أبجديتي تبدأ بحرف الحاء

( حرف الحاء )

رفعت رأسها للسماء وقالت " القمر حين أكون وحيدة أناجيه .. يضحك حين يراني.. تتسع ضحكته وتستدير فيصير بدرا .. حين أنام يرسل شعاعه.. أضمه بقوة وأصعد.. أخفف قبضتي لئلا يذوب بين أناملي.. حين أصل أستشعر دفء القمر أدرك أن برودته لم تكن سوي أكذوبة. يعيدني لفراشي علي أول شعاع شمس قادم للأرض "
تبتسم ( أتكئ علي ابتسامتك الطازجة / وأنت ممدة / في آخر الليل المنهك / علي حافة الصبح المهذب ).
سألتني " ماذا لو انحرف القمر عن مساره واستكان لحضن أمه الشمس وغاب عن دنيانا ؟ "
تحيرت لثوان .. قلت " لن تتفتح الزهور "
أقف وباقة الزهور في يدي أظنها ذبلت فجأة.
قلت لها حينذاك وأنا أقطف أكبر زهرة عباد شمس بالحقل " أحب زهرة عباد الشمس ربما لأنها ريفية مثلنا تسكن حقول قريتنا لا تتعالي علينا كبقية الأزهار التي تسكن فازات المرفهين وربما لأنها متفردة تبحث عن الضياء دائما "
قالت لي " أنت أيضا متفرد كزهرة عباد الشمس لا يوجد في قريتنا فتي يهدي رفيقته زهورا – تشعرها بإختلافها عن الصبايا- سواك "
أهدتني يومها القبلة الأولي وأعطاني والدي . علقة لم أستطع إنكار سرقتي لقرص عباد الشمس
وآثار حذائي البلاستيكي علي الأرض.
كانت شمس تقف علي بعد تبكي( لو انك تذكرين / كم مرة ؟ / ا قتسمتي الدموع معي )
قالت " لو غاب القمر عن دنيانأ لن تثور أمواج البحر. هل سيبقي البحر بحرا لو ظلت أمواجه راقدة بلا حراك ؟! "
أرتبكت ( لو أنك تذكرين / كم مرة وشمتي / علي الزحام الهدوء / وعلي ملامحي الإرتباك )
وضعت يدها علي باقة الزهر ونظرت لي.
[ الزهرات في يدي بللهن العرق ] ( وعيناك يحيكان في القلب جروحه القديمة / يلونان العمر المعذب )
[ كانت شمس تعشق الأزهار وتعشقني] سألتني " هل تعرف قصة زهرة عصفور الجنة؟" ضفائرها إهتزت تسبق ردها بالنفي.
قالت " كان صبي يعشق عصفوره الملون المحبوس في القفص . يوما طلب العصفور من الصبي حريته دليلا علي حبه. رفرف العصفور وترك الصبي والقفص المفتوح تاركا دمعة انسكبت منه. نبتت في القفص موضعها زهرة عصفور الجنة تحمل ملامح العصفور وهو يرحل مادا منقاره ناثرا جناحيه .. كان الصبي يروي الزهرة بانتظام فتذكره بصديقه الذي قال إنه سيعود لكنه لم يعد أبدا "
قالت لي " عند عودتك من الخليج ليتك تهدنيها "
في المطار – عند عودتي – وضعت يدي في جيبي لم يخرج سوي ما يكفي لشراء بضع زهرات من الورد البلدي ( حبيبتي مسقط رأس الظنون / حبيبك كما عرفته / جيب أرهقه الإفلاس )
تزوجت رجلا يهديها أزهارا من ذهب .



( حرف الباء )

جلست تداعب باقة الورد قالت " الفراشات تنجذب للنار والنحل ينجذب للزهور فما الذي يجذب قيس لليلي ؟
قلت " ربما عيناك ( تتمخضين الوجد / والعيون حبلي بالوجع ) - ضحكت عيناها -
ربما سمارك يجذبني يقولون أن الرجال السمر يميلون للشقراوات لكنني أعشق لونك لون الجبل وطين الأرض .. لون وشوش أهل قريتي في الجنوب " ضحكت حتي غلبها السعال.
بأناملي الخشنة أداعب باقة الزهر الرقيقة. بقلق سألتها الزواج.
( وأنا ما أزال أكتب الشعر / أرسم فوق الجدران الهشة / قلبا وحلم عروس / وبيتا من قصيدة عجوز) لمعت عيناها وقالت بذهول فرح " هل تحبني ؟ إنه لقاؤنا الثاني .لا تعرف عني الكثير . هل تحبني؟ "
( تطأ الجرح / يملأ بطوننا الصمت / يحبسنا في ليل / سكرات من الموت ) لذت بالصمت.
للمرة الثالثة تسألني " هل تحبني ؟ "
( قلبي يضخ حروفها من الحاء إلي الباء / ليل ودفتر شعر / سهر ودموع / وبقايا عيون )
أأقول أحبك ؟ وحبيبتي شمس لملمت أشعتها التي بعثرتها في قلبي ورحلت عن نهاري ..تركتني في ليل سرمدي.. أستدعي من ذاكرتي بقايا صورتها .. ملامح مبهمة باهتة لكرة نارية ملتهبة
قلبي ليس سوي بقايا يسبح فيها قيح جروح لم تبرأ بعد ( وقلبي العجوز يبكي مكحلة العروس التي زفت البارحة / وأطفال يخوضون خلف كسيرات من أرغفة / وبعض الدمي والإبتسامات )
أأصارحك أني أحببت ثرائك وأهلا حتما لن يشترطوا ؟ فانا عدت – رغم الغربة والترحال-
بقليل من المال وتل من الأحزان .
( تل الهزائم أنين / ينزف حارات من السوس / ينخر من جذورنا / ينزع من أجسادنا القلوب )
قطعت شرودي وقالت " من تمتلك كل الحروف لتسكبها علي الأوراق لابد من الوصول لأبجديتها السحرية التي تفتح قلبها.. أبجديتي تبدأ بحرف الحاء وتمتد لحرف الباء وتنتهي بحرف الزاي . فلماذا تبدأ من حيث ينتهي الآخرون ؟ "
تابعت " حين يدركني الخريف وتسقط أوراقي – شاعري- قد أبدأ الأبجدية معكوسة "
توقفت وفي عينيها يلمع ندي الزهر( لملمت حكاياك / ولم ازل تنهيدة تحاولين إخفاءها / عربدت تحت المقل )
قلت " بما إنك تشترطين الحب فلِمَ لا نعيش بفطرة الحب ؟ " لم تفهم .
هذه الفتاة بلهاء ام تدعي البلاهة ؟! فهمت أخيرا
وضعت حقيبتها علي كتفها ونهضت محمرة الوجه" تجربة مثل هذه تنقصك لتبدعي "
قالت " أترك في ذاكرتي بقية من احترام لذكراك " ( إنك آهات / والحبل السري في يد الزمان / يكاد ينقطع )

( حرف الزاي )

باقة الزهور في يدي تنتحب .. كادت تختنق من كفي القابضة عليها .
( حكايات / أرهقت شهريارها / وقصيدة أدمت قوافيها / كثرة الأشواك )
فكرت في إلقائها في النيل أو تحت سيارة تسرع بجنون .امتدت يد أنثي أمامي فجأة . كانت أظافرها متسخة وعريضة وبقايا طلاء دموي تعلق بهم .. كانت ترجوني بوجه متسخ شاحب وأمها تدعوني بكلمات يرق لها قلب أشد قسوة من جبل قريتنا.
وضعت في يد الفتاة باقة الورد ( وأمها العجوز تبكي / حلواها التي تبيعها )
بصبصت أمها الكفيفة في الحال!كانت تتمتم تبينت بعض الكلمات " فلوس......... أكل............ يا شيخ روح ..........ورد .........الزبالة................ القرافة ".
نظرات الفتاة المذهولة في فرح دلقتها أمامي.. وجهها يضحك دون أن تنفرج شفتاها.
لعلها المرة الأولي التي يهدى لها رجل أزهارا [ كانت شمس تعشق الأزهار وتعشقني ].
خطوات السائرين عكس إتجاهي تضيق مساحة الرؤية أمامي كلما ازدادت خطواتهم إتساعا
نظراتها المتلهفة تقفز المسافات بيننا تقف نصف وقفة ويد أمها الكفيفة تضغط عليها تمنعها الوقوف.
لو ناديتها لما تمنعت.. مازلت ألتفت للخلف بينما أكتاف المارة تدفعني عكس الإتجاه.