قراءة حول رواية طفل شقي اسمه عنتر لمحمد توفيق

حينما يتحول الواقع إلى سيرك حافل بالبهلوانية والسحر والتغييب

جريدة القدس اللندنية - 10-12 ديسمبر 2003 بقلم : فتحي أبو رفيعة

محمد توفيق في ”طفل شقي إسمه عنتر“ حينما يتحول الواقع إلى سيرك حافل بالبهلوانية والسحر والتغييب مقتل ممثلة يكشف عن واقع مهترئ في برج السعادة المتوهمة

”في يوم من الأيام، راح أكتب قصيدة، عن السما، عن وردة على راس نهد، عن قطتي، عن الكمنجة الشريدة، عن نخلتين فوق في العلالي السعيدة، عن عيش بيتفتت في أودة بعيدة، عن مروحة م الورق، عن بنت فايرة من بنات الزنج، عن السفنج، عن العنب، عن الهموم الجديدة، عن حدايات شبرا، عن الشطرنج، عن كوبري للمشنقة، عن برطمان أقراص منومة، .... عن قوس قزح بعد الصلا في العيد. ح اكتب قصيدة، ح اكتبها، وإن ما كتبتهاش أنا حر . الطير ماهوش ملزوم بالزفزقة.“ بهذا الاستهلال الجميل تبدأ رواية "طفل شقي اسمه عنتر" لمؤلفها محمد توفيق، والصادرة مؤخرا عن دار ميريت للنشر والمعلومات بالقاهرة. تكمن أهمية هذه الأبيات، وبالتالي اقتباسها في صدر هذه القراءة السريعة لهذا العمل الأدبي المتميز، في أنه يمكن اعتبارها بشكل أو بآخر حجر الأساس الذي تقوم عليه الرواية، وتعبيرا عن فحواها: ذلك الشعور القوي والرغبة التي تتسم بالإصرار لدى الفنان الملتزم، شاعرا كان أو روائيا، بأن يخلق عملا جامعا يعبر به عن كل مكنونات فكره، وعن واقعه، وأحلامه، ونوستاليجياته، ورغباته الظاهرة والمكبوتة، وعن همومه ويأسه وتطلعه إلى المستقبل. هي تبدو بالفعل مهمة عويصة وخارقة. هنا أيضا يرسم الفنان لنفسه خط الدفاع ودرء اللوم: إن ما كتبتهاش، أنا حر. الطير ماهوش ملزوم بالزقزقة. ومن شأن أي قراءة سريعة للرواية (سأشير إليها من الآن فصاعدا باسم مختصر هو “عنتر …”) أن تعزز هذا الاستنتاج الأولي عن التطابق بين ما تثيره أو ما تشير إليه هذه الأبيات من قضايا متشابكة، و”هموم جديدة“، وبين فحوى الرواية وما تثيره أيضا من قضايا وهموم استلهمت أسلوب جاهين شاعر الشعب، ذي القدرة الفائقة على التعبير عن روح الوطن وروح الشعب في كل ما يصدر عنه من إبداع. (سيلجأ المؤلف إلى هذه الطريقة في استهلال فصول الرواية باقتباسات معبرة من أعمال شعراء مرموقين مثل عمر الخيام، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب البياتي، وعبد الرحمن الأبنودي، وجبران خليل جبران. وكان لهذه الاقتباسات أهميتها في إبراز وحدة الشكل الروائي الذي اختاره المؤلف والذي يتسم بالتجريب والابتكار. تحمل فصول الرواية عناوين "الصفحة الأولى" و "الصفحة الثانية" والثالثة، وهكذا، إلى أن تصل إلى إثنتي عشرة صفحة (أو إثني عشر فصلا تشكل في مجموعها 333 صفحة)، يتقمص المؤلف في كل منها شخصية من شخصيات هذا العمل المركب، وتقوم هذه الشخصية بسرد وقائع الرواية من وجهة نظر هذه الشخصية. ووزع المؤلف مهمة السرد على أربع شخصيات رئيسية هي الشاويش أشموني، عسكري المرور في أحد التقاطعات الهامة على كورنيش النيل بجوار "برج السعادة" الذي تدور فيه وتنطلق منه أحداث الرواية. وعبد الملاك، العالم المصري الذي تعلم في أمريكا وحصل على الدكتوراه في الهندسة الوراثية، وعندما ييحث عن عمل لدى عودته إلى الوطن لا يجد سوى مكتب للتوظيف يحاول إرساله إلى إسرائيل. وعندما تضيق به السبل يقبل عرضا عن طريق الإنترنت للعمل كوسيط روحاني. وإصلاح المهندس، الصحفية التي تكرس كل جهدها لحل اللغز التي تتمحور حوله الرواية وهو جريمة قتل الممثلة المشهورة أحلام الشواربي، الشخصية الرابعة. تلي هذه الصفحات أو الفصول الإثني عشر، 12 فصلا آخر (تكتمل بها صفحات الرواية البالغة 362 صفحة) ويحمل كل منها عنوان دقة من دقات الساعة: الدقة الأولي، الدقة الثانية، وهكذا حتى الدقة الثانية عشرة التي تنتهي مع نهاية يوم 31 ديسمبر 1999، الذي يوافق الاحتفال باستقبال الألفية الثالثة. بداية، ينجح المؤلف في اقتناص الشكل الروائي الذي شاع في أعمال هامة كثيرة (من نجيب محفوظ في فندق "ميرامار" في الرواية التي تحمل هذا الإسم، وفي عوامته الشهيرة في رواية "ثرثرة فوق النيل" حيث كشف محفوظ من خلال شخصياته عن تحولات الاشتراكية، وحتى عهد قريب في "عمارة يعقوبيان" التي يفضح فيها علاء الأسواني تحولات الانفتاح والتفسخ الاجتماعي)، حيث يختار المؤلف "برج السعادة" على كورنيش النيل الذي تقطنه مجموعة متنوعة من النماذج التي أفرزتها تحولات الانفتاح والعولمة: الشيوخ وأصحاب الملايين الذين يشترون هذه الأبراج أو يقطنونها لتنفيذ الصفقات والمصالح والمتع الشخصية. الشيخ وهدان، والمليادير عبد الفتاح توتو، والمليونير شاكر شاكر وإبنه المنتج السينمائي شكري شاكر، وكساب بك الذي تكتظ شقته بأدوات ومنشطات جنسية شاذة، وكريم نافع الذي كان في يوم من الأيام زعيما للطلبة الوطنيين وأصبح الآن من أعلام التطبيع، والراقصة لولا حمدي التي تفتح صالونها لعلية القوم من رجال الأعمال والسياسة مثل الشربيني بك عضو مجلس الشعب، الذي أنفق الملايين كي ينتخب في دائرته نمع أنه "لا يعرف قانون الحكومة من قانون المزيكا" والصاجات التي يتقن الشخللة بها في جلسات الأنس مع الراقصة لولا حمدي التي تدللـــه باسم "ابن الدايرة"، وفرح المثقفة الناصرية السابقة التي تقبل في نهاية المطاف بأن تصبح محظية للمليونير شاكر صاحب الشركة التي تعمل بها. في "برج السعادة" يعيش أيضا البعض ممن حاولوا القفز على الواقع واقتناص متع الحياة الجديدة: شقة على النيل، وطبق استقبال إرسال تليفزيوني "ديش"، وسيارة من أحدث الموديلات ومركز اجتماعي يؤهلهم للبقاء في هذا العالم الغريب والصاخب: الدكتور محجوب، الذي أنفق محصلة سنوات عمله في الخليج لشراء شقته في البرج، الوحيد من بين سكان البرج الذي لم يضع يده يوما في جيبه ليخرج لشاويش المرور شيئا، والوحيد الذي يذهب إلى السوق شخصيا لشراء الخضار والفاكهة، ويقطع أنفاس الباعة المتجولين فصالا وتدقيقا. يعد الدكتور محجوب دراسة عن "المدلول السيكولوجي لأزمة المرور في مصر"، ويطلب من الشاويش أشموني "التعرف على رؤيته المكتسبة من واقع احتكاكه اليومي بقضايا المرور في مصر". تثيره دائما الخادمة سعاد بأنوثتها الطاغية: "يابت عمالة تهزي يمين وتهزي شمال لما طيرتي برج من نافوخي"، وحينما يحاول الانقضاض عليها طالبا "بوسة واحدة مش أكتر" تفلت بمناورة بارعة وتقول "كله ممكن، بس في الحلال". الدكتور محجوب هو والد عنتر الولد الشقي في البرج والذي لايكف عن تدبير المقالب للجميع وخاصة الشاويش أشموني عسكري المرور. تهتز ضاحية المعادي بجريمة مقتل الممثلة الشهيرة أحلام الشواربي والعثور على جثتها عارية في مصعد "برج السعادة"، وتحوم الشبهات حول المنتج السينمائي شكري شاكر الذي يلقي بشباكه بعد مقتل أحلام حول أختها ديدي. بعد شهور قليلة من وقوع الجريمة يفاجأ سكان البرج بظاهرة غريبة في الشقة التي يعتقد أن أحلام قتلت فيها حيث يتطاير أثاث الشقة ويسقط في الشارع قرب التقاطع الذي ينظم المرور فيه الشاويش أشموني. يلجأ صاحب الشقة إلى استخدام أخصائيين في تحضير الأرواح لطرد الأرواح الشريرة من الشقة ويقع اختياره على عبد الملاك الذي حصل على شهادة في الباراسيكولوجي. يلتقي عبد الملاك بالصدفة مع فرح التي كان يحبها أيام الدراسة في الجامعة ويحاولان أن يعيشا قصة حبهما من جديد إلى أن يكتشف عبد الملاك حقيقة علاقتها بالمليونير الذي تسكن شقته. تحاول الصحفية إصلاح المهندس كشف أسرار الجريمة بعد أن حصلت على كشكول مذكرات الممثلة من أمها، لكن شكري شاكر ينجح بصلاته القوية في وقف التحقيق ونشر أي شيء عنه، وتتعرض إصلاح للابتزاز بحرمان أخيها من وظيفة لم يكن قد حصل عليها بعد، وهي وظيفة عرضت عليه لاستخدامها كوسيلة للضغط على إصلاح. تلتقي إصلاح المهندس ذات يوم في مصعد البرج بكريم نافع الذي يتمكن من اصطحابها إلى شقته في غياب زوجته، ويقنعها بأنه وقع في حبها، وتقع إصلاح، التي لم تهتم أبدا بأنوثتها وجسدها، ضحية هذه الغواية في مشهد ساخن ومعبر. كما ينجح المنتج السينمائي في إسكات الشاويش أشموني الشاهد الوحيد على ظهور الممثلة معه ليلة الجريمة. ومع أن ضمير أشموني يستيقظ في النهاية ويحاول الإبلاغ عما لديه من معلومات، يستخف به ضابط الشرطة، ويعزو اعترافه إلى اختلال أعصابه، كما يتعرض أشموني للضرب والابتزاز من أعوان شكري. وتغرق الحقيقة في دوامة أحداث متلاحقة من الاغتصاب والابتزاز والسحر والشعوزة وتحضير الأرواح في احتفال لاستقبال الألفية بإيقاعات بذيئة مرتجلة تصور واقع برج السعادة المتوهمة وتعكس الذهنية المنحطة لساكنيه ”خللي المزاج يشعشع، والرقص يلعلع، خلي الدولارات تهل، والملاليم تفلسع، باي باي للعناد، وهاللو للانسجام، باي باي للضنك، وهاللو للعم سام“. ولعل القارئ يتساءل "أين عنتر؟" الذي تحمل الرواية اسمه، فقد كان ظهوره محدودا وغير مؤثر إلا في بعض المواقف التي كانت تتلبسه فيها الأرواح التي يتم تحضيرها في شقة الجريمة ويتكلم بصوت شيطاني، كما يحدث في أفلام تقمص الأرواح أو "البولترجايست"، مصدرا أحكاما على الجالسين: "كلكم ظلمة وكلكم عارف نفسه. ح تروح من ضميرك فين يا أشموني؟". وواقع الأمر أن "الطفل الشقي" في هذا النص هو المؤلف نفسه. وهو الأمر الذي يحتم على القارئ أن تكون عينيه في رأسه دائما كما لو كان في حضرة ولد شقي مراوغ يأتي بكل ماهو غير متوقع. وقد استطاع هذا المؤلف "الشقي" أن يجر القارئ إلى دوامة صاخبة من الشخصيات المتشابكة والأحداث المتلاحقة والأحكام والتقييمات التاريخية والاجتماعية على لسان كل شخصية حسب توجهاتها وهواها. أحكام على الثورة وعبد الناصر والسادات وحرب 67 و 73 وحرب الخليج، وعلى التعليم والتطبيع والديمقراطية والحرية وثورة الطلبة، وجميل البطوطي، والسي إن إن، والتحيز الإعلامي. وهي كلها في النهاية أحكام تصدر عن عقل مثقل بمتغيرات العصر وبالهيمنة الإعلامية وسيطرة الكولونيالية الجديدة على مقدرات وفكر أفراد وشعوب يسعون إلى خلق واقعهم الجديد في الألفية الثالثة لكنهم لا يملكون فكاكا من قبضة التحكم والسيطرة التي تفرضها القوة. وتغوص الرواية في التاريخ السياسي والاجتماعي على مدى عقود متصلة من الزمان. ومن خلال الرؤية الذاتية لأبطال متنوعي الأنماط، تكشف الرواية عن واقع سوريالي يعوزه الاتساق، ويتحول الواقع إلى سيرك يكتظ بالبهلوانية والسحر ، وإلى مولد ”صاحبه غائب“ نظرا لغياب القدوة والنموذج في واقع مهترئ، وتتحول معظم شخصيات الرواية، وقد فقدت اتجاهها، إلى شخصيات مغيبة، عاجزة عن التصدي للاختراق الذي اقتحم واقعها الإنساني فحولها إلى كائنات مادية همها المال والجنس والشهرة الزائفة. “عنتر …”، هي في النهاية تجسيد للصراع الذي يمثله "برج السعادة": الصراع بين من هم داخل البرج، ومن هم خارجه. بين من يملكون ومن لا يملكون. صراع ذوي الملايين وأصحاب المصالح الكبرى ومراكز القوى أيا كانت، من ناحية، والمهمشين المحبطين فاقدي القدرة والجاه، من ناحية أخرى. وتركز الرواية على أن هذه الفئة الأخيرة هي الفئة التي ضحت وحاربت وظُلمت واستُغلت، وكان والد أحلام الشواربي ووالد إصلاح المهندس من شهداء حرب 73، كما حارب الشاويش أشموني في حربي 67 و 73. ويأخذ هذا الصراع بعدا عالميا عن سطوة الإعلام وجبروت القوة السياسية حينما يتعرض المؤلف لأحداث من قبيل سقوط الطائرة المصرية قرب الشواطئ الأمريكية ومصرع جميع ركابها وإلصاق تهمة سقوط الطائرة بقائدها بعد إعطاء عبارة "توكلت على الله" التي تفوه بها البطوطي قبل سقوط الطائرة تفسيرا غريبا ومريبا. وفي حوار دال بين الشاويش أشموني والدكتور عبد الملاك يمسك هذا الأخير برزمة من الدولارات يلوح بها في وجه أشموني ويقول له ساخرا: "هي دي اللي بيشترونا بيها"، فيرد أشموني في ابتسامة تقطر حزنا: "عشان هم يشترونا لازم احنا الأول نعرض نفسنا للبيع". ومع أن المؤلف استطاع بحرفية فنية شديدة أن ينسج كل هذه الأحداث ويربط بينها ويعرضها من أكثر من زاوية في نص صاخب وغني بالرؤى والأبعاد، لا بد من الإشارة إلى نقطة ضعف أساسية شابت النص في صياغته النهائية مما كان يستلزم الأمر معه مراجعته مراجعة تحريرية ولغوية، فنحن مثلا نقول: "ياما جاب الغراب لأمه"، وليس "يامجايب الغراب لأمه"، و"الطمع يقل ما جمع" وليس "الطمع ياما قل ما جمع"، ونقول ثومة أو سومة وليس سوما، و"نفيسة" وليس "نفيثة"، وندى الفجرية وليس ندا الفجرية، وتبلبط في الهوا وليس تبربط في الهوا، ومياصة بمعناها العامي وليس مياسة، و"تحملتِ" كثيرا وليس "وتحملتين كثيرا"، وعمَّ تبحث وليس عما تبحث، والأثاث الاسكندينافي وليس الإسكنديناوي، وزدادشت وليس زارتوسترا. هذه الهنَّات الكثيرة في النص مقلقة ومشتته لفكر القارئ الواعي ومتابعته للنص خاصة حينما يكون النص حافلا بقضايا هامة ووقائع بالغة التشابك والتعقيد وتتطلب متابعتها تركيزا شديدا من القارئ. في يوم الغواية، حينما زارت إصلاح المهندس كريم نافع في شقته، وقفت أمام مكتبته تطالع عناوين مهمة لإدوارد سعيد وجارودي وشومسكي وماركيز وبهاء طاهر وسول وينكا النيجيري الحائز على نوبل في الأدب عام 1986 وفاتيكيوتس صاحب واحد من أهم المؤلفات عن تاريخ مصر الحديث، وتطالع أيضا عملا بعنوان "عجميست: قصص قصيرة لكاتب لم تسمع عنه". هذا الكاتب هو محمد توفيق نفسه. وظني أنه الآن، وبعد نشر “عنتر …”، أصبح الأمر مختلفا، ذلك أن عملا على هذا المستوى من العمق وتعدد الأبعاد والبراعة الفنية كفيل بأن يضع صاحبه في طليعة الروائيين الجادين والمرموقين.

مقتطف من: طفل شقي اسمه عنتر

عندما تكتشف أنك تتأمل جسدك كأنما تراقب جسد شخص آخر، تدرك أنك قد مت. بيد أن إدراكك هذا، رغم بداهته، يبقى استنتاجا. مجرد افتراض تؤيده بعض الدلائل والمؤشرات، وحقيقة الموت تظل غائبة عنك. فالممات كالحياة، رحلة، مغامرة بلا مقدمات، تفرض عليك فرضا، دون فرصة لأن تقبل أو تأبى. بلا أسئلة تطرح أو إيضاحات تقدم. دون استعداد مسبق لخوضها. سقوط مفاجئ، أم هو صعود؟ أيهما في خضم حيرتك لاتدري. ساعاتي الممتدة أمام المرآة. فتنتي المتربعة فوق عرش الشاشة الذهبية. عيناي الهائمتان على أغلفة المجلات، زهوي النرجسي وتواضعي الخدَّاع، كلها لم تشبع عينيَّ بجمال حقيقي طالما تمنيته، فكان علىَّ أن أنتظر الأجل حتى أستسيغ حلاوتي الجسدية، كان علىَّ أن أشاهد جثتي تجر فوق الرخام اللامع، ثم تلقى هامدة على أرض المصعد. ولم أر جسدي قط بهذا الجمال. لحظة تحرري غير الفاطن. جمال تجلى بعد أن تجرد الجسد من غضبه. ذلك الغضب الذي لازمني في رحلة العمر ثم استمر في ملاحقتي بعد الممات. لفظه الجسد المسترخي في رقدته الأخيرة، فلحق بي وأخذ يحاصرني. غضبٌ أبقي من الجسد الذي ولَّده. كالعفريت، تجسد أمامي، قبيح في هيئته، مخيف في عناده، مضاعفا هلعي ولوعتي. رد نظراتي بنظراته الوقحة. وقاحته من وقاحة اللحظة. لحظة انتهاكي وأنا جثة هامدة، تتويج لاغتصابي السابق. إغتصابي المتكرر في أكثر من صورة وشكل. إغتصابي الممتد عبر الأيام والسنوات. "من أقوال أحلام الشواربي، ص 288، 289".