اخبار الادب - 19 اكتوبر 2003
على أرصفة القاهرة وفي محلات الكتب ستجد يوميا عشرات الكتب الجديدة من روايات إلي مجموعات قصصية ودواوين شعر ودراسات وكتب في العلوم وأخرى في مختلف القضايا العامة ، بحيث لم تعد هناك أزمة نشر ، بينما ظهرت في المقابل أزمة فرز كل هذه الأكوام المكدسة التي يلقون بها إلي السوق يوميا كما تلقي الشاحنات ضخمة بصناديق المياه الغازية أمام أرصفة المحلات . عملية الفرز التي يفترض أن يقوم بها النقد لا تتم هي الأخرى على أسس موضوعية ، ولكن على أساس علاقات الشخصية، والقدرة على ما يسمى " التواجد " أي أن يصيح الكاتب في كل مقهى ومؤتمر أنه حي يرزق ومستعد للدفاع عن وجوده الأدبي بضراوة ، وأن ينهض كل صباح فيبدأ يومه بإلقاء التحية على النقاد ولو بالهاتف ، ثم يحرص في المساء على صداقة محرري الصفحات الأدبية حيث يلتقون . ربما لكل هذه الأسباب ظهرت رواية " طفل شقي اسمه عنتر " فكأنها لم تظهر ، ولم تكتب ، ولم تطبع . على الرغم من أنها إحدى أهم الروايات الجديدة التي ظهرت مؤخرا . وقد يكون أحد أسباب المرور عليها مر الكرام أن مؤلفها محمد توفيق يقيم كما سمعت خارج مصر ، ومن ثم فإنه لا يتمتع بأي " تواجد " .
يقدم لنا محمد توفيق عمارة أخرى بعد عمارة يعقوبيان الشهيرة للصديق علاء الأسواني . وتقع عمارة توفيق التي يملكها أحد الشيوخ العرب على النيل ، ويتولى وكيله كاسب بك الإشراف عليها . و يعثر السكان ذات يوم على جثة الفنانة الشهيرة أحلام الشواربي عارية تقريبا داخل مصعد العمارة، ورغم جهود الشرطة فإنها لا تتوصل إلي الفاعل ، وتظل الجريمة غامضة . وتؤدي الحادثة مع صيت النجمة المعروفة إلي زعزعة سمعة العمارة . وما أن تمر ثلاثة شهور حتى تقع مفاجأة أخرى : إذ يجد الشاويش الأشموني المسئول عن المرور في الميدان أن أثاث إحدى الشقق في الطابق الثالث عشر يهوي من أعلى إلي ساحة الميدان ، رغم خلو الشقة من السكان . ويتحقق ضباط الشرطة من أن الشقة كانت شاغرة ، دون أن يدركوا السر فيما جرى . ويبدأ الروائي في تعقب سيرة وعلاقات سكان العمارة وزوارها والمترددين عليها ليرسم لنا لوحة اجتماعية وسياسية وفنية للمجتمع المصري .
هناك أولا الشاويش الأشموني المعذب بفقره ، وبزوجته الأولى " البومة " والثانية الشابة التي تريه العجب إذا دخل عليها بلفة بسبوسة . الأشموني معذب أيضا لأنه يعلم أن المنتج السينمائي شكري كان آخر من دخل العمارة مع الفنانة الشهيرة ليلة مصرعها . لكنه الأشموني قبض ثمن صمته . هناك شخصية عبد الملاك العالم المصري الذي تخصص في الهندسة الوراثية في الزراعة بأمريكا ، ثم عاد ليسهم في بناء بلده ، لكنه لا يجد عملا سوى عرض من إسرائيل يرفضه ، ويقرر في لحظة يأس أن يكون محتالا باسم " علوم ما وراء الطبيعة " . ويستدعيه عبد التواب بك مالك إحدى الشقق ليكشف سر الأثاث الذي تطاير وحده من الطابق 13 إلي أسفل العمارة . عبد التواب بك لديه مشكلة أخرى ، أنه لا ينام ، لأنه فكرة واحدة تشغله على حد قوله : " في يوم من الأيام ح يروح الجنس البشري كله ، وح تيجي مخلوقات أعقل مننا بكتير ، وح يحبوا يعملوا نصب تذكاري ، شاهد بتاع أموات لكن علشان الجنس البشري كله . ح يكتبوا عليه إيه ؟ " . هناك عالم مصري آخر كان يعمل في البرنامج النووي العراقي ، ثم هرب بعد تدميره ، والآن تنقضي حياته كلها في الخوف من انتقام الموساد والمخابرات الأمريكية منه . إلي جانب أولئك يلتقي القارئ بشخصية كرم نافع الذي كان قائدا ثوريا للطلبة فيما مضى وتخلى عن كل ذلك ليثرى من مشاريع التطبيع ، والشربيني بيه عضو مجلس الشعب الذي : " رش فوق العشرة مليون جنيه عشان يخش المجلس " . هناك الدكتور محجوب الذي أفنى عمره في دولة عربية لمجرد شراء شقة في تلك العمارة الفاخرة ، وأخيرا هناك شخصية عبد الله الذي يرى في كل ما يجري حولنا " العقاب ، لأننا أهملنا ديننا " .
يقدم محمد توفيق لوحة كبيرة للمجتمع المصري ، ويقدم الشخصيات التي ظلت تبحث عن مؤلف طويلا . المؤسف أنها كلها شخصيات مهزومة ، ربما باستثناء الصحفية الشابة إصلاح التي تتعاطف مع مقتل الفنانة أحلام ، لأن والد إصلاح استشهد في حرب أكتوبر ، كما استشهد والد الفنانة أحلام في حرب أخرى . تواصل إصلاح جهدها للكشف عن الجريمة في مواجهة كل القوى ذات النفوذ والمال والبطش . بينما يصحو ضمير الشاويش الأشموني فيعترف بما رآه .
عند تعريفها للمؤلف تنشر دار ميريت أن له رواية : " ليلة في حياة عبد التواب توتو" ، وقصة طويلة " حتى مطلع الفجر " ومجموعتين قصصيتين الأولى بعنوان" الفراشات البيضاء " ثم " عجميست " ، وهي أعمال غير معروفة . إلا أن المؤكد أن رواية محمد توفيق " حكاية طفل اسمه عنتر " عمل يستحق القراءة بكل ما تعنيه عبارة " يستحق القراءة " بالرغم من أية ملاحظات علي العمل ، ويستحق الانتباه ، كما أنه يشير إلي ظهور روائي كبير .