الروائي السوداني أمير تاج السرّ طبيب، نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن «366»، ووصلت بعض عناوينه إلى القائمتين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبية عربية مثل «البوكر» و«الشيخ زايد»، وأجنبية مثل «الجائزة العالمية للكتاب المترجم» عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76». تُرجمت أعماله إلى لغات عدّة؛ منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والفارسية والصينية. صدر له عن نوفل: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، و«غضب وكنداكات» (2020).
يتميز ” أمير تاج السر ” بلغة شعرية فاخرة ، وسرد يغوص في أعماق الذات الإنسانية ويكتشف عوالمها ، برؤية ثاقبة للأشياء ، بالإضافة إلى امتلاكه قدرة على سبر أغوار الأسطورة ، والتاريخ ، وصياغتها من جديد بقالب إبداعي مختلف يمتلك تجرية متميزة في السرد، يقارنها بعض النقاد بتجربة الطيب صالح، ليس من جهة تشابهها معها ولا من جهة قرابة الدم بين الاثنين، حيث الثاني خال الأول، ولكن لأن الرواية السودانية لم تقفز خارج الأسوار منذ “موسم الهجرة إلي الشمال” للطيب صالح إلا ما ندر منها، كما في حالة أمير تاج السر، الطبيب الذي كسر قاعدة الأطباء في رسم غلالة من الصمت والهدوء حول شخصياتهم من الخارج، ليشهر قلمه وينثر آلاف الكلمات علي مئات الصفحات، مثيراً زوبعة من الأخيلة والتأويلات حول ما يروي .. أو ما يكتب. بدأ ممارسة الكتابة في مراحل مبكرة جداً من حياته، ففي المرحلة الابتدائية كان يكتب القصص البوليسية تقليداً لما كان يقرؤه أثناء الطفولة، وفي المرحلة المتوسطة بدأ يكتب الشعر بالعامية، وتغنى المطربون فيما بعد بالكثير من أشعاره. واستمرت كتابة الشعر حتى خلال دراسته للطب، وأصدر دواوين شعر بالعامية السودانية، وفي عام 1985 بدأ يكتب الشعر بالفصحى ووصل لمراحل متقدمة وكانت قصائده تنشر في مجلات كبيرة ومزدهرة في ذلك الوقت مثل “القاهرة” و”إبداع” و”المجلة” و”الشرق الأوسط” وكان يتوقع الكثير من أصدقائه أن يظل مستمراً في كتابة الشعر، لكنه في العام 1997 كتب رواية اسمها “كرماكول”، وكان حينها أنهى دراسته في جمهورية مصر العربية ويستعد للعودة، ورغم كونها رواية صغيرة فوجئ بأنها أحدثت أصداء كبيرة في القاهرة، الأمر الذي شجعه لمواصلة الكتابة، لكن بعد عودته للسودان بدأ ممارسة الطب، وعمل في أماكن بعيدة، ولكثرة التنقل والانشغال بتكوين الذات في مجال العمل، انقطع عن الكتابة لسنوات طويلة، حتى انتقل في عام 1993 للعمل في الدوحة. في عام 1996 كتب روايته الثانية “سماء بلون الياقوت” بعد انقطاع عن الكتابة دام عشر سنوات، وهي مستوحاة من بيئة شمال السودان، ثم تلاها رواية “نار الزغاريد” ثم “مرايا ساحلية” وهي الرواية التي أحدثت نقلة في تجربته الروائية، وكانت عبارة عن سيرة عن منطقة “بورسودان”، كما كتب “سيرة الوجع” والتي نشرت على حلقات في جريدة “الوطن” القطرية، وكانت عن ذكريات متنوعة من البلدة البعيدة التي كان يعمل بها “طوكر”، ثم كتب “صيد الحضرمية” و”عيون المهاجر”. أما البداية الحقيقية والتي تمثل مرحلة الانطلاق والانتشار الواسع النطاق، كانت في عام 2002 عندما كتب د. تاج السر روايته الأشهر “مهر الصياح” و هي رواية ضخمة ذات طابع تاريخي، وهي التي حققت انتشارا كبيرا وأصداء بعيدة، وترجمت منها عدة فصول بالفعل، ، وتلتها رواية “زحف النمل” التي انتشرت بشكل كبير، وحققت أكبر شهرة، وصادف صدورها مع افتتاح معرض القاهرة للكتاب، وحققت حينها أعلى مبيعات، وانتشرت بشدة، وبعد ذلك تواصلت التجربة مروراً بتوترات القبطي والعطر الفرنسي، وصولا لـ صائد اليرقات. اهم اصداراته 1- مهر الصياح بلغته الشاعرية الخاصة والمميزة، يسرد المؤلف السوداني أحداث هذه الرواية المشوقة. ويقدم فكرة شاملة عن الثقافات المتعددة التي استوطنت السودان، وشكّلت تاريخها وحضارتها، ويخص بالذكر دارفور وتاريخها في القرن الثامن عشر، من خلال شخصية إبن صانع الطبول الفقير “آدم نظر”، النابضة بالحياة والغنية والفّذة، والمليئة بالأسرار. تتشابك حياة آدم مع الشخصيات الأخرى، داخل إطار مركّب، يحتوي مزيجاً من الواقع والخيال وعالم الأساطير، ليخفي وراءه رسالة ورمزاً، مما يحفّز القارئ على متابعة التفاصيل والشوق لمعرفة المصير الذي سيؤول إليه بطل الرواية. القصة مستوحاة من كتاب ألفّه “رحالة عربي قام برحلة إلى بلاد السودان في القرن السابع عشر”، حسب ما يقول المؤلف في بداية كتابه الغني بالمعلومات والأجواء التاريخية. “الأخبار لا تندس أبداً.. في القصور المرفهة أو أحياء الفقر أو الأسواق والطرقات، النصوص المكتوبة قد تعاد كما هي أو قد تكتب بأحبار أخرى، وتروى من جديد..”، وقد نجح المؤلف في ذلك مكوناً أسلوبه الشاعري الخاص والمحبب.
2- زحف النمل لة صعود مطرب من المجهول إلي قمة المجد ثم أنحداره الذي جاء علي يد متبرع بكلية زرعت في خاصرته وأحالت حياته إلي جحيم يعلن المتبرع في البداية رفض المقابل المادي لكليته وسرعان ما نكشف أن الثمن الذي يريده كان حياة المطرب ذاتها وليس أقل من ذلك ! يخلص ” فاعل الخير” المطرب من زحف النمل في دمه تحت ماكينة الغسيل الكلوي لكنه يزحف مع كل أهل قريته ليقيموا في فيلا المطرب ويحيلوا هدوءها إلي فوضي صاخبة. في الرواية يتعانق السرد والشعر حيث تاتي اغنيات المطرب كفواصل ساخرة بين فقرات الحكي سريع الأيقاع وتحيلنا خفة الأغنيات إلي ما يحدث في عالم الغناء وكيفية تصنيع نجومه علي أن أهم ما تحققه ” زحف النمل ” هو متعة القراءة وهذه هي المهمة الأولي والأخيرة للكتابة الجيدة. 3- توترات القبطي صدرت عن دار (ثقافة) للنشر بأبوظبي بالاشتراك مع الدار العربية للعلوم ببيروت والرواية المستوحاة من التاريخ ، حيث تجري أحداثها في مدينة (السور) التي كانت أول الأهداف الكبيرة لثورة دينية هبت كما تقول تعاليمها ، لطرد المستعمر وتطهير البلاد من الكفر والشر، ووجد (ميخائيل القبطي) نفسه داخل تلك الثورة بعد أن انقضت على المدينة التي كان يعمل فيها محاسباً وجامعاً للثروة، ليفقد أهله وخطيبته (خميلة) التي كان زواجه منها يقترب حين تم غزو المدينة. يتغير اسمه إلى ( سعد المبروك ) ، ويجد نفسه طباخاً في إحدى الكتائب برغم عدم معرفته بالطبخ، ثم يعين تابعاً لقائد الكتيبة حيث ينشأ صراع بينه وبين القائد حول (خميلة) التي كان القائد مولعاً بها كما يبدو، ويغشاها في أحد البيوت في مدينة ( السور ) الغارقة في الفوضى . وبرغم افتتان القبطي بالدين الإسلامي الذي دخله كما يقول، إلا أنه لا يبدو مؤمناً كثيراً بتعاليم الثورة، وكان منشغلاً طوال الرواية بمحاولة تذكر الماضي وحبيبته الضائعة ومحاولة العثور عليها في كوابيس القائد الذي يقيم في خيمة ملاصقة لخيمته في معسكر الكتيبة . 4- العطر الفرنسي تعتمد الرواية في بنائها الدرامي على خبر وصول نجمة فرنسية للإقامة في حي “غائب” الشعبي في إحدى المدن السودانية النائية لكتابة بحث عالمي لا أحد يعرف ماهيته أو أسبابه، يلتقط بطل الرواية “علي جرجار” الخبر، ويسارع لنقله إلى الحي الهامشي بعد أن يضيف إليه الكثير من البهارات والمحسنات ليجعل منه خبراً مشوقاً يستحق النقل. تحدث أثناء الانتظار تداعيات وتطورات كثيرة غير متوقعة منها سقوط “علي جرجار” في حب الضيفة المتوقع وصولها، ذلك الحب الوهمي يدفع “جرجار” للتخلي عن ممارساته القديمة، وبناء شخصية مختلفة ليكون مستعداً لقبول الزواج من الفرنسية بعد أن تخيّل أنها ستقع في حبه وتطلب يده. 5- صائد اليرقات صدرت عن دار ثقافة للنشر بأبوظبي بالاشتراك مع دار الإختلاف بالجزائر ، رواية صائد اليرقات للروائي السوداني أمير تاج السر ، تحكي الرواية قصة عبد الله حرفش الملقب بعبد الله فرفار ، رجل الأمن الذي تقاعد عن العمل بعد أن بترت ساقه اليمنى إثر حادث أثناء ممارسته عمله ، وقرر أن يصبح كاتبا روائيا بعد أن قرأ في عدد من الصحف والمجلات عن أشخاص لا علاقة لهم باالكتابة أصبحوا كتابا . تتغلغل الرواية في وسط عالم الكتابة ، والمثقفين ، وتحتشد بشخصيات عديدة ، ومصائر شتى ، وكتبت بلغة موحية وساخرة .