عزف على ناي حزين

(0)
التصنيف: شعر

عن ديوانه (عزف على ناي حزين):
محمود السعيد.. كلاكيت تانى مرة

ليست مقدمة
ـــــــــــ
فأنا أؤمن تمامًا بأن العمل الإبداعي لا يجب أن يُقدم له على الإطلاق.. وإنما يجب أن يُترك القارئ ليتفاعل معه مباشرًة دون أى مقدمات.. ولكن لهذا العمل قصة.. وحِكاية.. ولصاحبهِ ـ رحمه الله ـ تجربة.. القصة تخصنى ككاتب.. وقارئ أزعم أن لى باعٌ طويل فى القراءة.. والنقد.. والتقييم.. على الأقل باعتبارى كاتبًا مارست كافة فنون الكتابة.. ومن بينها الشعر.. قرأت تقريبًا لكل الشُعراء المعاصرين.. والأسبقين.. ولكنى توقفت عند محطة الشاعر الراحل الكبير (أمل دنقل).. وكان لى مقولة شهيرة أكررها دائمًا: (أن الشعر الحُر.. وُلِدَ ومات مع أمل دنقل.. ولن يُبعث من جديد).. لكن ها هو (محمود السعيد) يثبت خطأ مقولتى..
(محمود السعيد) لم أعرفه فى حياته.. ولم ألتقيهِ على الإطلاق.. لكن عندما وقعت أشعاره بين يديَّ فوجئت بما لم أتوقعه.. موهبة طاغية تقفز من بين ثنايا كلماته.. وأفكار قصائده.. وكأنى أقرأ لـ (أمل دنقل) صاحب المدرسة الشعرية الفريدة.. وكأن (السعيد) يعيد فتح أبواب تلك المدرسة على مصراعيها من جديد.. بعد أن رحل دنقل وهو فى عزِ عطاءه.. وأغلقها بيده قبل وفاته فى سنٍ مبكرة.. وألقى بمفاتيح أبوابها فى قاعِ بحر الشعر والإبداع.. ربما قبل أن يولد محمود السعيد الذى غاص فى ذاك البحر اللجج.. ليسترد مفاتيح عالم أمل دنقل.. ويخرج ليفتح ثانيًة أبوابه الموصدة..
لكن كان للقدر رأيٌ آخر.. فمثلما وَدَعَ شاعرنا العظيم (أمل دنقل) عالمنا فى سنٍ مبكرة.. رحل (السعيد) فى ريعان شبابه..
ليس هنا فقط يتشابه الشاعران.. إنما هُناك عوامل متعددة يتشابه فيها كلاهما..
فما أشبه الاثنان بشهابٍ ساطع أضاء سماءنا الشعرية.. ثم رحلَ بلا عودة..
كلاهما تعَمَدَ بماءِ الإبداع.. ونهلا من معينٍ واحد ينبع هُناك فى (وادى عبقر) حيث يسكن شيطانُ الشعر.. وأطلاَ على عالمنا متدثرين بعباءة موهبةٍ طاغية.. متعطرين برحيقِ صدقِ الموهبةٍ.. وتسامى العطرُ ليتكاثف صورًا شِعرية شديدة التفرد.. رائعة المفردات.. تَفتحَ عبقُ شذاها ليبقى.. وسيبقى.. محفورًا فى ذاكرة كل من يقرأه..
أغرب ما فى تجربة (السعيد) صاحب هذا الديوان أنه من خلال قصائده كان يتنبأ بموته.. بل.. كان يبحث عنه.. ينتظره.. ربما يسعى إليه..
وأجمل ما فى كلماته ما تحمله لنا من صورٍ شعرية.. شديدة الواقعية.. جديدة الفكرة.. رائعة التصوير..
وفى انتظار من يُعيدُ فتحَ أبوابَ مدرسة الشعر الحُر.. لا نملك إلا الانتظار والدعاء لشاعرينا الكبيرين..
رَحِمَ الله.. السعيد..
رِحِمَ الله أمل دنقل..

الكاتب الصحفى
عصام عبد الفتاح