السمسار

السبت 18-06-2016

كم يمكن أن تبلغ عمولة رئيس لدولة ما من دول الشرق الأوسط، وكم ستبلغ عمولة السيد نائب الرئيس فى صفقة أسلحة تقدر قيمتها بعشرة مليارات دولار؟؟، وكم ستبلغ فى نفس الصفقة عمولة وزير الدفاع ورئيس المخابرات العامة، والفريق المعاون لهما فى إتمام الصفقة؟؟ وكم ستبلغ أرباح الشركة التى سوف تقوم بنقل الأسلحة؟ وهل تلك الأرباح من الضخامة بحيث تبرر إنشاء شركة ملاحية لكى تقوم خصيصا بهذه المهمة مع تحمل كافة نفقات الإنشاء والتسجيل حتى لو لم تقم الشركة بعد تسجيلها بمهمة أخرى سواها؟ لا أتكلم هنا بالطبع عن رئيس معين ولا عن نائب بذاته للرئيس ولا وزير للدفاع فى دولة معينة، ولكن مثل هذه الأسئلة وغيرها تطرحها (وربما تجيب عليها أيضا إجابة تبدو لنا بالغة الدقة والإقناع) رواية: « السمسار» للروائى الموهوب: «عمرو كمال حمودة»..التى تكشف لنا الكثير مما يدور فى كواليس صنع القرار فى الكثير من دول الشرق الأوسط التى ما زالت تقبض على زمام الأمور فيها سلطة مدنية تنتمى إلى جذورعسكرية، تظل طيلة الوقت ملتحمة بتلك الجذور ومتشابكة معها، وتظل هى وحدها المهيمنة على صنع القرار فى نهاية المطاف، رغم اعتمادها فى كثير من الأحيان على عناصر مدنية خالصة شديدة الكفاءة وشديدة الانتهازية أيضا!!، ورغم وجود برلمانات كثيرا ما تنطوى على أصوات معارضة مدوية، لكننا سرعان ما نكتشف أن الكثيرين من أصحابها ماهم بدورهم فى حقيقة الأمر إلا سماسرة أو تجار تظل أصواتهم فى المجلس ترتفع إلى أن يتم ترضيتهم فى الخفاء، فيحصلون أو يوعدون بما يطلبون!!، ورغم وجود صحافة (معارضة) وأخرى (مستقلة)، لا تتوقف بين الحين والآخر عن تفجير قضايا للانحراف والفساد تطال شخصيات نافذة، لكننا كثيرا ما يتبين لنا أن تفجير تلك القضية بالذات وفى هذا التوقيت بالذات، يكمن وراءه حوت من حيتان السلطة وقد أوجعه أن يحصل حوت آخر على ما كان يمنى نفسه هو بأن يحصل عليه من الكعكة!!.. ميزة العمل الروائى الجيد أنه روائى.. يكشف الخبايا ويقدم الحقائق ويحل الألغاز التى كثيرا ما تثير حيرتنا ودهشتنا دون أن يعرض مؤلفه للمساءلة القانونية لأنه فى النهاية يقدم عملا من نسج خياله، ولأنه يحرص على التنويه قبل أن تبدأ الصفحة الأولى بأنه كذلك، ولأنه يحرص على أن ينبهنا قبل أن يبدأ فى تقديم شخصياته وأحداثه إلى أن أى تشابه بينها وبين ما قد يكون موجودا فى الواقع راجع إلى المصادفة!، والحقيقة أن هذه الرواية هى أول ما قرأته للمؤلف الأستاذ عمرو كمال حمودة، وإن كان الناقد المعروف الأستاذ شعبان يوسف قد أشار فى تذييله لها إلى أنها روايته الثانية، وأنه قد سبق له نشر رواية أخرى مثيرة هى: «فيوليت والبكباشى»، والتى يبدو من عنوانها أنها غالبا تدور فى نفس الإطار الذى يقدم لنا عملا روائيا خالصا، لكنه فى الحقيقة يقدم لنا عملا يقع على الحدود المشتركة بين ما هو إبداعى وما هو توثيقى!، وربما كانت هذه الصيغة هى الصيغة المثلى لحل معادلة بالغة الصعوبة كثيرا ما هيمنت على حقب التحول الحرجة من النظم العسكرية والأمنية الخالصة لبعض الدول فى منطقة الشرق الأوسط إلى نظم تتسم بهامش ظاهرى واسع من الديمقراطية وحرية التعبير، لكنها فى الوقت ذاته تنطوى على خريطة غير معلنة من الخطوط الحمراء والمحاذير، وعلى الكثير من القوى المتربصة الجاهزة للفتك والتنكيل بكل الوسائل بكل من يحاول اجتياز تلك الخطوط.