الشرفة

هذا مِقعدي
وأنتِ
تجيدينَ القفزَ على الخطوطِ الحمراءْ.

مِطفأةٌ
وهاتفٌ مغلق،
وفي حقيبتِكِ
مطاراتٌ
وقطاراتٌ
وخيوطُ تريكو،
ليس الرجلُ كالمرأة!

مقعدٌ وحيدٌ في ركنِ شرفةٍ معتمة،
والعديدُ من النوافذِ التي ترقبُني.

أجلسُ هنا
أُمرِّرُ كفي على جبهتي
لأفرِّغَ العينَ من الأحداثْ،
أستبقي نظارتَيكِ،
طرحةَ أمي،
فستانَ الصغيرةِ التي أذابَها السرطان،
ومِسطرةَ أخي
الذي أنهكَه البحثُ عن مليمتراتٍ ضائعة
في حديقةِ بيتِ العائلة،
أستبقيها جميعَها
كي تكتملَ شجَّةُ الرأسْ.

أنتِ امرأةٌ ذاتُ تفاصيلَ كثيرةٍ
وأنا
فتىً صامتٌ
يرشقُ نبالَه في جَلَبةِ الكون.

هذه مكتبتي
استهلكتْ غابةَ أرو
نفدَ الخشبُ
فصنعتُ مكتبتَكِ من عاجِ الفِيَلَةْ،
ثم أقْعَيتُ
أرتِّبُ لكِ أكوامَ الورقِ
ورسائلَ العشّاق.

البحثُ عن كتابِ الموتى يحتاجُ شهرًا
خُذي النبيَّ
كي تقيسي كمَّ العتمةِ في كراساتِ التاريخ،
وخذي الأوديسا
كي تحسبي كمَّ التشققاتِ في قدميَّ،
وخذي رأسَ المال
ثم أحصي مِلحَ الأرض
وامسحي بكفِّكِ البيضاءْ
على جبهتي الملوّحة
واحجبي الشمسَ بالأخرى.

هذا مكتبي
عيوني الكثيرةُ تحت لوحِ زجاجِه
لا تنظرُ إليكِ كما تظنين
بل إلى عدسةِ المصوّرِ العجوز
الذي كان ينامُ في حدائقِ مرسيليا.
والورقةُ
التي تطلُّ الآن بطرفِها من الدُرْج
لا تنوي الانتحارَ ولا حاجة
إنما خرجتْ لتتنفسَ
هي ليست قصيدتي القادمةَ فيكِ،
بل قرارُ إدانةِ شاعرٍ
بتهمةِ حبِّ الوطن.

أباجورتي
لابد أن تُخبطَ كي تؤدي عملَها،
أنثى!
تشبه الصفصافةَ النائمةَ على تُرعةِ بلدتي.

هنا قِلاداتي وأوسمتي،
أولَ أمس
وافقَ عيدَ جلوسي على العرش
وزّعوا التذكاراتِ والورودَ
وأطلقوا بالوناتٍ ملوّنة،
لكنني لم أكن هناك.

وهذا عصفورْ
عصفورٌ فوق أرجوحة،
كان في قفصٍ مثل كلِّ خلْقِ الله
وأخرجناه حين كفَّ عن الصياح
فغدا
مجردَ عصفورٍ صامتٍ
فوق أرجوحة.

هنا الكنبةُ الأسيوطي القديمة
عالقةٌ بنسيجِها خصلةٌ من شعرِك
مشى عليها المارينز حتى سمموا دجلةَ
من يومِها
لم يبرحْها الغبارُ
والوحشة.

وهذا سريري
واسعٌ
واااااسع!
مُلاءتُه بيضاءُ منذ عقدين.
طفلاتي في الغرفةِ المجاورة
غيرُ موجودات
نثرتُهنَّ في أرضِ الله،
وصغراهُن التي تشبهُك
لم أرَها
ذابتْ في كأسِ المصلِ
أثناءَ نومي
مثلما ذابَ نصفُكِ الحُرُّ.

ليس الرجلُ كالمرأة.
النساءُ يعرفن الزهرَ،
والرجالُ
لا يفطنون إليه
إلا بعدما يذوبُ بين أصابعِهم
مُخلِّفًا طيبَه
فيقولُ واحدُهم:
كانت هنا زهرةٌ!

هذي حبالُ الغسيل
مرخيةٌ
معاطفي وسُتراتي مُثقلةٌ بهموم نساءٍ
تدرّبنَ مثلكِ
على ابتلاعِ الزرنيخِ
ومصاحبةِ كافكا.

هذه مرآةْ
لوحٌ من زجاجٍ عاكس
داخلَ إطارٍ من خشبِ الجَوْز
لا شيءَ فيها يستحقُ الكلامْ
مجردُ رجلٍ وامرأة
على وشكِ المصافحةِْ
ثم الوداع،
غدا ينسى كلٌّ ملامحَ صاحبِه
وتبقى ذاكرةُ الزجاج،
تنتظرُ امرأةً جديدة
تكره الضجيجَ مثلكِ
وتجيدُ القفزَ على الخطوط الحمراء.

يا ربّةَ الأشياءِ الصغيرة
اخلعي ساعتَكِ
وارميها على الأرضِ جوارَ ساعتي،
فالعقاربُ – كما ترين –
تمشي.


اسمي محفورٌ على باب البيت؟
هذا لا يعني
سوى أن اسمًا محفورٌ على باب،
فكلُّ بيتٍ يحتاجُ إلى اسم رجلٍ
حتى ولو كان شاعرًا
لا يشغلُ من البيتِ
سوى مقعدٍ واحدٍ
في ركنٍ معتم.

تعاليْ
واجلسي قُبالتي
غدًا أشتري مقعدًا آخرَ
غير أنني
سأظلُّ وحيدًا.