لا الليلُ يعرفني ولا البيداءُ

وتلفني عند المغيبِ أناملُ الذكرى
بثوبٍ من شفقْ
حتى تدثرني وتعقد حيرتي
بوَثَاقها المطوي في عنق الزمانْ
وعلى وريقات الغمام تخطني نثرًا
كحبات البَرَدْ
والشمس ترسل بالعذاب سياطها
وتئزُّ.. تلعق في جروح الأمس ألسنة اللهيبِ
تعود بي حيث ارتعاشة خفقتي الأولى
بأنفاس السحرْ
ويهيلني لون احمرار الأفق
وهو يذوب في ماء السوادْ
وإذا به لص الحياةِ
يدب في خطوٍ وئيدٍ
يشهر العَتَمَاتِ في وجه السماءْ
فتنكس الشمسُ الجبينَ
تطأطئُ الرأسَ انهزامًا
تنحني خلف الأفقْ
والليل يسبل ستره فوق الغصونْ
فتحدُّ ألسنة الطيورِ
على عزيزٍ قد رحلْ
ويسيل في صدر المدى
نهرٌ من الدمع الأجاج ِ
يضجُّ في عمق السكونِ
نشيجُ أجذاع النخيلْ
وأنا بسفح خَسارتي
أجترُّ أنفاس النهار ِ
أطالع المنثور من عمري
وأنتظر انعتاق الفجر من بطش الغَسَقْ
لا الليل يعرفني
فيرسم في المدى قمرًا
ولا البيداء يعنيها اعتلال مطيتي
فأقل ركنًا للحنين وأنزوي
خلف انثيالات الرؤى
لأعتق الجمر الذي
مُذْ قاربته لفحة الأشواق ما شمَّ الرمادْ
وأعدُّ راحلة المساءِ
حقيبتي شجنٌ
مداديَ أدمعٌ
ودفاتري وجدٌ يروِّيه الأرقْ
والزاد حلمٌ كالثريدِ..
يبلَّه مَرَق الضجرْ
ويحلُّ خيمة وحدتي
يقتات ما أثردت من حلمي
ويعبث في زوايا الذاكرة
وسدىً بمنسأتي أهشُّ سواده
فيزيد أحداقي غطيسًا من سوادْ
يا ليلُ مالكَ قد أطلتَ المُكثَ؟
هل آنستَ عندي غايةً؟
أم ضلَّ حاديك الطرقْ؟
ما شئتَ من زمنٍ أطلْ
لكن وحق جلال رهبتك المهيبةِ عدني..
يا ليلُ أنـَّا نفترقْ


الإسكندرية في 6/9/2009