلحاح يقرب من الأوامر العسكرية ، ولكني أتذكر قبل حادث 67 بشهور أن أجرى والدي عبد المحسن أبو النور عملية جراحية وعاش وقتها فترة نقاهة وفي يوم ( أحد ) أذكره رن التليفون وإذا بالمتحدث يقول : عبد الناصر والمشير والسادات في الطريق لكم !!
وحدث هرج ومرج وترتيب وإعداد سريع ولم يكن أحد مع أمي غيري وبالتالي وقع على تكليف بحمل صينية القهوة لأشهر رجالات الثورة ، ولم أهتز ولم ينجرح وش القهوة كما يقولون وأنا أقدمها وكنت وقتها بنت أربع عشر سنة وإذا بعبد الناصر يقول : ما شاء الله عند بنات في سم الزواج !! وفي نهاية الزيارة اقترب السادات من بابا وقال : نقرأ الفاتحة ابنتك .. لأخي ؟! وقال له والدي : يا سيدي بعد ما تخلص تعليم دي لسه عيلة عندها 13 سنة ، واستغرب السادات وقال : بنتك زرع بدري .. يا عبد المحسن !! .
قلت لها : الوحدة مع سوريا .. ذكرياتك !!
قالت : عشتها وتأثرت بها وعرفت الكثير وقتها في سن لا يعني إلا العواطف فقد كان والدي الحاكم العسكري .. وأشهد أن الشعب السوري كان فرح بالوحدة ويكفي أن تقول : إنك مصري لتنال كل الرضا والحب .. لقد رأيت وأنا أوزع قور عبد الناصر سيارته تكاد ترتفع من الأرض بموجات من البشر ، وعشت هناك أربع سنوات .. واعتقد أن وصف ( دمشق ) بأنها عروس ناصر ليس وصفا ًبعيدا ًعن الحقيقة .
قلت لها : والثورة الآن كيف تتعايشين مع التغيرات التي حولك ؟!
قالت : أجرح جرح شخصي حينما يحدث انتقاص أو تعد جارح للفترة الناصرية ، لأني مرتبطة بهذه الفترة ارتباط عاطفي جدا ً، فمع عبد الناصر الذي ارتبط بقيم وحلم عربي كبير لا أجد عقلي بل قلبي أما بعد عبد الناصر فالأمور تمر بي بشكل عقلاني خارج العاطفة .
قلت لها : أنت من الكاتبات القلائل الذين درسوا الصحافة دراسة أكاديمية فهل هو اختيار .. أم صدفة .. ما هي قصتك مع صاحبة الجلالة الصحافة ؟!
قالت : الصدفة هي قانون حياتي .
فالصحافة كانت لآخر تصوراتي وبخاصة بعدنا انقلبت 180 درجة على أبي . موسى صبري له كتابات عن أبي جعله في مصاف الثورة وبعد الثورة التصحيح جعله خائنا !!
ولكني بعد أن عدت من الخارج وجدت أن دخولي آداب قسم فرنساوي تكرار لنفس الكلام النظري عن أدباء فرنسا في القرن السابع عشر وكنت أريد شيئا ًعمليا ًبعيدا ًعن النظريات فاخترت الصحافة وكان هناك اتفاق مع أهلي على ألا أعمل بها .
وفي السنوات الأخيرة كنت وزملاء لي نتدرب في الصحف والمجلات .. وتدربت مع الاستاذ رؤوف توفيق في صباح الخير وعملت تحقيقا ًصحفيا ًعن " العصمة في الزواج " ولم يعجب الموضوع أسرتي واعتبروه تشهيراً بحياتي وكان اول موضوع عن حق المرأة في تطليق نفسها ولم أكتب بعدها .. ولكن فيما بعد أحببت أن يكون أول عمل إبداعي في صباح الخير ونشرت قصة ( امرأة الكاوبوي ) .
وأثناء ثورة التصحيح واعتقال " أبي " .. عاد علي أمين للصحافة .. وبدأ يكتب ( فكرة ) عن الديمقراطية والسجون التي أغلقت والحق الذي أصبح كالشمس و .. و .. فكتبت له .. وقلت هذا لا يزال بعيد المنال وأبي وغيره وراء القضبان بلا ذنب ولا شيء .. فلماذا لا تدافع الصحافة عن الشرفاء الضعفاء بدلا ًمن حمل البخور للرؤساء !!
وفوجئت بعلي أمي يكلمني في منزلي تليفونيا ًويقول لي : أنت تصلحين للصحافة ، لأنك تعبرين عن وجهة نظرك بوضوح وموضوعية ، ودخلت دنيا صاحبة الجلالة من باب أخبار اليوم .
لك عبارات وموضوعات تدل على انك فمنست " أنصار حقوق المرأة ضد الرجل " . فمثلا لك عبارة تشبه ما تقوله نوال السعداوي : أنا لا أجيد التعامل مع الأوراق الرسمية وما بيني وبين زوجي لا يزيد عن ورقة رسمية ، أو الخيانة لا أن أخون أخر وإنما أن أخون نفسي عندما أخون مشاعري الصادقة ( مسافر في دمي ) .
ولك قصة : امرأة الكاوبوي وهل تخبرها وأوجاع نسائية و .. وكلها تصرخ ضد الرجل .. فأي نوع من الأدب أنت !!
وقالت : نعم أنا فمنست ولكني مع المرأة من مطلق أنها الجني المظلوم ولقد قلت في جمعية الأديبات : لو كان الرجل هو المظلوم لخرجت عن جنسي لأدافع عنه .. فالفمنست عندي من مطلق حقوق الإنسان لا من مطلق التمرد والخروج ضد الرجل .. فالمساواة يجب أن تكوني بلا تميز بين رجل وامرأة أي لا تفاضل على أساس الجنس ، وكذلك أنا ضد التسمية .. طالما أنه لا يقصد بها أدب أقل .. أو لا أدب .. فكل أدب جديد له اسم مميز .. أنهم يسمون أدب أمريكا اللاتينية، لأنه أدب جديد على الغرب . ولكنهم مع الزمن سيتذكرون انه أدب وفقط .
ولذا فأدبي ليس خروجا ًعلى الرجل .. ولكنه يحاول ان يفكر معه نحو حياة أفضل .. وعلاقة أفضل مع امرأته .
اقرأ بين سطور كلماتك نوعا من التمرد ، فهل لنشأتك الأسرية مع أب عسكري وأم خاضعة ، تأثير على كتاباتك وشخصيتك ؟
قد أبدو على السطح إنسانة وديعة وهادئة جدا ، في حين أعماقي تغلي بالبراكين ، وبداخلي رفض لكل الأشياء التي لا أحتملها ، فأنا أكره رؤية الظلم بأشكاله ، ومنذ طفولتي كنت أملك عيناً نقدية ، كنت ألاحظ عالم الكبار وأنقده ، لقد شاهدت عددا ًكبيرا ًمن الزيجات الفاشلة والأسر المحطمة من الداخل ، ولكنها لها مظهر براق من الخارج.
وكل طفلة بشكل او بآخر تتوحد مع شخصية أمها وتريد أن تحقق لها حلمها ، وقد كنت ملتصقة جدا بأمي ، كانت صديقتي وأختي ، كلمات لن أنساها قالتها لي وأنا بعد صغيرة كانت زادي وميراثي : " عندما تكبرين اعملي على امتلاك مفاتيح ثلاثة : المكتب ، والشقة ، والسيارة " قالتها وكأنها تبث لي سرا بعذاباتها الروحية وطموحاتها المجهضة وحلمها السليب في العلم والعمل ، ولم تتمن لي امتلاك الجواهر ولا القصور ، وظل بداخلي انتظار وترقب للحظة أتمكن خلالها من تحقيق الحلم بلا مساومة أو تنازلات حتى حينما دخلت تجربة الزواج لم أتنازل عن هذا الحلم .
فالزوج عندما يأخذ الزوجة صغيرة ما بين مرحلة الطفولة وبداية الشباب يعاملها كابنته وحدث ذلك لي ، كان الفارق بيننا 16 عاما فتعود أن يعاملني كطفلة ، وعندما كبرت وحدق التطور الطبيعي لشخصيتي بدأ الخلل في العلاقة بيننا ، وتطور حتى ادى إلى الانفصال ، واحتفظنا باحترامنا المتبادل ، من دون " دراما " انفصلنا ودياً بعد زواج دام 13 عاماً ، وكان طلب الطلاق من ناحيتي .
سألتها : أين المعاناة المفجرة للإبداع .. لقد ولدت وفي فمها معلقة من ذهب وأبيها وزيراً من رجال الثورة فمن أين أصابتها سراديب الكتابة ؟!
قالت : للقمة والسلطة والجاه معاناتاها المختلفة ، فنحن طول الوقت نعيش الخطر ، نخرج وندخل بمواعيد وحساب ، نتكلم بحساب ، الثورة نفسها تأمر فكلنا نجيب هل تعرف لماذا تزوجت وسني 16 سنة ؟! .. لأن ابنه الوزير يجب أن تتزوج من دبلوماسي !! بنات العائلات لا يقلن لأ .. لأبيهم !!
وقلت من قبل : إني بلا أصدقاء ولا جيران ولم أعرف الصداقة إلا في الجامعة ثم إن أهل القمة يهددهم القاع على عكس أهل القاع يأملون في القمة ، وما نخاف منه حدث .. كل الأشياء التي جاءت قبل الأوان .. فقدناها حينما حان الميعاد ، الزوج تركته ، لأني كنت طفلة .. فصرت مطلقة في بديات نضوجي واحتياجي لزوج .. والأب أعتقله السادات فيما أسماه " ثورة التصحيح" حتى الأدب الفرنسي الذي درسته في المجر .. تركته لأدرس الصحافة في مصر . هل فهمت .. أم أنك مثل الذين قلت لهم : بما تفهمون يوما ً!!
كانت في نظراتها تشبه ارستقراطية من العصر الفيكتوري ، وكأنها تشتهي الوحدة وتعانق الغائب ، وحينما تذكرت الجزء الثاني كم ( اعترافها ) السابق الإشارة إليه تذكرت ملكة الكتابة النسائية – فرجينيا وولف ( 1882 – 1941 م ) فلأسباب لا اعرفها نادت كل منهما أرواح الوجود الهائمة، واقتربت من حافة التوحد والاحباط النفسي قالت عائشة في مقدمة اعمالها : الجنون هو الذي يحيط الإبداع – وتحدثت عن كاتبه هي ( أجنس عروزنترنا "وهي كاتبه سويدية حاولت الانتحار عدة مرات ، ثم فجرت سؤالا مخيفا لماذا المصحات النفسية ، ومحاولات الانتحار مصير معظم المبدعين ؟! ) .
ومع كل الغرابة وبدون قصد كانت هذه آخر كلمات ( فرجينيا وولف ) التي تركتها في رسالة لزوجها " ليونارد " وبعده التقطت جثتها من البحر ، قرب مدينة لويس جنوب انجلترا !!
قلت لها : قطعتي اعترافك الجميل ( عن الذاتية ) وبدون مناسبة ولا ربط ( بالانتقال إلى الإحباط والمصحات النفسية والانتحار ) .
قالت : وما المانع .. قلت : أنا ليس عندي وإنما أطلب التفسير ؟!
قالت : بدأت ( الاعتراف ) بالمشكلة ثم قدمت الكاتبة السويدية ( أجنس ) كمثال ودليل ولا أعتقد أني انتقلت بدون مناسبة فأنا أتحدث عن الكاتب الصادق الذي يعيش كما يكتب ويرفض ارتداء الأقنعة أنه كالأنبياء في توحدهم مع رسالتهم أنه يتوحد مع ما يكتبه ، وهؤلاء بالطبع سيقاومهم المجتمع وسيعانون .
وستكون المصحات النفسية وعدم التكيف هو الثمن ولذا سميتهم " المبدعين " فأنا ما زلت أقدم تضحيات وأرفض ارتداء الأقنعة ، وأدفع ثمن ذلك ولكن بلا ندم أو تراجع !!
ولذا استخدمت عبارة ( الناقد ) التي قالها للكاتبة التي كانت وقتها مبتدئة ( أجنس عروزنترنا ) إن ما تنوي فعله بالكتابة يحتاج لشجاعة تساوي شجاعة الدخول في المعركة .
فالكتابة فعل إيجابي يقوم على المكاشفة والمصارحة والاقتراب من الحقيقة .. بالطبع الحقيقة النسبية، لأنها الحقيقة كما يراها الكاتب – وعادة المنطقة التي يكتب فيها ( المبدع ) هي منطقة محظورة من حيث التقاليد والمجتمع والسلطة .. إذن فهو في صدام ومعركة .
وعادت لي رغبتي الشهية في أن أفعل معها ما فعله مورافيا مع كلوديا كاردينالي ومن يدري .. فقد يتحقق ذلك ؟!! .
(*)عائشة عبد المحسن أبو النور من مواليد القاهرة في 23/12/1950 .خريجة مدرسة راهبات الميردي ديو ، حاصلة على ليسانس آداب – قسم صحافة من جامعة القاهرة عام 1974 .عينت صحفية بأخبار اليوم وآخر ساعة سنة 1975 برعاية الأستاذ علي أمين .نشرت باكورة إنتاجها القصصي في مجلة " صباح الخير " سنة 1976 بتشجيع الفنان الراحل (حسن فؤاد ) .أم لثلاث أولاد : أحمد وياسمين وفرح .لها عدة أعمال تتراوح بين القصة والرواية القصيرة والسرد الشعري . أهمها : ( أرحل .. لنلتقي ) . ( مسافر في دمي ) . ( الإمضاء .. سلوى ) .