ما بالها لا تريد الرحيل عن بيتي؟

- ما بالها لا تريد الرحيل عن بيتي؟
أقصد تلك الصراصير الصغيرة، التي يقال أنها قدمت من بلاد المهجر، بعد أن ضاق صدرها برؤية المزيد من الغرباء، الذين نزحوا من كل حدب وقحط، وزاحموها في مأكلها الفاخرة، ومراقدها داخل علب " الكارتون"، فبادلتهم وطنها بوطنهم، تركت لهم خيراتها الوافرة، وفضلت العيش في كنف مطابخنا المتواضعة لتنعم بتقاعد مريح، إذ لم تشترط مواصفات لسكنها، سيان عندها أن تنام في مخادع القصور أو على حصير الأكواخ، المهم لديها أن تعيش ما تبقى لها من ساعات الحياة، في اطمئنان وراحة بال. خجولة اللون والطبع، لا تحب أضواء الشهرة، ولا التباهي بالأبناء الذين يفوق عددهم سكان الصين، ولا يكون خروجها للتسوق إلا بالتسلل ليلا، كي تتجنب كاميرات "الباباراتزي" و عناء كتابة "الأطوغرافات" تحث نعال المعجبين والمعجبات. ولا يمكنك بحال من الأحوال أن تراها جهارا في الأماكن العمومية: في المقاهي أو حتى على "كونطوارات" الحانات و "الديسكوطيكات"، باختصار تفضل الحياة في الظل، و التواري بعيدا عن الأنظار، خصوصا أثناء زياراتها للمآتم، ودور الثقافة، والمساجد، وأثناء عيادة المريض.
مادام انتماؤها الأصلي للبلدان "الديموقراطية" فهي تحترم الأعراف والتقاليد، و تؤمن بالمواثيق الدولية، والاختلاف، وتقبل الآخر، والحق في الحياة لكل الكائنات، تعرف أصول
" الإتيكيت" تضع المنديل على الطاولة قبل الأكل، و لا تسعل في اتجاه الطعام، كما لا تبقى في مكان واحد كي لا تقنط من تواجدها في منزلك كما الضيف الثقيل على القلب، عاشقة هي للسفر، سواحة وحقيبتها على كثفها، تقضي بضعة أيام أو شهور في الفرن الكهربائي ، فتظنها عاشقة لطقس العرب في الأوطان المتميزة بالسخونة والفحولة، بدليل أعداد أبنائها وأحفاد أحفادها، فما تلبث أن تنشئ لها قرى سياحية و منتجعات شتوية داخل الثلاجة، وكأنها قد حنت لمسقط رأسها بالبلدان الباردة، وقد تفاجئك بتوسدها وسادتك ، واستلقائها على أريكتك المفضلة، وبيدها "الريموت كونترول"، تتنقل بين القنوات الفضائية، بحثا عن مدينة أو قرية لم تزرها بعد.
بذلك زاد وعيها بحقها اللا مشروط في إقامة مستوطناتها في كل أرجاء البيت. لكن طبعنا الهمجي الموشوم بالعنصرية الإنسانية، و"ساديتنا" التي ورثناها أبا عن "هتلر" تجعلنا نعمل على إبادة عرقها السامي جماعة وفرادى، وننتشي برؤيتها وهي تتساقط على البلاط كما الخيل تباعا، (بعد اختناقها بغازاتنا الكيماوية الغادرة). لكنها قبل الموت والرحيل إلى دار البقاء، تنقلب على ظهرها، تشهد بقرني استشعارها و تتلو وصيتها الأخيرة للأبناء والأحفاد:
- تناسلوا تكاثروا، إنا لمنتصرون...
كلما اكتشفت مبيدا جديدا، أظهرت مناعة ومقاومة أكبر لسمومه، تنقضي قنينة المبيد، فأزيدها مبيدا، لكن أعدادها تتضاعف في لمح الدهون، بل تلتحق بها كتائب من المرتزقة من جنسها من بيوت الجيران وجيران الجيران، توحدهم كلمة واحدة( ألا موت قبل الإنسان). بنوا أمجادا وحصونا ما لم يكن ل"هولاكو" قدرة على اقتحامها، كما أن لها سراديب في عيون مفاتيح الكهرباء، تحتمي فيها أثناء المحن الكبرى ( قذائف المبيدات). مدربة هي على اقتحام أدغال الحواسب، والتلفازات، واختراق أجهزة الاستقبال، والصحون الدوارة والغير الدوارة، وأثناء العطل تستقل السيارات الفاخرة لصلة الرحم مع الأهل والأصحاب في كل الأقطار و الأمصار، منها من تطلب جنسية البلاد التي استهوتها، وتماشت مع طموحاتها وتطلعاتها، ومنها من يحن إلى خبز أمها وزيتها، ببلاد العرب في الأوطان، و إلى الالتصاق بسقف المطابخ للتلذذ بطعم الدسم المنبعث من طنجرة بها عدس أو عدس.
كم مرة حاولت عقد اتفاقيات الصلح معها: تنازلت لها على كل بقاع المطبخ بما حوى، على ألا تنتهك حرمات فرني وثلاجتي، لكنها رفضت التنازل على شبر من المطبخ وغرفة الاستقبال، وكذا الحمام إذ أصبحت أنتظر خروجها منه لساعات طوال، كي أقضي حاجتي، إن لم أكن قد قضيتها في سروالي، وأحيانا في الهزيع الأخير من الليل، سكرانة توقظني كي تنام مكاني، وبجانبي زوجتي، تنشد شخيرها ما همها إن داعب صرصور شعرها، أو حتى كحل عينها.
يا ما فقدت أعصابي وخرقت معاهدات الصلح، فدست بنعلي على ملكة عشها، كحصان "طروادة" تخرج آلاف الجنود من بطنها، و التي تحتمي بسرعة البرق وراء الصحون، أو داخل خنادق الشقوق، كي تستجمع قواها لتعود للكر والفر وقتال أشد من داحس وغبراء.

رفعت راية الاستسلام، ونفيت نفسي خارج داري، تركت لها غنائم ثلاجتي وفرني وكذا باقي الأثاث، سكنت بعيدا عنها، في غرفة بالطابق العاشر ، لكني في ليلتي الأولى بالمسكن الجديد وفي ساعة متأخرة من الليل، وجدتها خلف الباب ترن وبيدها أحمر الشفاه، تتم مراسيم "الماكياج"، في وجهها صرخت:
- لي زوجة، ولن أقبلك ضرة لها.
هممت بإقفال الباب في وجهها، بكعبها أوقفته نفخت فقاعة العلك من فمها، في وجهي فرقعتها وقالت:
- العشرة لا تهون إلا على أولاد الحرام، والله لن أتنازل على متعة الإنجاب، و لا على مؤخر العشاء.


أنا الآن وبعد مرور شهور على طلاقنا، اشتقت لرؤية طلعاتها على الجدران، و تقت للتمتع بمتابعة أطفالها الصغار، وهم يتأرجحون على الملاعق، أو يتراشقون بالزيت ويتزحلقون على صلعتي أثناء نومي ويقظتي، أو أثناء تقديم عروض "أكروباتية" على أسلاك الكهرباء.

اضطررت لنشر صورتك على الصحف مئات المرات، وسألت عنك العرافين والعرافات و وانتظرتك لليال على "الفايس بوك....

نداء:

المرجو ممن رأى "صراصيري" العزيزة أن يهاتفني على رقمي فهو معها، أو الإتصال ببرنامج "مختفون"أو حتى على عنواني الإلكتروني:

عبد الواحد الزفري
ZEFRIABDOU@HOTMAIL.COM