فصل من رواية فتنة الأسر

كنت أراني وأنا أدخر المعجزات لأيام أخري قادمة ،وليس ضنا بالمعجزات علي الأيام ، فالمعجزات كثيرة ولكننا نأمل في أن تكون هناك أيام أخري قادمة؛ لتحدث فيها المعجزات0
وكم مرة ضبطني وأنا أرتب الأفراح والقهقهات وأرصها وأرتبها وأكومها بجوار الحائط في كومات حتى أخرجها متي احتجتها ، لأنني إذا وضعتها في الدولاب قرضها الفأر فلا تكتمل، وليس كل ما هو غير مكتمل جميل، فجمال النقص متوقف علي عدم قدرة المتلقي علي تلقي الحقيقة كاملة فهو يمدح النقص / أي يمدح ضعفه هو /وإذا وضعتها في المكتب فإن اللصوص الصغار من ضيوفي قد يسرقونها أو يبعثرونها من خلف ظهري وهم يبحثون في مكتبي عن شيء ما وأنا أعد لهم الشاي ، وقد تتفتت منهم فتتحول إلي كوابيس، فتخيل مثلا هاهاها عندما تتفتت فتتحول إلي آه آه آه، فتصبح أنت عند التعرض لها مطاردا وغير سعيد ، فدائما عندما أحب أن أخبئ شيئا أضعه في أوضح مكان0

فكثيرا ما كنت أجلس في الشرفة الدائرية الواسعة ذات الأعمدة التي يعلوها التاج وتتصل مع بعضها بمقرنصات من عصر / ماذا سيفيدك من العصور، كلها مثل كلها/وسأضع هذا العصر بجوار القهقهات للأيام القادمة حيث أجلس أدخن الشيشة وفي كل مرة تتغير أشكال الشرفة والأعمدة والمقرنصات كما تتغير نغمة الساعة الدقاقة كل ساعة ، ربما في أيام أخري سأنام هادئ البال قرير العين ولن يؤرقني شخير جيراني في الشارع الخلفي أو في الشوارع الأخرى ، ربما هذا الأرق بسبب موتها؟!

فعندما قالوا لي أنها ماتت كنت عائدا من جولتي الليلية وكانت ترافقني روحا طائرة ، دخلت إلي الحجرة كانت نائمة ربما ابتسمت عند دخولي أو خجلت ، قلّبتها ، خلعت عنها ملابسها بحثت حول العنق عن مكان أنياب الموت أو أظافره أو مخالبه أو سكينته أو آلته التي استعملها ربما هتكا أو قطعا، رفعت الذراعين قليلا / ترهل الجسد الجميل كثيرا لكنها فاتنة مازالت/ أدرت الجسد في كل اتجاه فدار، الثديان متباعدان مكتنزان كمثري الشكل صنعت باريها فمن يباريه إذا أغدق بالحسن ففاض؟ لم تكن للموت علامات، لكن رائحتها الحلوة الطائرة كانت تغمر المكان وتأخذ بتلابيب الروح ،لا خلل في المفاصل ولا ثقوب بالجسد صرخت : يا رب من أين دخلها الموت أو خرجت منها الروح؟

لماذا ازدادت جمالا وصارت مكتملة في الموت ؟ هل لأنها ذاهبة إلي باريها ولا يقبل أن تمر من بوابته إلا قوافل الطيب المعتق بالجمال ؟لك الأمر 0
توجهت إلي الله: أنت تعرف بلا شك من أين دخلها الموت أو حتى خرجت منها الروح ، وأعدك أنني لن أقاوم الموت عندما يجيء في هذه المرة،ولكن دلني فقط علي المكان0

كنت أحس أنها ستنادي عليّ فيفلت مني القول ــ نعم
كثيرا بكيت وأنا أقلّب جسد المحبوب، كنت أبحث عن وجه الموت وأنتحب لماذا يا موت ؟ أنا أمامك فلماذا اخترتها إذن هل لأنها الأجمل وأنت تكنز الجواهر ؟ أخذتها بين يدي في حضني ونمت بها باكيا، قلت في نفسي عندما أقابل العلم سأقول له يا علم لماذا لم تخترع مواد نعطيها لأحبائنا فتشف أجسادهم فنري ما يؤلمهم فنمد أيدينا وننتزعه ونرميه في الشارع وتقول له روح بعيد ياشر0

أنا يا ناس مسلوب الإرادة ومسلوب الموت مسلوب من كل شيء ، ولكنني كلما تفرست في راحة اليد والأصابع مفرودة كطرق متشعبة تشممت كل الطرق ووضعت علامة علي دربك حتى لا أتوه عنه، وحملت جثتها في قلبي حتى لا يتبعني أحد وأخذت قراري بالرحيل فلم يعد عندي ما أخاف عليه ،ولكن ضاع الدرب مني لم أتعرف عليه0 فدفنتها في قلبي وسرت، كلما اشتقت لها وخاتلني ظلها أخرجتها اسما من القلب ، وكومتها كومة جواهر فوق سريري أو في سريرتي فيضيء الليل والنهار وتنكسف الشمس وينخسف القمر ، فيجمع الشمس والقمر وتقوم قيامتها فتحتل الكون فأسبح باسم خالق الجمال وأنادي : ارحمنا مني ، ارحمني منها ، فقط أريد أنام0

ربما سأنام وسأتابع النوم، لكني أخاف من ذلك القط الذي يجري في قفزات سريعة مقوسا ظهره ألمحه يعدو بين الشوارع وكأنه أسد الوحشة، وشوق الحزين ،إلا أن بطنه الأبيض يمرض عينيك كالنور الذي شاغلك أثناء الاستيقاظ0
بتلك الأمنيات قلت سأعيش0

كنت أسمع صوت البكاء المكتوم، وفي ثناياه همهمة فسرتها بعد جهد
ـ يا حبيبتي تعالي أنا عبد العال ، أنا لم أحن رأسي لأحد من يوم ولادتي حتى اليوم، حتى الحلاق لم أحلق رأسي عنده أبد من عامي السابع حتى لا أضطر لأن أحني رأسي لأحد ، كفي قلت لك تعالي، آه أنا عبد العال يا بقر0

وعرفت أنها ليست الأمنيات لأنني عندما مددت يدي إلي المستقبل أفتش فيه، مقلبا دفاتر الأيام ، أعدت ترتيبها مدخرا قبل نهايتها وانهيارها كميات هائلة من الضحكات والقهقهات والمعجزات والصحة الجيدة والأصدقاء الطيبين، وكدست كل ذلك حتى ازدحمت به تلك السويعات الباقية، ولكن عذرا فلم تستطع كل المعجزات أن تعدني بأن تمتد الأعمار قليلا ولا أن تبعد عني كل الطفيليين والمدعين وأولاد الكلب الذين لا احبهم، ولكنها أبقتهم لي بدلا من الأمراض والعلل، كان لابد لهذه السويعات القصيرة أن تتحول إلي أيام وأشهر وسنوات حتى تستوعب كل مدخراتي فلم يكن أمامها إلا أن تتمطى وتتمدد فيصير اليوم كألف سنة مما تعدون0

ربما ما يجعلني سعيدا أنني أنتظر السعادة ، وأعتبر كل شيء لانهائي فعندما أحب فالمحبوب هو الكون، وعندما أكره فلا أراه، وعندما أسافر مثلا ألي أي مكان أصرخ : الحمد لله يا رب أن عشت لليوم الذي رأيت فيه هذا المكان0

(مازلت أنتظر الذي واعدني للقاء بالحديقة ولم يحضر0)
( اعتدلت ووضعت الساق التي أعلي اسفل والتي أسفل أعلي حتى يقوم العدل ) 0
مشاكسات الصباح بيني وبين المحبوب هي عنب النهدين وشهد النور، ومشاكسات طائرة ، حمامات اللوعة والرغبة المكبوتة تخرج مقطوعة الحروف غير مكتملة، فإذا بها عمياء لا تري طريقها فتتوقف أمام فم صاحبها تسد الطريق أمام كلمات أخري، فيخرس صاحبها فتمتلئ المسافة بينك وبينه بزجاج مكسور، يدخلك ويهتز في صدرك ويدميك ولا تستطيع طرده، وكلما تذكرته يهددك فتعرف أنه الخوف 0

لذلك أحب أن أكون سعيدا ، لمسني فانتبهت كان هو من رمي لي ميعاد الحديقة ، جلس صامتا ربما لم يكن هو ؟ ولكنه هو ! ، لا يمكن أن أنخدع فيه قال : مساء الخير
ليس هو00 إنه يتكلم
ـ أعرف أنك مشغول باكتشاف شيء ما، وكنت قبل ذلك مبهورا بإنجازات العلم حتى بات لك نسق خاص من التعامل، ثم أفلت العقل قليلا من تحت زمام العقال ، الحق أنك علوت وسافرت فاختلفت