الثعبان ذو القرنين

طال مدّ الصمت فقامت أمي وهى تقول سأصنع لكم شايا ، وعند ذلك استأنف ضيفنا الحديث عن السيدة " س " قائلا :

هل فهمت ؟ .. إنها الآن عازفة عن كل أنواع المتع

ثم همس .

- إنها الآن مريضة .

انتبه أخي الأكبر وكمن كان غارقاً فى حلم طويل ، وقال موجهاً حديثه إلي الفراغ من حولنا :

- هل هذه الحكاية صحيحة ؟

وكنا جميعاً نعرف سر العلاقة بين السيدة " س " وأخي الأكبر، إنها حكاية أخري كانت علي كل لسان فى القرية والقرى المجاورة ، وسافر أخي إلي العراق ، وعاد ليجد " س " قد تزوجت من شخص غريب عن القرية ، لا يليق بجمالها ،مما جعله يلوذ بالحزن ثم يعزف عن الزواج ، وعندما أثير حولها كلاما يمس سمعتها التزم الصمت ولم يعلق بكلمة واحدة . والآن تثار حكاية الثعبان ذي القرنين الذي يشاهده كثير من الناس بالقرب منها هذه الأيام .

أقسم ضيفنا أن حكاية الثعبان حقيقة وأنه رآه بأم رأسه ، ولم يعلق أخي ، وعندما قام الضيف أشار لي أخي أن نخرج من المنزل ، سرت خلفه دون أن أسأله ، وفى منتصف الطريق ،أدركت أننا نقترب من منزل السيدة " س " وكانت هذه هي المرة الأولي منذ أن عاد أخي من العراق التى يسير فيها بالقرب من منزلها ، كانت تجلس فوق مصطبة طينية بجوار الباب الخارجي مرتدية ثوباً أصفر ، استطعت بالكاد أن أميز لون وجهها منه ، عيناها غائرتان ، وقف أخي فوقفت ، حياها بيده دون أن ينبث بكلمة ، ولم ترد أو تستجب بأية إشارة . ظل واقفا يحدق فيها للحظات ، وكان يتمتم بكلمات كأنها صلاة ، فلم أفهم منها شيئا ، ثم استدار وتبعته عائدين إلي المنزل . وفى الطريق قال أخي موجها حديثه لي :

- هل رأيت الثعبان ؟

فقلت :

- لا

فدهش :

- كيف ذلك ؟ لقد كان بجوارها علي المصطبة ، قرناه كبيران ، كيف لم تره ؟
فقلت محتجاً :

- لكنني لم أره .. اقسم لك أنني لم أره .

ربت أخي علي كتفى مهدئاً من روعي :

- اهدأ .. لا تنزعج

فقلت وأنا أكثر انزعاجاً هذه المرة :

ولكني لم أر الثعبان .. ولم أر قرنيه !

فقال وقد اكتسي وجهه بحكمة عميقة أعادت إلي نفسي السكينة:

أصدقك .

وسرنا إلي المنزل يلفنا الصمت ، وقبل أن ندخل ، أتي صوت الناعي من سماعات المسجد القريب ينعي وفاة السيدة "س"، وفى الوقت نفسه كان ضيفنا يقترب منا لاهثا ، لا أعرف كيف انشقت الأرض وأخرجته :

- لقد ماتت .

حدجه أخي بنظره طويلة ، فصمت علي أثرها ، ثم تركنا ومضى.