من أبكى حلب

(0)

 تأتي رواية "من أبكى حلب" رصدًا مختزلًا للحياة العامة في مدينة حلب السورية خلال حرب مُحرِقة عاشها بسطاء المدينة بين مطرقة الخوف وسندان التردي.. حياة جعلت المدينة تبكي على أيامها الخوالي وحال أبنائها المساكين الذين لَم يبقَ في حياتهم أي ملامح لحياة هانئة، بعد أن عاش فيهم الخوف وزاد عليهم الكرب وتقنن في حياتهم كل شيء.

لَم تبقَ حلب كما كان يعرفها الجميع، مدينة لا تقبل التقلبات وتُعاند المنطق وتُزهر في كل الفصول.. فلا خريف يرمي عنها الأخضر ولا شتاء يكسوها السواد.

رواية "من أبكى حلب" تحكي قصة مدينة تغيّر فيها كل شيء بعد أن ضربها سيف بتّار جرّد أوراقها وأسقط أزهارها ورماها في برد لا يُطاق وجعل أيامها حُبلى بالنوائب والملمَات. لطالما قِيل إن القصص الحزينة تبدأ خجولة بدمعة يتيمة لا يراها أحد ثم تتفاقم بدمعات.

ها هو رجلٌ يُضرب فيها بالرصاص في عزّ النهار ثم يلقى الإهمال على أيدي طاقم الإسعاف في مشفاها الكبير ولا يُحاسب الفاعل ولا يُجازى المقصرين وتُسجل القضية ضد مجهول، وها هو رجلٌ أبقى بيته لولده الصغير خشية العَيْلة عليه فأشعل بين أولاده النيران، ورجل آخر أصبح صورة نمطية للإنسان الدرويش الذي فقد وعيه وأصبح يغدو ويروح في شوارع المدينة بدون رهبة ولا حسبان بعد أن ضربه الزمان ضربة قاضية أفقدته أولاده ثم أكمل عليه زلزال شباط في تدمير بيته فألقياه رميمًا في القاع، وآخرون يمشون كالسكارى وما هم بسكارى ينضحون عرقًا في عز الشتاء، يعيشون حياتهم يومًا بيوم أصواتهم تكاد تسمع، عيونهم دائمًا شاردة في البعيد.

إذا بكتْ حلب، اعلم يا صاحبي أن الخطب جلل فالكبار لا يبكون إلا لمصاب عظيم، فحلب لا تبكي لفرح لأنه أصلًا مولودٌ فيها، هي تبكي على مفقود قد لا يرجع وعلى فيض من أحزان غّيب لحنها وشوّه حُسنها واستُبدل عطرها بروائح البارود والدمار..

تبكي حلب على شوارع توحّلت بالعثرات وجنبات فارقت مباهج الحياة خلال حرب ضروس وجائحة فتّاكة وزلزال مدّمر، فقلّ فيها العير والمير وانتعش فيها التردي والإهمال. أليس الموت بألوانه، والسلاح بأنواعه، وانقطاع أعصاب الحياة، والتقنين، والغلاء، والنزوح، واللجوء، والتخوين، والخطف أصبحت كلها مبكيات لحلب والبلد.

ويبقى السؤال المهم من يُكفكف دمع حلب ومن فيها؟ من يضع حدًّا نهائيًّا لهذا الانتحاب؟!

رواية "من أبكى حلب" ليست قضية مدينة وحسب، وليست قضية من يعيش القهر والتقهقر فيها، إنما هي قضية بحجم وطن.. مسلسلُها دامٍ لم ينتهِ بعد.

مزيد من القراءة