من حلاوة الروح

(0)
التصنيف: روايات
الناشر: دار سنابل
عام: 2000
، من حلاوة الروح رواية مكتوبة باللغة العامية، أو «اللغة المحكية» بالكامل، مما يجعلها عملاً أدبياً يتسم بطابع خاص يمنح شخصياتها مساحة واسعة للتعبير عن نفسها بلغتها التي تتحدث بها في الحياة الواقعية، دون محاكاة أو افتعال، فتعبر عن إنسانيتها في انسيابية بعيداً عن ما يمكن أن يشوبها من افتعالية لو أنها عبرت بالعربية الفصحى، وإن كانت تلك اللغة المحكية ليست بعيدة عن العربية الفصحى، بل تكاد تكون أقرب، وتكشف جماليات تلك الشخصيات من خلال لغتها المتسقة مع حياتها اليومية.

تستخدم الكاتبة في هذه الرواية تقنية «الحكاية الشعبية» من خلال الانطلاق من عالم مفتوح ورحب يتوارى فيه الزمن وراء الأحداث، ويكون فيه دخول الشخصيات وخروجها إلى ومن الحدث سهلاً ويسيراً، ويشكل المثل الشعبي والأقوال المتداولة جزءاً من الحوار، تماماً كما هو جزء من حياة شخصيات الرواية، وفي كثير من الأحيان يكون القول السائر معبراً عن الشخصية دون وصف.
تبدأ الرواية من الناحية الزمنية مع نهايات العام 66 مروراً بالنكسة، وفترة حرب الاستنزاف التي شهدتها مصر في أعقاب هزيمة يونيو 76، وتنتهي الأحداث بجنازة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي حولته الجماعة الشعبية في الرواية إلى بطل شعبي زاد من تلاحمهم معاً، ليخرجوا خروجهم الثاني إلى الشارع للتعبير عن أنفسهم، بعد أن كان خروجهم الأول في مواجهة «المهجرين» من مدن القناة الذين اعتقدوا أنهم جاؤوا إلى المكان ليزاحموهم لقمة العيش الفقيرة.
وتقع أحداث الرواية على أرض منطقة «المطرية»-إحدى ضواحي القاهرة الكبرى المزدحمة بالسكان والخرافات الأقرب إلى الأساطير- التي كانت في ذلك الوقت قرية صغيرة، معروفة بوجود الأثر التاريخي والديني المهم «شجرة مريم»، التي استراحت تحت ظلالها السيدة العذراء وبين يديها المسيح طفلاً هرباً من اضطهاد اليهود.
المكان المحدد لوقائع أحداث هذه الرواية «بيت فقير» مكون من حجرات متراصة، كل حجرة تسكنها أسرة كاملة، تمارس فيها حياتها من أفراح وأحزان بشكل يكاد يجعلهم أسرة واحدة رغم تعدد مشارب كل أسرة، بل والاختلاف الديني بينها.
وشخصيات هؤلاء تنتمي إلى أصول مختلفة من أقاليم مصر، جمعتهم الحياة الفقيرة التي دفعتهم إلى ترك مواطنهم الأصلية بحثاً عن لقمة أفقر في المطرية، ليزاحمهم عليها بعد ذلك المهجرون القادمين هرباً من جحيم معارك الاستنزاف من أهالي مدن القناة، وتحمل كل شخصية ثقافتها التي جاءت بها من أوطانها الصغيرة قبل الرحيل إلى المطرية، وإن كان التزاحم على لقمة العيش دافع إلى خلق التفرقة بين هؤلاء، نكتشف أنهم جميعاً تجمعهم أعمالهم الفقيرة التي لا تكاد تقيم أودهم وتكون السبب في تلاحمهم معاً في مواجهة الغاصب المجهول المتسبب في تعاسة حياتهم.
وإن كانت هناك أعمال روائية عديدة حاولت أن تجاري رواية «قنطرة الذي كفر» التي كان «د. مصطفى مشرفة» رائداً في استخدام العامية لغة للكتابة بها، إلا أنها لم تنجح لأنها كانت محاولات «شكلانية»، من هنا فإن رواية «من حلاوة الروح» للكاتبة «صفاء عبد المنعم» ربما تكون الأكثر اكتمالاً من الناحية الفنية، لأنها لم تلجأ إلى استخدام العامية كشكل جديد، بل استطاعت أن تكشف عن إمكانات جديدة في التعبير الثري لهذه اللغة، وقدرتها عن الإمساك بهذا العالم من خلالها.