لقد رأيت بمراجعتى لمذكرات هدي شعراوي وبعض المراجع، أن هدى شعراوى خرجت فى مظاهرتين 16 مارس 1919، 16 يناير 1920 ولم يذكر شيئا عن خلعها الحجاب؟!
فالحقيقة أن هدي شعراوي وسيزا نبراوي لم يخلعا الحجاب الشرعى الذى يكشف عن الوجه والكفين وإنما خلعا النقاب،ولم يكن ذلك أثناء المظاهرات- وإنما عرف عنهما ذلك فى الوقت الذى كان النقاب منتشراً بين النساء.. وفى آراء هدي شعراوي أنها مع السفور الذى لا يخالف الدين ولو خالف التقاليد
وقد قررت "المستشرقة مارجو بدران" ذلك بقولها: أدركت المرأة المصرية آنذاك أن النقاب ليس فريضة دينية ومع ذلك فقد أدركت النساء الضريبة الباهظة التى ستضطرهن هن أو أبنائهن لدفعها إذا ما جاهرن بهذه الدعوة ومن هنا رأين أن يكون التغيير تدريجياً من خلال الفعل لا القول.. لقد تنبأت ملك حفني ناصف وهدي شعراوي بانحسار النقاب ومع ذلك لم تدع أى منهما لنبذه، على العكس فلقد حذرت كلتاهما من ذلك فى تلك الفترة..
مع ذلك فبعد 24 عاماً من نشر كتاب تحرير المرأة ووفاة قاسم أمين نزعت هدي شعراوي وسيزا نبراوي النقاب باعتباره رمزاً للقوة الغاشمة والنظام الذى دعا قاسم أمين لمقاومته.ونستطرد لو كان فعل خلع النقاب من (هدي شعراوي) وزميلتها فعل مرتبط بثورة 1919- لما أحتاج سعد زغلول لمحاولة تكراره للتأكيد عليه - وبخاصة أن سعد كان أزهرياً فى الأصل.فقد رفع سعد النقاب عن وجه ابنة الشيخ علي يوسف فى إحدى الحفلات الدينية فى بيت الأمة - ولم يقلع النساء اليشمك- ووقفت الآنسة فكرية حسنى تلق خطاب على وجهها البرقع. فتقدم سعد أمام الألوف ورفعه- وأصبح هذا أمراً من قائد الثورة بنزع ما يخفى الوجه - وليس الحجاب. وأعتقد أن ما وصلت إليه (مارجو بدران) هو الرواية السليمة فقد ذكر مصطفي أمين فى كتابه (الكتاب الممنوع) ج2، ص8، طبعة دار المعارف 75. : ( أما موقف سعد زغلول الحاسم تجاه الحجاب فقد تجلى عام 1923 حينما عاد من منفاه واستقبلته مصر كلها استقبال الغزاة الفاتحين.كانت معه صفية زغلول قالت له قبل وصول الباخرة إلى ميناء الاسكندرية.(ألم يحن الوقت لكى أنزع البرقع الأبيض؟) فالتفت إليها سعد زغلول ثم إلى شابين كانا معها هما واصف غالي وعلى الشمسي ثم سألهما رأيهما وإذا بهما يعترضا بحجة ألا تكون هى البادئة بنزع الحجاب.وإذا بسعد يقول: هذه ثورة ارفعى حجابك.. ورفعته صفية زغلول ثم ظهرت للجماهير لأول مرة بوجه سافر مكشوف وإذا بنساء مصر يتشجعن ويرفعنه بعدها كمظهر من مظاهر الحرية التى رافقت مسيرة المرأة آلاف السنين.
فحتى مصطفي أمين لم يعرف الفرق بين البرقع ( اليشمك) والحجاب؟! وأعتقد ان وقوف المرأة بوجه سافر يعتبر نزعاً للحجاب!! مع أن إظهار الوجه والكفين فى إطار الحجاب الإسلامي السليم.
وقد ركز الإخوان المسلمون على ذلك فمثلاً فى كتاب محمد قطب (قضية تحرير المرأة) جاء فيه :عندما احتلت انجلترا مصر فشلت فشلاً ذريعاً فى غزوها ثقافياً. لذا تسللت عن طريق المرأة فظهر عميلها قاسم أمين وطالب بتعليم المرأة باعتبارها نصف المجتمع ولما نجحت حملته بدأ يطالب بخلع الحجاب فواجه ثورة كبرى إلا أنه أثناء ثورة 1919 شاركت النساء فى مظاهرات ضد الاستعمار الإنجليزى وكانت أول مشاركة للمرأة فى الحياة السياسية.وشعر الرجال بمدى بطولتهن،وفى إحدى المظاهرات بميدان الإسماعيلية وأثناء الهتاف بسقوط الاستعمار فوجئ الجميع بقيام النساء بخلع النقاب وإلقاءه فى الأرض ثم سكب البنزين عليه واشتعلت فيه النيران وعندئذ أطلق على الميدان اسم ميدان التحرير تخليداً لذكرى تحرير المرأة (فهل فرضت إنجلترا النقاب على النساء أم فرضه الله من فوق 7 سموات قبل 14 قرن)؟!.
لاحظ دوما أن الذى نزعه النساء وقتها هو النقاب أو اليشمك عن الوجه وليس الحجاب
وعن نفس الموضوع تكتب درية شفيق فى كتابها (المرأة المصرية من الفراعنة حتى الآن).قالت:كان ذلك حوالى عام1923عندما كانت السيدة (هدي شعراوي) قادمة من فرنسا،وهى لم تبلغ بعد العقد الرابع من العمر،بمصاحبة كريمتها وزوج كريمتها المرحوم محمود باشا سامي، وسكرتيرتها السيدة (سيزا نبراوي) وكانت على ظهر الباخرة التى يعود عليها الزعيم سعد زغلول من فرنسا بعد شفائه، وكانت هدي شعراوي لا تزال تفكر فى النظرة التى تقابل بها المرأة المصرية،حتى أنهم كانوا حين يرون هدي شعراوي وزميلاتها بلا يشامك ولا براقع يتشككون فى مصريتهن،وفى ذلك المؤتمر الأخير بالذات كانت مندوبات الدول المختلفة .ينكرن على السيدة هدي شعراوي مصريتها، ولم يكن يتعرفن إلا بمصرية واحدة كانت تصر على حضور المؤتمرات آن ذاك منقبة ولا تكشف شيئاً من وجهها وهى المرحومة (نبوية موسي).
حينئذ قالت هدي شعراوي: ما دمنا نظهر فى مؤتمرات فرنسا سافرات الوجه بدون أن يكون فى هذا ما يخدش الحياء والشرف، فلماذا لا نظهر سافرات فى بلادنا أيضاً!!
- ولكن التقاليد فى مصر لا تسمح بالسفور!
- ولماذا لا تتطور هذه التقاليد مع الزمن؟!
- وماذا نصنع نحن فى هذه التقاليد؟
- لابد ان يكون لدينا من الشجاعة ما يجعلنا نقوم بدور إيجابى فى ذلك..
- ولماذا لا نبدأ نحن فتتبعنا الأخريات؟
وقد كان..
فحين وصلت الباخرة إلى الميناء، بدأت هدي شعراوي ومن معها من النسوة فى رفع اليشامك والنقاب وتحكى هدي شعراوي عن ذلك بقولها (.. ورفعنا النقاب أنا وسكرتيرتى، وقرأنا الفاتحة، ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه دون الشعر وتلفتنا كى نرى تأثير الوجه الذى أصبح سافراً لأول مرة بين الجموع فلم نجد له تأثيراً أبداً).
ثم نجد روايتين (لسيزا نبراوي)
الأولى شفهية سجلتها مارجو بدران فى رسالتها للدكتوراه والتى عنوانها (هدي شعراوي وتحرير المرأة المصرية) فى حديث أجرى بينهما: انضم الاتحاد النسائي المصرى إلى التحالف الدولى مع التزام أعضائه فى إطار الحركة النسائية الدولية بالحصول على الحقوق السياسية التى سلبت منها جنباً إلى جنب مع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.وعند عودتهن من الاجتماع النسائي نزعت كل من هدي شعراوي وسيزا نبراوي الحجاب فى محطة القاهرة وقبل النزول من القطار وذلك أمام حشد كبير من السيدات المهللات،وجاء هذا العمل بمثابة إعلان رسمى من قبل رائدات الحركة النسائية بإنهاء نظام الحريم، ووضع حد لعزلة المرأة.والفصل بين الجنسين وبداية الحركة النسائية الرسمية والعلنية فى مصر..
وفى نفس هذا الأسبوع ولأول مرة فى التاريخ ظهر وجه المرأة المصرية فى الصحف المحلية (وذلك بعد مضى حوالى نصف قرن منذ سماع صوتها لأول مرة فى الصحف). مما أعاد تأكيد بشكل رسمى من جديد وضع حد نهائي لاحتجابها وإنعدام شخصيتها.
والثانية سجلتها فى مذكراتها.. ويبدو أن سيزا نبراوي داهية الحركة النسائية المصرية فهى كانت سكرتيرة هدى شعراوى ثم قفزت من سكرتيرة لمؤسسة فى الاتحاد النسائي وتولت رئاسة تحرير المصرية بالفرنسية وظلت وراء الحركة فى الخلف.. مكتفية بالدور الثانى السنيد واستمر حالها كذلك مع درية شفيق.
أما ما سجلته فى مذكراتها: ففى صيف عام 1923 عندما كان رئيس حزب الوفد سعد زغلول وزوجته صفية زغلول فى طريق عودتهم إلى مصر على نفس الباخرة مع هدي شعراوي، لاحظ رئيس الوفد أن الحجاب كان مرفوعاً عن وجه هدى شعراوي،ولكنه كان يغطى شعرها (طبقاً لما يقضى به الإسلام) فطلب منها أن تساعد زوجته على وضع الحجاب مثلها وكانت صفية زغلول تهم بمغادرة الباخرة فى الاسكندرية دون حجاب عندما رأها رجال الوفد واعترضوا بشدة مصممين على أن الشعب لن يقبل ذلك. وغادرت صفية زغلول وزوجة رئيس الوفد الباخرة بالحجاب بينما غادرت هدي شعراوي رئيسة اللجنة المركزية نساء الوفد الباخرة بدون يشمك
- بتصرف عن كتاب حريم فى حياة الزعيم سعد زغلول (الثورة التى ايدتها الحرملك -