عفاف عبد المعطى تكتب: "سنين ومرت" لسهى زكى

عفاف عبد المعطى تكتب: "سنين ومرت" لسهى زكى

تحكى هن شخصيات تعيش العزلة

المصدر اليوم السابع 17 مايو 2016

لسنوات طويلة ظللت أرفض الكتابة عما عُرِف بـ"الكتابة النسائية" ذلك أن الإبداع إبداع ليس مرتبطا بفرد بقدر ارتباطه بقيمة، لكن تعدد النظريات يفرض علينا أحيانا أن نتفرس فيما يظهر من مصطلحات متوالية تصب فى غاية كتابة المرأة سواء انصبت تلك الكتابة على كون المرأة جزيرة منعزلة داخل مجتمع كبير، أم تشابكت مع هذا المجتمع كاشفه أمراضه وكذلك حساسيته فى التعامل معها وحساسية المرأة فى قبول آليات هذا المجتمع، وإن كان الحقل الدلالى لكتابة المرأة يحيل إلى خصوصية الكتابة وتنوع فحواها الذى يختلف كثيرا عن إذا كان صاحب الكتابة كاتب له رؤيته الخاصة للعالم التى لا تختلف عن رؤية المرأة الكاتبة للعالم وكذلك عن قضاياها ومضمونها.

وبعد قراءة رواية الكاتبة سهى زكى (سنين ومرّت ) كان لابد أن أرجع إلى مسوعة علم النفس والتحليل النفسى وهى قاموس (إنجليزى / عربى ) أكثر من كونها موسوعة للعالم الدكتور عبد المنعم الحفنى (مكتبة مدبولى ط 1 / 1975 ) كى أجد مصطلحا نفسيا يتوائم مع السيدة (س) وقد وجدت مصطلحين دالين على صورة السيدة (س) الأول: توجيه الذات self direction أى التسيير الذاتى بدوافع ذاتية، والثانى تصميم الذات self determination أى تصميم الفرد على تحديد سلوكه، فمن دفتر الذاكرة الذى يقع بين أعوام 1975 حتى 2004 نسج الراوى سيرة السيدة (س) عبر صفحات متباينة عشوائية بدءاً من طفولة (س) حينما كانت تحتضن عروستها لتشبع إحساس الأمومة داخلها، ثم الالتحاق بالمدرسة ونسيان ألعاب الأطفال فى الحوش (ساحة اللعب) مرورا بشخصيات البيت القديم المتنوعة بدءا من الجد هراس متغضن الوجه الذى يخافه الأطفال ليس لشكله فحسب بل لصوته الأجش وأسلوبه الفظ أيضا، ثم داليا صديقة الطفولة والتى قصّر السرد كثيرا فى وصفها بل كان قاصرا فى الوصف، فداليا وحدها رواية بتطور شخصيتها والقهر الاجتماعى الذى تعرضت له هى رواية أيضا لأنها الوجه الآخر للسيدة (س) التى تأبت على الوضع الاجتماعى بينما خضعت داليا له بعد خرس صوتها الجميل ثم التعامل مع حجابها الإجبارى (قمة الاحتشام عند الخروج من المنزل لإرضاء تخلف الأسرة، ثم الانبساط كفتاة عادية ممن يسيرون بل يملأون شوارع مصر وانتهاء بالنقاب وهو التطور الطبيعى لفرد قيم التخلف على البنت ثم الزوجة باعتبارها عورة اجتماعية ليس على المجتمع بل على من يفرضون عليها ذلك دون إتاحة فرصة الاختيار لها، وقد قصّر السرد والراوى العليم فى وصف شخصية داليا التى تمثل إدانة حقيقية لمجتمع يسير بخطى ثابتة إلى أدنى درجات التخلف الاجتماعى.

أما السيدة (س) فيشعر القارئ أن لديها قدرا كبيرا من تصميم الذات أى تحديد سلوكها ومن ثم التواطؤ مع الراوى العليم كى يسرد عنها ما سرد كأنها رواية سيرة ذاتية أرادت كاتبتها أن تتقنع بذلك النوع من الرواة كى لا تسرد عن نفسها، فهى مثل بقعة الزيت التى لا تذوب فى الماء (هى التى: تترك جسدها كل يوم ملقى على السرير يحتضن الوسادة الخالية ساخرا منها وهو يراها تلبس روحها رجلا غبيا وعنيدا اعتاد سخريته اليومية منها ولم تسأله يوما لماذا تضحك؟) كلنا يعرف العلاقة الشائكة بين كينونة المرأة وإحساسها بها ورفض الرجل السلبى لهذه الكينونة (مهما تعلم) إيعازا منه بأن هذه الكينونة ضد ذكورته التى يمارسها على المرأة يوميا بالسلوك أو بالفعل.

والسيدة (س) توعز للراوى أيضا – نتيجة ليأسها من الواقع المتشظى وشخصياته غريبة الأطوار أن يقرر من دفتر الذاكرة ص 344 بين أعوام (1995/ 2000 أى على مدار خمس سنوات) أنها طاب لها أن تتعلم أن سيجارة الحشيش غذاء الحزن وصناعة الدموع) وبناء على ذلك ليس غريبا أن ترفل الرواية (التى اعتبرها نوفيلا أكتر من كونها رواية تجسد تقنيات الكتابة الروائية الثابتة) فى وصف شخصيات تتناسب مع شخصية السيدة (س) الكاتب الشاب الذى يتقمص شخصية المطرب محمد منير بنحافته وطريقته وقصة شعره، صفية غريبة الأطوار المدخنة الشرهة التى تهوى أن يقرأ لها أحد الفنجان إيمانا بمعرفة الطالع، أو البنات التافهات اللائى لا يهمهن سوى القشريات فى حوار لا يمتلئ سوى بالحديث عن الشعر والميك أب أو فلان الذى (علّق ) فلانة والتى تهرب (س) منهن الى عالم من نسج الخيال.

عندما تفرغ من قراءة رواية سنين ومرت للكاتبة سهى زكى تتأكد أن سنين كثير من الناس (ذوى الحساسية المفرطة ) قد مرت وهم يسيرونها بعجز وتوجية للذات أى تسييرها بدوافع ذاتية دون أدنى مقاومة أو رجاء فى التغيير تغيير الواقع أو حتى النفس بل بميل تام إلى مشاهدة ورصد انحراف وخواء مجتمعى دون أى ردة فعل تجاه هذا الانحراف بل الوقوف على الاعراف والاكتفاء بدور المشاهد الراصد فحسب.

من السيدة (س) مرورا بالعالم التقليدى الذى نشأت فيه والعالم الفنى الذى انتسبت إليه لا تجد فى رواية سهى زكى سوى الإحساس بأن كل الشخصيات تعيش فى عزلة حتى إذا تعاملت (س) معها تتعامل دون اقتراب خوفا من الاصطدام فتقف على الأعراف ذلك أسلم وقد أزكى ذلك لغة النص المتقشفة التى ساعدت على تصوير سيرة السيدة (س) المنعزلة داخل جماعة اجتماعية أكثر انعزالا فى مجتمع متشظى تُحمِّل كل قيمه السلبية من يعيشون فيه على العزلة.