أنا مي زيادة

(0)
بقلم: علي حسن
التصنيف: روايات

رواية مركبة ومتعددة الأزمنة والأمكنة، وشخصياتها بالعشرات إن لم يكن أكثر! لكل زمان رجاله ونساؤه، وبالتأكيد فإن لكل مكان رجاله ونساؤه.
الرواية محورها الرئيس وبؤرة اهتمامها هو المرأة العربية، بصورة أكثر رحابة تتماشى مع العصر الذي تدور الأحداث فيه، فإن الرواية تسلط الضوء على المرأة الشرقية، ثم تعيد الضوء بشكل أكثر تركيزًا فتختص المرأة المصرية بكثير من الاهتمام، وكشف المستور عن كل ما تعانيه من إهمال وضيم ومآسٍ لا حصر لها، سواء كان ذلك في الماضي البعيد أو القريب!
مريم هي الشخصية الأساسية والبطلة التي لا تنازعها البطولة شخصية أخرى - حتى مي زيادة - مريم فتاة من صعيد مصر، عانت الكثير من الظلم وعاشت مأساة شديدة الشبه بمأساة مي، وإن كانت مي ليس لها مأساة واحدة بل مآس كثر.
ومريم هي الأخرى عانت وما زالت تعاني من المآسي ذاتها، ورغم أنها تملك من العبقرية والنبوغ ما يؤهلها لكي تعيش حياة كريمة، إلا أنها تعرضت للظلم والتهميش والتحقير، وفي الوقت نفسه تفتنها مي بشخصيتها الجبارة، وبعنادها وقوتها، فتعش في ثوب مي.
الرواية تدور أحداثها مع مريم في الفترة بين  خريف ١٩٨٦ وحتى يناير٢٠١٤، بينما مريم هذه التي تصاب بحالة انفصام في الشخصية، وتغمرها مي زيادة بكل تفاصيل شخصيتها، رغم أن الفاصل الزمني بين ولادة الأولى وولادة الأخيرة هو مئة عام بالتمام والكمال!
هنا تبدأ الرواية في الكشف عن مكنونها، هنا عندما تبدأ مريم تروي بقلمها كل مأساة مي، وتحكي حياة مي بكل تفاصيلها بصدق وتجرد، حتى علاقاتها مع كل مَن أحاطوا بها وانتفعوا من صداقاتهم لها!
تدور أحداث الرواية مع مريم في صعيد مصر، ثم في عمارة الأغا خان عند كورنيش النيل بحي شبرا، ثم تنتهي بمستشفى المعادي النفسية، وهي المستشفى ذاتها التي قضت فيها مي زيادة آخر أيامها وماتت في أحد غرفها في التاسع عشر من أكتوبر عام ١٩٤١.
أما الأحداث التي تروي قصة حياة مي فزمانها يبدأ منذ أن خرج المعلم إلياس زيادة والد مي من لبنان قاصدًا الناصرة في إبريل ١٨٧٩ وتعرفه على فتاة جميلة هي نزهة خليل معمر التي أصبحت فيما بعد زوجته وأنجبت له " مي " حيث يكتب لمي الحياة في عذاب دائم حتى تلقى ربها في عام أكتوبر ١٩٤١.
كانت مأساة مي ليست في قلبها وحده أو عقلها ونبوغها بمفرده، بل إن مأساة مي كانت حصيلة نبوغها ورهافة حسها ورقة طبعها، لقد كانت مثل الوردة الرقيقة، تذبل حين تلمسها يد البشر، والرواية تتعرض لكل حياة مي زيادة بتفاصيلها وأصغر أمورها، وكيف بنت مي مجدها بمساعدة أب عظيم وأم لم يكن لها هدف إلا إعلاء شأن ابنتها! ولهذا هيئ والداها لها كل الأمور وأزاحوا من طريقها كل صعب، حتى أصبحت درة الشرق، أديبة الشرق وصاحبة أشهر وأعظم صالون ثقافي في الشرق كله.
الرواية تسلط الضوء على علاقة مي زيادة بأعظم أدباء عصرها، وعلاقتها بأستاذ الجيل أحمد لطفي السيد، والدكتور طه حسين وخليل مطران والدكتور يعقوب صروف وأمير الشعراء أحمد شوقي وعباس العقاد ومصطفى صادق الرافعي والدكتور منصور فهمي والراحل العظيم أمين الريحاني. وعلى الشاعر جبران خليل جبران، وتظهر العلاقة بينهما بكل صدق ووضوح دون تزييف أو تفريط أو مغالاة، الحقيقة بكل أبعادها، كما تكشف عن علاقاتها بالأدباء من مصر وكل دول الشرق حتى شاعر الهند العظيم طاغور!
تكشف الرواية عن السبب الحقيقي لمأساة مي وعلاقتها بأهلها في لبنان، وكيف دخلت العصفورية، وكيف عاشت أكثر من عام داخل حجرة حقيرة تعاني الذل والقهر، وترفض أن تقر بما يقوله الأطباء بأنها مصابة بالجنون.
ولم تنس مي كل من كان سببًا في إدخالها للعصفورية وهي مستشفى كالعباسية عندنا في مصر، ولم تنس مي أيضًا كل من صدق أنها مجنونة من الأدباء والكتاب الكبار، وكل من وقف بجانبها وساندها وأعانها كي تتجاوز هذه الأزمة المريرة التي قلما تصيب واحدة في حجم وقيمة وعقل مي زيادة.
وتنتهي الرواية عندما تموت مي في غرفتها بمستشفى المعادي وحيدة ليس معها سوى السيدة نور المرسي وزوجها الأستاذ مصطفى مرعي ذلك المحام المصري الذي أنقذها من أهلها ورفع عنها الحجر الذي فرضه أبناء عمها عليها ليتحكموا في أموالها وهي على قيد الحياة.
وبعد أن تكتب مريم قصة حياة مي زيادة، تعود لتضع السطور الأخيرة من حياتها هي الأخرى بعد أن تعرضت للظلم نفسه والمأساة نفسها.

مزيد من القراءة