عظماء الأدب لا يبلغون العظمة إلا بعد قطع شوط كبير من العطاء الأدبيّ، بمختلف ألوانه وفصوله، فإذا تصفحنا عظماء الأدب العربيّ سيشير البنان إلى أسماء لامعة شقوا طريق العظمة وبلغوا المجد، وإنّه لمن العسير أن يبلغ أحد ما هذا المجد، وإن كان في حقيقة الأمر يبلغه ويجوزه، وسام العظمة الأدبيّة لا ينالها المستحق، يكرم أحدهم لفوزه بجائزة، أو يحتفى به لأنه اتقن عملًا، تسلط الصّحافة عليه الأضواء في لقاء أو حوار أو دراسة، وما أشبه، أما أن يوصف بسيادة الأدب في العصر المعاصر، فدون ذاك خرط القتاد، إن عقولنا تزهو كثيرًا بالرّاحلين والأموات، بينما نجحف حق الأحياء !!
لنذكر أسماء رنانة نتباهى بها، ونطرب لسماع ذكراها: طه حسين، نجيب محفوظ، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، عباس العقاد، محمد الجواهري، نازك الملاكة، جبران خليل جبران، مي زيادة، نزار قباني، محمود درويش، ومن هم على ذات القامة والنّسق، في الأسطر التّالية، سأضع أسماء معاصرة، لها مكانتها وعظمتها، وأنا واثق أنّهَا لها ثقل ونصيب من العطاء الذّي بخسوا في التّقدير، ولم يبلغوا المجد الذّي يستحقونه، لأننا عشقنا الموت والأموات، وألقينا بالحياة والأحياء وراءً، سأذكر منهم: (أمين معلوف، يوسف زيدان، أحلام مستغانمي، واسيني الأعرج، أدونيس، غادة السّمان)، وسواهم، ولنستعرض بعض أهم ما كتبه هؤلاء لنضع ما كتبوه في كفة الميزان للحكم، وحَتّى يرى البصير أنّ بيننا قامات تستحق الاحتفاء، رغم أنّ جنايتهم الوحيدة أنّهم لايزالون على قيد الحياة، فلنبدأ من الأخير مع الرّوائيّة السّوريّة (غادة السّمان) التّي لديها تحف عديدة منها: (عيناك قدري، كوابيس بيروت، ليل الغرباء، أعلنت عليك الحبّ)، أما الشّاعر السّوريّ – اللّبنانيّ علي أحمد سعيد إسبر المشهور باسمه المستعار (أدونيس) فلديه ما ينوء به الجمل بما حمل، ومما لديه: (أغاني مهيار الدّمشقيّ، أوراق في الرّيح، موسيقى الحوت الأزرق)، ونأتي على الرّوائي الجزائريّ واسيني الأعرج، الذّي له باقات من الرّوايات الخلّاقة والمبدعة، منها: (طوق الياسمين، أصابع لوليتا، مملكة الفراشة، سيرة المنتهى، حكاية العربيّ الأخير)، أما ابنة محمد الشّريف الرّوائيّة الجزائريّة الشّهيرة (أحلام مستغانمي)، فلديها عِدّة روايات مبهرة تسابق القراء لاقتنائها، منها: (فوضى الحواس، ذاكرة الجسد، الأسود يليق بك، عابر سرير، نسيان com.)، الرّوائي والكاتب المصري ذائع الصّيت (يوسف زيدان)، لديه كم هائل من الإنتاجات، لعلّ أبرز ما كتب من رواياته: (ظل الأفعى، عزازيل، النّبطي، نور، محال، جونتنامو)، وأخيرًا وليس آخرًا الأديب والرّوائي الصّحفي اللّبناني أمين معلوف، الذّي له العديد من الرّوايات الشّائقة، منها: (ليون الأفريقي، سمرقند، حدائق النّور، موانئ الشّرق).
إنّ هذه الرّوايات والإنتاجات لتستحق القراءة والمطالعة، وحَتّى ينصف الكاتب الذّي أسهر المقل ولم ينل حظه الطّبيعي من الثّناء، وأنا واثق كلّ الثّقة أن الدّنيا ستقوم ولن تقعد احتفاءً بهؤلاء وسواهم لمجرد سماع نبأ لا نريد سماعه، إننا في هذا الزّمن نحتاج أن نلقي عباءة الموت والموتى جانبًا، ونشيد بمن هم أحياء يرزقون، إننا نريد تخليد ذكراهم من الآن، لا بعد رحيلهم، هناك من المبدعين لم أذكرهم وهم كثر، الغرض إيصال الفكرة وهي أن نساهم في تسيير عجلة الإبداع بالتّقدير، فلماذا لا نقول للمحسن (أحسنت)، ما أجمل أن نكنس النّقد قليلًا ونحوله لعبارات الثّناء التّي نشح بها على أدباءنا الأحياء، متى ستنتهي الخصومة بذكر المناقب؟، إننا ندعوا للمساهمة في تشكيل عظمائنا، فالأمة التّي تقدر العظماء أمة عظيمة، فلماذا بخس الحق ما دام المبدع بروحه رمق، فإذا ما فارق تغنينا بأمجاده وما أبدع، ماذا اختلف اليوم عن البارحة؟، إنّه الموت الذّي يرفع أقوامًا، والحياة التّي تبخس آخرين، هي دعوة وصرخة لنكرم العظماء الأحياء قبل رحيلهم، لنكرم الشّباب المبدع قبل كهولهم وقبل أن يهرموا، حَتّى نساهم في تشكيل الحضارة المقبلة.