1 - تداعيات أنثى تصالحت مع جسدها
بعد أربعة أعوام على تخرجي من الجامعة، جاء التوظيف معلمة بالمرحلة المتوسطة بمدينة صغيرة على البحر الأحمر، لم يسع والدي لمساعدتي مع أنني ابنته المدللة والمختارة في نظره.
تقدمت لوزارة الخدمة المدنية، وتابعت تحفيز أوراق التقديم حتى جاء اسمي مع مجموعة من المعينات وأمامه المرحلة الدراسية واسم المكان.
قالت عمتي: تزوجي حيدر. .!
تبسم والدي، حيدر كما اعرف وهذا كل ما أعرفه عنه؛ يصغرني بخمس سنوات وأعرف عنه إذا جاء اسمه في اللقاء العائلي انه صاحب طقوس خاصة.
بعد شهر من الزواج وخمسة أيام من مباشرة العمل وأربع ليالٍ على إكمال تأثيث الشقة المستأجرة طلبت منه أن يقوم بدوره كزوج.
في العام الثاني تم تكليفي بالعمل كمساعدة لمديرة المدرسة، وقد سقط اسمي من كشوف المنقولات، في الأسبوع الأخير من الفصل الدراسي الثاني، طلبت مني مديرة المدرسة التأخر بضعة أيام لحضور حفل زواجها.
جاء زواج مديرة المدرسة بسيطاً ومبهراً، النساء بفناء المنزل والرجال في مزرعة والدها، في العاشرة ليلاً جاء العريس وأخذها، وقد خلى الفناء من الحضور والمنزل من الضيوف، جلست على احد مقاعد الصالة بحثا عن الراحة والتفكير بالمغادرة.
قال: ( كان والدها وهو يقف في المدخل ) لما لا تنامين هنا . .!
في داخلي انبثق ضوء وتداعت صور لا أدري متى كانت وكيف تشكلت؟ فدلني لبابٍ موارب واختفى، أغلقت الباب وتمددت في الفراش الضوء يرسم معالم الغرفة، لأتنبه على قرع خفيف جلست، وانفتح الباب جاء بثوبه الأبيض الفضفاض وجناحيه الأبيضين وشعره الأبيض الناعم والمتطاير، والنور يشع من وجهه، كان الروح القدس وكنت مريم البتول.
في نهاية العام الثالث عدت حسب بيان الحركة مع المعلمات المنقولات للرياض، حيدر بقي لمواصلة العمل مع الشركة التي تنفذ احد المشاريع الحكومية حسب عقد مدته خمسة أعوام؛ فتم تجديد عقد الشقة المستأجرة لمدة عامين طلب مني تسديدها.
بعد حصول ابني على الثانوية جرى إدراجه في قائمة المبتعثين للدراسة الجامعية في أمريكا لما أكمل البكالوريوس قرر البقاء للماجستير والدكتوراه، معها تم إيقاف صرف رواتبه كمبتعث فلم يبال.
قال: انه يرغب بالزواج من زميلته
لم يذكر اسمها ولكن هي شاركته إعداد بحث معه قرر مجلس الجامعة قبول مواصلة الدراسة، وقد سمحت له بالعمل داخل المكتبة براتب يقدر بمعدل ساعات العمل.
وهنا تذكرت حيدر الذي اختفى بعد عودتي للرياض، اثر لقاء مع رئيسه المباشر أثناء العمل في المدينة الصغيرة ببهو احد الفنادق، جاء اللقاء بعد عشر سنوات غياب وانقطاع أخبار حيدر الذي أكمل تسع سنوات.
قال: لما جاء باحثا عن عمل شعرت انه الجزء الذي فقدته في اغترابي، كان يبحث عن الأمان فلما منحني الحب منحته رعايتي، في نهاية العام الأول وأثناء إجازتي سافر معي، وهنا تحققت مشاعرنا التحمت أكثر.
قلت: لم اشعر بذلك. .!
قال: هو توافق جاء من صالحنا كما جاء في صالحك وانتقالك زاد من مساحة مصالحنا، وانتهاء عقد الشركة أربك حياتنا في العام الثالث اختفى.
وهو ينهض مودعا قال: تقاعدت واليوم حصلت على موافقة من سفارة أوربية للسياحة والإقامة.
تابعته بنظري حتى انغلق عليه باب المصعد.&
2 - أيها السرمَديٌ لا تقاوم الصحراء
هنا عرف رسالة الغناء في الأودية، بعد تجمد أطرافه ومقاومته حتى يقول كلمته؛ ولما باح همه تلفت حوله فلم يجد أحداً، وطريق من الزفت الأسود يمتد شمالاً على مد النظر.&
3 - مواطن
لم أتوقع هذا السؤال وأنا أقف أمام الموظف أشكو ارتفاع قيمة استهلاك الماء؛ التي تجاوزت الخيال " هل أنت مواطن " ثوبي الأبيض وطاقيتي المخرمة وغترتي البيضاء ولهجتي التي فيها بقايا مدينة الطائف؛ التي هجرتها في منتصف العقد السادس من العمر لم تشفع لي عند الموظف الذي " طالب بالسداد " ثم تقديم الشكوى.
شعرت فجأة بحاجة مؤلمة ليد تسندني، فانسحبت بصمت وعند الباب الخارجي لمكتب شركة المياه أنقذني الرصيف، جلست على طرفه المترب أتأمل الشارع والسيارات العابرة وظل يلاحق أجساد مارة من عوالم أخرى، البعض يحدق في والبعض يلوح بكفه.
لماذا " أنا " كلمة واحدة دفعتني إلى التفكير في اختيار نفسي؛ وان كنت ألاحق أفكار تنهش ما تبقى من العمر، جعلتني فريسة سهلة للمرض الذي هربت منه في العقود الخمسة الماضية من حياتي؛ التي كيفتها حسب الحلم الذي أعيشه بعبث وعدم مبالاة عبر أني موجود.
عبر أسرار أنا اخلقها، وامنحها الحياة لتكون حكاية أسردها على لأصدقاء في المقهى، مع دخان الشيشة وعلبة السفن آب وأكواب الشاي وهدوء الحوار وصخبه، وحالة الصمت الذي يفرضه علي طيف " نجوى " المتراقص بين مربعات فناء المقهى وهو يبخل علي بسبب رحيلها المفاجئ؛ وقد سمحت لي بعد أن عرفت إن إحدى هواياتي التصوير الفوتوغرافي بالتقاط صورة لها ذات ظهيرة.
تذكرت أني تركت هاتفي النقال عند موظف الحسابات؛ الذي آخذه مني حتى يتأكد من صحة اعتراضي، ويعرف متى وصلتني رسالة شركة المياه وقارن المبلغ المبالغ فيه؛ برسائل سابقة كانت خمسة عشر ريال وقفزت إلى مائة وعشرين واليوم ألف وسبعمائة ريال لشهر واحد، وأنا انهض جاء صوته الذي اعرف " السلام عليكم " كان احمد رفيق المقهى.
رافقني إلى الشباك الذي توقعت إني نسيت هاتفي عند الموظف الذي يجلس خلفه، موظف يرد العبارات كما ببغاء منزلية تردد سباب زوجين أنهكهم الهدوء المحيط بهم؛ وخلو الدار من الأبناء وعاملة منزلية فضلت إنهاء مهامها، إذا الجميع أمام شاشة التلفزيون يلاحقون أحداث مسلسل يتابعونه.
وأنا ادخل المفتاح في قفل باب المنزل؛ لم أجد سيارتي في موقفها المعتاد؛ وقفت في فتحت الباب قلقا ليرن جرس الهاتف، كانت زوجتي تقول إنها تنتظرني بمركز الحي الطبي وتذكرت أني أوصلتها، وقمت بمراجعة مكتب شركة المياه ومن هناك أوصلني احمد للمنزل بعدما اشترك في الحوار مع الموظف واستعاد هاتفي.&