البهيمة

لأنه كان لا يزال صغيرا , كانوا لا يعبأون كثيرا بوجوده, وربما يطردونه من جلستهم. ففي جلسات الرجال ليس له الحق في المشاركة ولا حتى بالتعليق عما يسمع.وفى جلسات النسوة ليس من حقه الاستماع إلى كل ما يتفوهن به..ربما لأنه أهم كثيرا من أحاديث الرجال..وإلا لماذا يعمدن إلى الهمس و الغمز واللمز ؟!
على الرغم من ذلك, سمع والديه يتصايحان ,دون أن يعبأ أحدهما بوجوده : نحن في حاجة إلى بهيمة بدلا من تلك التى ماتت حين غفلة.. يجب البحث عن وسيلة, ماذا نفعل؟!

ولأنه لا يملك بهيمة , كانوا يبحثون في كل الوسائل, وعند كل الجيران, ولم يلتفتا إلى ولدهما القابع تحت أرجلهما , مشرئب الرأس, معلق الأذنين.
ظل معلقا بهما فوق عتبة الدار حتى فقد ظلهما وضجيج صوتهما المعلق بهما. تركاه وحيدا, كلماتهما في أذنه حتى سمع من يأمره..أن يكف عن البكاء و أن يتأمل أصابع يديه!

بدا و كأن يدا خفيه قذفت به, رمته فوق شاطىء النهر, فتعلقت الأتربة بجلبابه . لم يعد يشعر بالوحدة, مع ذلك غلبته الدموع, صنعت طينا من حوله. 
كان في مثل تلك الجلسات , يعبث في الطين , يصنع كرة أو حتى ثعبانا. لكنه في تلك الجلسة صنع قوائم أربعة و وذيلا غير قصير وفى المقدمة ما يشبه رأس البهيمة. انشغل بصنيعه كثيرا حتى نسى أنه لم يأكل بعد.
فلما عاد إلى الدار , ورغب في النوم من شدة التعب, سمع صوت الهاتف يأمره..بأن يأخذ البهيمة لترعى في الحقل القريب. ذهب ولم يعد إلا بعد غروب الشمس, هاله أن وجد بهيمته وقد كبرت, وكبر ضرعها حتى لامست الحلمات الأرض!. وهو ما أدهشه و والديه .
لم يسأله أحدهما من أين جاءت وكيف؟!!, سألاه فقط: هل البهيمة لنا؟, لم يرد وان انطلقت بسمة سعيدة غامضة . أسرعت الأم إلى الضرع, شربت و شربوا جميعا حتى كسا اللبن الدافئ اللذيذ نحورهم جميعا. يحار من يراه آن كان اللبن متسربلا من أعلى إلى أسفل أم العكس.

وعلى الرغم من أنه سمع نفس الهاتف يأمره بأن يتأمل نفسه في مياه البئر القريبة, وقد تشكلت رأسه كرأس البهيمة و أصبح من ذوات الأربع و يملك ذيلا غير قصير..عمد الصغير إلى إحكام إغلاق جفونه أكثر كثيرا عما قبل.