كاتبة وطبيبة مصرية.
صدر لها:
ربما كالآخرين: قصص، عن الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، 2003.
ابن النجوم: قصص، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003.
المنطقة العمياء: قصص، الدار للنشر والتوزيع، القاهرة، 2008.
المرأة الأولى: قصص، دار أرابيسك للنشر والتوزيع بالقاهرة، 2009.
الجوائز:
_ جائزة المركز الأول في القصة القصيرة، مسابقات سعاد الصباح للإبداع الأدبي، الكويت، دورة 2003-2004.
_ جائزة المركز الأول في القصة القصيرة، مسابقة دبي الثقافية، الإمارات العربية المتحدة 2005 .
ـ جائزة المركز الثالث في الرواية، عام 2003، المسابقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2003.
ـ جائزة المركز الأول في الرواية في المسابقة الإقليمية (أحمد فتحي عامر، مستشار دار الفكر العربي) برعاية دار أخبار اليوم، في دورتها الأولى، عام 2003.
ـ جائزة المركز الأول في القصة القصيرة، مسابقة عبد الرحمن الشرقاوي، الهيئة العامة لقصور الثقافة، عام 2004.
نموذج من أعمال الكاتبة
بعضٌ من يومٍ وليلة
قصة قصيرة لأسماء شهاب الدين
قلت لك من قبل إن البلاد مثل البني آدميين يأتي عليها زمان يسود فيه وجهها ويتكرمش جلدها، وتتكسر فيه أسنانها التي كانت حادة فيما قبل، وينحني ظهرها وتصاب بالألزهايمر، فتنسى الأيدي التي ربتت عليها بحنان يوما ما وتجرب التجوال بلا هدف والهلاوس ويصبح لديها انفعالات كارثية. هذه البلاد شاخت بعد أن تغلغلت خلايا السرطان في عظامها. غالبا ما يكون الاستئصال هو الحل.
ـ هل صدقتني الآن؟ قلت لك من قبل!
أوسخ شيء بالنسبة لي، والأشد عداوة ـ عداوة ضارية تفوق كثيرا ما في قلبي تجاه ذلك الحيوان الذي أنا بصدد الذهاب إليه ـ هو الشعور بالجوع.. جوع لا ينتهي. طيب هذا الحيوان عرفت كيف أتدبر أمري معه؛ لكن الجوع! مازلت أبحث الأمر. لو كان الجوع حيوانًا ضاريًا أو امرأة ...... لنسفته بالديناميت. لا يهمني في الفقر غير الجوع. أنت تعرف ذلك جيدا. لن أخسر كثيرًا إذا وضعت كتانًا أو حريرًا فوق جلدي. من صنع مصر أو الصين أو سينييه من أجل جسمي أنا تحديدًا. لا يعنيني سكنى القصور أو أن أخرج كما خرجت الآن من عشة في حارة في زقاق من زقاق من زقاق من زقاق من زقاق من زقاق من زقاق. أنا أستلذ باستخدام رجلي في كل الأحوال. أما عصافير البطن الجائعة هل تستطيع قتلها وهي منك؟! المصارين الهائجة التي تفرتك بعضها بعضا كيف تقضي على ثورتها بحل عسكري وهي قابعة بداخلك كحيوان لا يرضى بفرائسه ولايشبع. نعم يحدث هذا في حالة واحدة: الانتحار (على المستوى الفردي) وأنا لا أفضله، وعلى المستوى الجمعي: عملية تصفية هتلرية شاملة لكل الجائعين. أسألك ولا تهرب من إجابتي بصراحة: أولا يحدث هذا معي ومعهم رغمًا عنا جميعا؟
الجائع لا يرى بوضوح. غير مستبصر تقريبا. يحك وجهه طوال النهار وينام كثيرا. الجائع غير منتج. الجائع حاقد على ممتلئي البطون وحتى أنصاف الشبعانين. المجاعة كافرة، والجائع باختصار أوسخ إنسان طلعت عليه شمس.
هل هناك ضرورة لشراء تذكرة مترو قبيل الفجر بقليل؟ لا أرى غير بعض المراهقين الذين انتزعت منهم العافية وفراغ النهار رغبتهم في النوم. أفضل هذا الوقت دون غيره للخروج لأني لا أحب الشوارع المليئة بالعرق والأنفاس والعيون المتسعة بفضول كالفناجين. المصريون في الصيف يمارسون أغلب أنشطة حياتهم في الشوارع ووسائل المواصلات. لا أسمع خلال الرحلة من المرج حتى الدقي سوى صراخ الغربان في بطني. الآن دربت نفسي على تجاهل صوته المنكر الذي كان يهاجمني عبر التلفزيون والراديو وسطور الجريدة. بالتأكيد شعرت براحة؛ لكنها لن تكتمل بدون هذه الخطوة المهمة. خطوتي تهز الأرض لأن غرضي نبيل. ها.. ها.. ها. ستفهم هذه الأشياء فيما بعد. تعرف هذه البلاد أجمل الآن وربما هي بحاجة لأن تخمد أنفاسها هكذا طوال الوقت. البناية مميزة. مفتوحة؟ مازالوا يتركون الأبواب مفتوحة. رجل الأمن في زيه الفقير وبقامته الهزيلة يبدو صالحا للضرب على قفاه أكثر من أي وقت. البواب نائم. المصعد قد يثير جلبة. أستخدم رجلي. سيفتح الباب ببساطة قلبي يحدثني بهذا. من اعتاد جلب العاهرات يفتح باب شقته في عمق الليل ببساطة.
أعرفك بنفسي ياسيدي.. أنا الأستاذ جائع. لم أترك له فرصة للتحرك. لكمة في فكه الحليق بداية جيدة. يسقط أرضا. تدور عيناه في محجريهما عندما أعاجله بأخرى في خصيتيه. رغم كل الألم البادي على وجهه، تبرز بإفراط في ملامحه دهشة وتساؤل عن هويتي. أجيبه بلكمة أخرى. يتهاوى بشكل قد يكون نهائيا. خدعة لن تنطلي علي. أسرع لأنزع بعض الستائر المعلقة على الحائط وأنا أقبض على ياقته الحريرية وآخذ جسده معي. أجلسه على الأرض. أقيد يديه في رجل كنبة الصالون بالستائر المجدولة. وبسكين مطبخ صغير أحمله معي دائما أبدأ الإبداع. أتوانى برهة لألتقط أنفاسي وبعض حبات العنب وأستلذ برائحة الدم الطازج. لحم البشر حين يطهى لا يختلف كثيرا عن العجول البلدي شكلا ومضمونا. لا تفهمني خطأ. لم أقم بهذه الشناعة. لم أستعر مما يملك سوى بعض حبات العنب!
أغلق الباب بهدوء. طلعت الشمس بنفس اليقينية اليومية. اختفى نعيق الغربان في بطني رغم روائح الخبز الطازج في الأجواء. انظر لا أحب أن يقفز حاجباك فوق رأسك من الدهشة. تذكر أنك أنت من طلبت مني أن أحدثك عن يومي بالأمس. أنت مسئول تقريبا. رأيت صغارًا يحملون حقائب مدرسية ثقيلة على ظهورهم ويغمضون جفونهم بقوة في محاولة لتذكر ما درسوه. أضحك متعجبًا منهم، فيتعجبون مني. الناس تهرول وتهرول في كل الطرقات. مازال البعض يضحك ويأكل ويتصفح الجرائد ولا أحد منهم يعلم أني أحمل سكين مطبخ صغير. لا أعذرهم لجهلهم، لا أعذر أحدا. هكذا أصرخ فيهم فجأة: ’يا ركاب المترو لا أعذر أحدا‘. لم يلتفت لي أحد. قلت لك مرارًا إني اختبرت ذلك والنتيجة سلبية على الدوام، فمضيت في طريقي نحو رصيف ضواحي الجيزة وسط رجال جائعين يحملون عدد الرزق على أكتافهم، ونساء ترتدين جلابيب طويلة تستر كعوبهن المتشققة، ويمسحن فيها دموعهن ومخاط أنوفهن، ويقدن بها أطفالهن حتى لا يضيعوا في زحام المدينة.